الصحافة الإلكترونية حكايتها حكاية؛ فقد تحولت من الورق إلى صحافة مقروءة على النت والحاسوب، ثم تحولت إلى صحافة قادرة على تقديم وثائق وأراشيف مصورة وفورية، ثم أدخلت خدمة التوثيق بالفيديو؛ فأصبح بالإمكان قراءة الخبر، ومتابعته تفصيلاً بالصورة والصوت، ثم أتبعت كل ذلك ببرامج الإبهار البصري في جوانب التصميم والإعلان، ودشنت المزيد من نوافذ التفاعل؛ لتصبح الساحة منتدى كبيراً ومتكاملاً ومتفاعلاً على مدار اليوم.
الصحافة الإلكترونية تتوسع وتتوسع، لكن في المقابل الصحافة الورقية تتوسع هي الأخرى. والواضح أن تكلفة إنتاج الصحيفة الورقية والانفجار المتوقع في مستخدمي الإنترنت سيحددان المنتصر والمهزوم في معركة البقاء القادمة؛ فالورق الذي تستخدمه الصحف تتطاير أسعاره يوماً بعد آخر، وأجور العاملين في الصحافة الورقية تقفز باستمرار إلى أعلى، والمطابع الصحفية أصبحت كائنات عملاقة تحتاج إلى رساميل عملاقة أيضاً.
أهل الصحافة الورقية يراهنون على مزاج القارئ؛ فهم يقولون إن القارئ الورقي ليس مستعداً للتضحية بصحيفته مقابل إرهاق بصره بالبحلقة في الشاشات، كما يقولون إن الصحافة الإلكترونية لم تحظ بعد بالاحترام والتقدير الذي تلقاه صحافة الورق، واكتساب الثقة في صحافة النت يحتاج إلى زمن طويل، وهو أمر غير محقق وحدوثه مسألة احتمالية ليس إلا!
وسطيون يقولون إن صحافة النت ستبقى بمحبيها ومتابعيها، وصحافة الورق ستبقى أيضاً بقرائها ومعجبيها، لكن صحافة الورق يجب أن تبحث عن تقليل تكلفة الإنتاج بشكل جدي ليكون بقاؤها مضموناً، كما أن على صحافة النت أن تتجنب التحول لما يشبه العمل التلفازي، فيجب أن تكون لها شخصيتها، وأن تقدم ما يحقق لها الاحترام والمصداقية لتصبح محل الثقة بين الجميع.
والواقع أن على صحافة الورق أن تتنازل عن غرورها، وأن تقر بأن هناك وليداً بدأ يشب عن الطوق هو الصحافة الإلكترونية، كما أن على الصحافة الإلكترونية بتقنياتها المتعددة أن تحد من اندفاعها وأن تضرب تعظيم سلام لأمها صحافة الورق؛ لأن لا أحد يستطيع الادعاء بأن صحافة الورق إلى زوال. المجال مفتوح فقط للتعايش، وهي اللغة التي يجب أن تسود في الصناعة الصحفية؛ ليبقى الجميع راضين بما أتيح لهم من مساحة.