ريبورتاج: غادة إبراهيم
لعب الإنترنت كتقنية حديثة دورا كبيرا في التواصل والوصول إلى المادة العلمية في مجال الطب، وبضغطة زر واحدة نستطيع الوصول إلى أي مادة علمية مكتوبة أو مصورة. وهذه هي المعجزة الحقيقية للانترنت في مجال الصحة، فللانترنت فضاء رحب من التطبيقات والاستخدامات لا يتسع المجال لحصرها، ولكن يمكننا القول إنها قصرت المسافات ووفرت الوقت والمجهود لكل من الطبيب والمريض.
ولكن على الرغم من ايجابيات الإنترنت، إلا أن هناك الكثير من السلبيات التي يمكن أن تنجم عن اخذ المشورة واستخدام أدوية مصدرها أشخاص يزعمون أنهم أطباء وقد تتسبب مشورتهم في الكثير من الأضرار التي قد لا تحمد عقباها.
في هذا الريبورتاج حاولنا إلقاء الضوء على آراء العديد من الطبيبات وبعض الزائرات لمواقع الاستشارات الطبية على الإنترنت وطرحنا عليهن السؤالين التاليين: هل من الممكن أن يكون الإنترنت بديلا عن الطبيب؟
وهل يمكن للاستشارات الطبية الالكترونية أن تكون بديلاً عن روشتة الطبيب واستشارته وجها لوجه؟
في البداية تحدثت سارة العنزي (طالبة جامعية) قائلة: لا أعتقد بأن الإنترنت أصبح بديلا عن الطبيب لأنه من الضروري جدا أن يتم التشخيص مباشرة من قبل الطبيب بكل دقة لمعرفة الحالة، وعلاجها. وأضافت قائلة: في حين لا ألجأ إلى الاستشارة الطبية عن طريق الإنترنت ولكنني أقوم فقط بالإطلاع على بعض المشاكل الصحية التي نتعرض لها وكيفية علاجها، وبذلك تكون الإنترنت دافعا للمعرفة والعلم، في حين أستفيد من المعلومات وبعض علاجات الطب البديل والتداوي بالأعشاب ولكن لا أعتمد عليها بشكل رئيسي. وتتابع قائلة:قد ألجأ أحيانا إلى الاستشارات الطبية التي تكون عن طريق الإنترنت لكي أستفيد من المعلومات، ومعرفة الأمراض وكيفية الوقاية منها، ولكن في أحيان كثيرة نحتاج لوجود الطبيب لأن وجوده مهم بنسبة 100%.
عامل مساعد
من جانبها فان داليا الشاطر(طالبة بكلية الطب) ترى بأن الإنترنت لا يمكن أن تكون بديلا عن الطبيب.فالطبيب مهما حدث من ثورة علمية الكترونية سيبقى دوره محفوظا ولا غنى عنه، وأعتقد أن الإنترنت يكون مساعدا فقط كمرجع أو كتاب خارجي يمكن الاستعانة به، وأنا لا ألجأ إلى الإنترنت للاستشارة، فمهما كان الطبيب كفؤ فمن الصعب عليه تشخيص الحالة عن طريق الوصف الكتابي فقط دون المعاينة والتشخيص بشكل عملي على أرض الواقع فالمرض أو الحالة تختلف من شخص لآخر، ولكن توجد موضوعات خاصة بالسمنة والنحافة وبعض الوصفات بالأعشاب الطبيعية أو بعض العلاجات للأمراض الخفيفة التي قد لا تستوجب ضرورة الذهاب إلى الطبيب بشأنها.
(طبيب دوت كوم)
وتوافقها الرأي جوهرة السلطان (طالبة بكلية الصيدلة) قائلة:من أكثر المواقع التي ألجأ إليها للاستشارة الطبية موقع (طبيب دوت كوم)، وللتعرف على احدث العلاجات وتراكيب بعض الأدوية بحكم دراستي.. ولكن لا يمكننا أن نجزم باستخدام المعلومات على شبكة الإنترنت كبديل للنصائح الطبية أو التشخيص أو المعالجة المقدمة من الطبيب أو أي شخص آخر مؤهل لتقديم الرعاية الصحية، ولا نستند على المعلومات الطبية المقدمة من أي موقع ؛ فقد تتغير المعلومات الطبية بسرعة أو قد تكون المعلومة خاطئة أو ثبتت بالدراسات الحديثة أنها غير صحيحة أو انتهت صلاحيتها خاصة في الطب البديل والعلاج العشبي كما يجب أن لا نستخدم أي معلومة طبية من على الإنترنت بغرض تشخيص أو علاج أية حالة مرضية دون إشراف طبي متخصص.
الإنترنت للتثقيف
وترى ليلي الرميح (طبيبة بإحدى المراكز الطبية الاستشارية) أنه لا يجب أن يكون الإنترنت بديلا عن الطبيب، ولكن من الجائز أن يقوم طبيب أو فريق من الأطباء بمناظرة أو مناقشة حالة عن بُعد بالاشتراك مع زميل آخر يناظر المريض سريريا من أجل الوصول إلى أفضل قرار وأفضل سبل العلاج، هنا فقط يتوفر طرفا المعادلة التحقيق عن بعد والتطبيق عن قرب.
