تعد أوكرانيا جنة لسائقي السيارات من مدمني الثرثرة عبر الهاتف المحمول أثناء القيادة، وتخوض الشرطة في الجمهورية السوفيتية السابقة معركة متصاعدة حاليا للقضاء على هذه العادة. إذا وقف المرء عند تقاطع شوارع مزدحمة وسط كييف بعد ظهر يوم خريفي مشمس فسيكون بمقدوره أن يسمع من خلال النوافذ المفتوحة للسيارات المحادثات الهاتفية التي يجريها السائقون باستخدام المحمول، وهي ظاهرة لا تكشف إلا عن انتهاك وبائي للقوانين القائمة التي تحظر استخدام الهاتف المحمول أثناء القيادة.

وقد أمضى مراسل وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) أكثر من نصف ساعة في مراقبة الحركة المرورية عند التقاطع ولاحظ أنه في أي لحظة يوجد سائق من بين كل عشرة يستخدم الهاتف المحمول أثناء القيادة. وفي إحدى المكالمات نجد شابا في العشرينات يعمل في خدمة توصيل الطلبات يقول إنه وشاحنته الصغيرة (الجاز - الخضراء) سيتأخران عن الموعد؛ لأن المرور في شارع فيليكا فاسيلكيفسكا في حالة مزرية. (ولم يكن الأمر كذلك). وهذا موظف متأنق يقود سيارة ليكزس 350 بأصبعين ويتنقل بين المسارات وهو يتحدث عبر المحمول عن اختيارات لمكان لتناول الغداء. وهذا رجل أعمال حليق الرأس يقود سيارة لاندكروزر سوداء متجاهلا أحد المارة يعبر الشارع وكان الرجل يصيح متذمرا من تكرر مرات التأخير في تحويل مصرفي مهم بالدولار الأمريكي.

قيادة بالركبتين!

وهذا أيضا سائق يقود سيارة أجرة دايو فضية بركبتيه وهو يدون عنوانا عبر المحمول لزبونه التالي. وهذه فتاة مغطاة بوشاح أرقط يتسق تماما وسيارتها الأفيو البرونزية تخبر شخصا تعيسا وهي تحاول الانعطاف شمالا بأنها مشغولة هذا المساء. ويقول سيرهي بودنيك وهو متحدث باسم شرطة المرور الأوكرانية (دي إيه آي) في مقابلة مع قناة جازيتا 24 التلفزيونية الإخبارية (هذه واحدة من أسوأ المشكلات المرورية التي نشهدها هذه الأيام. لقد كانت المكالمات الهاتفية عبر المحمول شيئا غريبا لكنها اليوم واحدة من الأسباب الرئيسية للحوادث).

ويقع ربع عدد حوادث المرور في أوكرانيا نتيجة انشغال سائق أو أكثر بالتحدث عبر المحمول أثناء القيادة. وتفيد تقديرات أجهزة المرور بأن العام الماضي شهد وقوع أكثر من 60 ألف حادث مروري في أوكرانيا وكان ثمانية آلاف منها مرتبطا باستخدام الهاتف المحمول. وهذه الأرقام المرعبة تبدو أسوأ إذا ما قورنت أوكرانيا بدول أخرى. فمعدلات الحوادث المرورية وحالات الموت المرتبطة بها بالنسبة لعدد السكان تزيد بسبع مرات عما هو في الولايات المتحدة وبـ(14) مرة عما هو في ألمانيا وفقا لما تشير إليه إحصاءات وزارة النقل. يقول بودنيك: (ليس أمامنا خيار إلا التعامل مع المشكلة بصرامة. هذه ضرورة وطنية ملحة). الحكومة الأوكرانية - وبأوامر من الرئيس فيكتور يوشينكو أحد أنصار اقتصاد السوق والإصلاحات القانونية لتقوية العلاقات مع أوروبا - أدخلت من خلال البرلمان تعديلات واسعة على قانون الغرامات المروري. وتقضي القوانين الجديدة برفع غرامة التحدث عبر المحمول أثناء القيادة من ستة دولارات حاليا إلى 70 دولارا كحد أدني، وحدها الأقصى 85 دولارا إذا كان هناك طفل في السيارة. والمنتظر بدء سريان جدول الغرامات الجديدة في 17 تشرين ثان - نوفمبر الجاري ومواقع الإنترنت الأوكرانية المخصصة للسيارات - والتي تعج فعلاً بالشكاوى من أن الحكومة تحد من حرية سائقي السيارات - أخذت في نشر أفكار جديدة عن كيفية تفادي النظام الجديد. وينصح سيرجي سكودا وهو أحد المساهمين في الموقع الإليكتروني (ذا فورام دوت أوتو دوت نت) سائق السيارة بالقول: (ارفع درجة الصوت (صوت المحمول) وخبئ الهاتف في حجرك وتحدث بصوت عال. أو قذف بالهاتف إلى راكب أو حتى ارمه من الشباك (إذا اقترب منك الشرطي). كما يجب ألا ننسى أين نحن نعيش، إذ يمكننا دائما رشوة الشرطي). وتشير الدراسات السنوية إلى أن شرطة المرور الأوكرانية تكاد تكون الثقة فيها معدومة لدى المواطنين. وتعترف قيادة شرطة المرور بأن الفساد الموجود في صفوف أفرادها يمثل مشكلة، لكنها تدفع بأن الإجراءات الفنية الجديدة وزيادة مرتبات الأفراد سيجعل نظام الغرامات المرورية الجديد قويا وشرطة الشوارع أمناء. تسجيل رقمي وأعلنت إدارة المرور في وقت سابق من هذا الشهر خطة تفيد بأن رجال شرطة المرور سيحملون لأول مرة في تاريخ البلاد أجهزة تسجيل رقمية يجب على الشرطة تشغيلها عند إصدار ورقة مخالفة ليتم بذلك تسجيل الحوار بين الشرطة وسائقي السيارات المخالفين. وسيتم إثبات المخالفة الفعلية لقانون حظر المكالمات الهاتفية أثناء القيادة بواسطة أجهزة مراقبة رادارية وكاميرات رقمية وعدسات تصوير بعيدة بما يضع في أيدي رجال القانون أدلة قاطعة ودامغة على الاستخدام غير القانوني لللهاتف المحمول. وتقول نينا همليفيسكا وهي متحدثة باسم وزارة الشئون الداخلية: (يمكن للسائقين أن يقولوا ما يشاءون لكن من الصعب تكذيب الصورة). ومع ذلك يبدي مستخدمو السيارات المخضرمون في الغرب تشككا مشيرين إلى أن انتهاك قانون المرور أمر متأصل في أعراف قيادة السيارات في أوكرانيا. ويقول كثير منهم إن النتيجة النهائية للحرب الجديدة على مكالمات المحمول أثناء القيادة في أوكرانيا هي حدوث ارتفاع كبير في قيمة الرشاوي. ويقول فيكتور شاباني ابن الثانية والثلاثين ومالك سيارة فولجا: (ليس من عادتنا أن نفعل ما تقوله السلطات. إنها تضع القوانين ونحن نجد السبل للتحايل عليها).