ومن هذا المنطلق تضيف (الرميح) قائلة: من غير الجائز استخدام الإنترنت نهائيا في مجال التشخيص بغرض العلاج، ولكن لا مانع مطلقا من استخدامها بغرض التثقيف ونشر الوعي الصحي بين أفراد المجتمع حتى يتفاعل أفراد المجتمع ايجابيا مع أدوات ومفردات الخدمة الصحية. وهنا يبرز السؤال كيف يحكم الشخص العادي على مصداقية المواقع الكثيرة المنتشرة على الشبكة العنكبوتية والكثير منها ذات أغراض وتوجهات مختلفة تخدم مصالح خاصة بناشريها؟!!!
وتستطرد ليلى قائلة: الإنترنت وسيلة ممتازة لمساعدة الأطباء والمرضى ولكنها لا يمكن أن تكون بديلا عن الطبيب حيث إن تشخيص الأمراض يعتمد على الفحص الإكلينيكي وتاريخ المرض والفحوصات المعملية والإشعاعية ولا يمكن التشخيص بغير الفحص الجسماني الذي يجريه فقط الطبيب، كما أن طبيعة العلاج تختلف باختلاف شدة المرض وتاريخ الإصابة به والعوامل المسببة له وسن المريض.
طلب النصيحة
ومن جهة أخرى تضيف موضي المهوش (مشرفة على إحدى المواقع الالكترونية):
إن في معظم الحالات لا بديل عن معاينة الطبيب للمريض وجها لوجه، وأخذ التاريخ المرضي للحالة وإجراء تحاليل وأشعات حسب ما يتطلبه وضع المريض، وتقول: انطلاقا من هذا المبدأ فإن اغلب المواقع الصحية تقدم خدمة الاستشارات الطبية بهدف التوعية والتثقيف الصحي والنصح والإرشاد كخدمة مجانية لزوار الموقع، وهذه الخدمة لم ولن تغني عن استشارة الطبيب المتخصص ونحن لا ننصح بأي شكل من أشكال المعالجة الذاتية ما لم تكن صادرة عن مزود رعاية طبية متخصص ومرخص لشخص محدد بذاته وحالته الراهنة التي يستفسر عنها، ويجب أن لا يتجاهل زوارنا النصيحة الطبية أبدا، أو أن يتأخروا في طلب العناية الطبية المباشرة لأي قضية صحية محددة. وعلى هذا فزوار الموقع يستفيدون من هذه الاستشارات الطبية بدلالة الإقبال الكبير والمستمر على طلب النصيحة.
حلقة وصل
وتوضح رزان الماجد(صيدلانيه) رفضها للانترنت الطبي قائلة: لا يصلح الإنترنت أن يكون بديلا عن الطبيب ولكن يمكن أن يصبح حلقة الوصل بين الطبيب والمريض وبوضعه الحالي لا يصلح طبيبا.
وأردفت قائلة: لكن إذا حدث بعض التطوير وأصبح مثلا في عيادة الطبيب كاميرات متطورة وأصبح عند المريض مثلها وتم التفاهم بينهم ووصف الحالة بهذه الطريقة فأعتقد أن هذا ممكن الحدوث ويمكن أن يصف الطبيب للمريض خطوات العلاج دون صعوبة ولكن بالطبع فإن الحالات التي تحتاج إلى تدخل جراحي أو عناية خاصة لابد من تواجد الطبيب بجوار المريض، وبالفعل بدأت بعض المراكز الطبية الكبرى بإجراء عمليات جراحية كبيرة عبر الإنترنت تمت تحت إشراف أحد كبار الأطباء والذي كان يتابع الحالة عن طريق الإنترنت في جامعة علمية في دولة أخرى والمريض في دولة أخرى،
و عن تجربتها مع الكمبيوتر الطبيب تقول(الماجد): أنا ألجأ للإنترنت للاستشارة الطبية ولفهم الحالة أكثر والتعرف على طرق العلاج وطريقة التغذية وبعض الإرشادات وغير هذه من المعلومات.
سلاح ذو حدين
وفي نفس السياق تقول الدكتورة هيام العبد الله (مديرة إحدى المراكز الطبية) إن الاستشارات الطبية من خلال الإنترنت سلاح ذو حدين، فإذا كان السائل يعرف من يسأل، وهو من الموثوق فيه وفي علمه، فإن الاستشارة هنا تكون مفيدة، ولكنها لا تغني عن زيارة الطبيب، ولا يجب الأخذ بها كعلاج بشكل مؤكد، أما إذا كان الذي يجيب هو شخص غير معروف تماما للسائل، فلا يجب الأخذ بها مطلقا.
وتضيف (العبد الله): للأسف هناك الكثير من الأطباء لديهم مرض تقمص شخصيات وهمية، وربما يقوم بتصميم موقع خاص به لهذا الغرض، فمن يحاسبه؟ ومن يتأكد بأنه فعلا طبيب أو غير ذلك؟ من هذا المنطلق، تتابع الدكتورة هيام، أنا كطبيبة عربية، وأحد الخبراء في الإنترنت الطبية، وأملك أكثر من شبكة الكترونية تخدم الطب والمؤسسات العلاجية، لا أنصح أحدا بالاعتماد على الاستشارات الطبية من خلال الإنترنت، بل يجب أن تتم زيارة الطبيب المتخصص قبل أخذ أي دواء، وعلى الأطباء المتخصصون ممن يقومون بتقديم النصح من خلال الإنترنت، عليهم بتحذير السائل بأن لا يأخذ هذه النصيحة كعلاج بشكل مطلق،فنحن على سبيل المثال نقدم استشارات فقط لنوجه المريض إلى الطبيب المتخصص في حالته المرضية أي نحن نملك خبرات كبيرة في معرفة قائمة طويلة من الأخصائيين المتميزين في علاج حالات مرضية نادرة، ونقوم بتوجيه المرضى إليهم ولا نقدم لهم نصائح طبية إلا إذا كانت الحالة المرضية علاجها غير معروف.
التشخيص عن بعد
وتقول (خالدة الدهمش) اختصاصية في الأمراض الباطنية: يمكن الجمع بين الطبيب المشخص من الإنترنت والطبيب الآخر ولكن في حدود، فأنا لا أثق إطلاقا في التشخيص عن بعد، حيث إن المناظرة المباشرة مع المريض وفحصه إكلينيكيا هام جدا في التوصل إلى التشخيص السليم، وبالإمكان عرض الأبحاث الخاصة بالمريض بالإضافة إلى تقرير طبي واف على طبيب متخصص في أي مكان بالعالم لأخذ رأيه، وذلك عن طريق الطبيب المعالج، في حين يتم الاستفادة من الإنترنت على صعيد الصحة من خلال التعرف على الأمراض وأعراضها وطرق العدوى وكيفية الوقاية منها.
ثقافة الأسرة
وتؤكد أحلام الحمود (طبيبة أطفال) أن الإنترنت لن يكون بديلاً عن فحص الطفل أو المريض وإجراء الاستقصاءات، وتقول: الاستشارات الطبية التي نقدمها من خلال موقعنا تلقى إقبالا كبيراً، فالأم مثلا تريد رأياً سريعاً وشافياً في كثير من الحالات التي تصيب طفلها، ونحن نقدم هذه الاستشارات لهدف هام، وهو نشر الثقافة الصحية فهناك الكثير من المواقع الخاصة بالأطباء، والقليل منها موجه لتثقيف الأهل، لأن الرد على الاستشارة ليس سهلا دائماً، وبعض الحالات تحتاج للوقت والبحث والتدقيق ومراجعة الأبحاث المتعلقة بالحالة. فالاستشارات الإلكترونية مجرد ثقافة حيث إنه يمكن الاستفادة من الاستشارات الطبية عن طريق الإنترنت إذا كانت بشكل عام حيث إنه لا يجب استخدام وصفة علاجية معينة، أما إذا كان المريض معروفا لدى الطبيب أي أنه يعرف حالة المريض مسبقا، ستكون الاستفادة مقبولة، ولا يمكن أن تكون المعلومات المتوفرة في الإنترنت بديلا عن استشارة الطبيب.
دواء الإنترنت
وتحدثت الدكتورة رولا أسعد (صيدلانية) قائلة: الآن انتشرت مواقع كثيرة ترد على أسئلة المرضى عن بعد، بل وتصف لهم العلاج ولقد أصبح هناك سوق رائجة لبيع الدواء عن طريق الإنترنت! لقد أصبح المرض سلعة رائجة بين أيدي التجار وأصبح الاتجار بها يحقق مكاسب كبيرة تفوق تجارة السلع.
لكن جدير بنا أن نوضح أن هناك مؤسسات طبية على مستوى عال من الخبرة خصصت مواقع الكترونية من تخصصات عدة من مجال الطب وقامت بتجهيز فريق طبي متخصص للرد على الأسئلة التي تطرح كل من تخصصه، إنها مجرد استشارة طبية وليست علاج عن طريق الإنترنت لأن هذه الطريقة لا تغني أبدا عن مناظرة الطبيب لمريضه والكشف عليه وإجراء الفحوص الطبية اللازمة له حتى يكون التشخيص سليما، ومن ثم فإنه لا يمكن أبدا بأي حال من الأحوال الاستغناء عن الطبيب المعالج المتخصص مهما تعددت وسائل الاستشارات الطبية وأصبحت في متناول الجميع، إنها وسيلة للتسلية إن لم يكن الموقع المعني ذا ثقة ويقوم بالإشراف عليه أطباء متخصصون.