اختيار شريك العمر هو من أهم مقومات الزواج الناجح ودعامة أساسية لحياة أسرية سعيدة.. وبسبب الصعوبات التي يواجهها الشباب والشابات لاختيار شريك أو شريكة الحياة، ظهرت بدعة جديدة قدمت إلينا من الغرب وانتشرت انتشارا كبيرا في عالمنا العربي وهي الزواج بالكمبيوتر.. فما على راغب الزواج إلا أن يزود الكمبيوتر بمواصفات فتاة الأحلام يرشح له الجهاز عروس المستقبل!
لذا تسعى تلك المواقع الإلكترونية على الإنترنت لتقديم خدماتها وجذب أكبر عدد من الشباب الباحثين عن نصفهم الآخر أملا في قهر شبح العنوسة الذي يهدد مستقبلهن فانتشرت مؤخراً نماذج وعناوين لمواقع إلكترونية عبر الإنترنت وقنوات فضائية تعنى بالزواج تساعد من يرغب في إكمال نصف دينه وصارت في نظر الكثير أنها قد همشت دور الخاطبة وحلت محلها، ولعل السبب في تعدد وانتشار هذه المواقع التي أطلق عليها من يحاول اللجوء إليها اسم (الخاطبة الإلكترونية) مع وجود أعداد كبيرة من الشباب على قائمة انتظار قطار الزواج أو الفتاه التي فاتها هذا القطار وأصبحت من ضمن قائمة (العوانس) وهذا ما أثبتته الإحصائيات. فهل استطاع الإنترنت بمواقعه هذه أن يضع أيدينا على حل لظاهرة العنوسة التي باتت تهدّد بخطورتها المجتمعات العربية فما مدى ثقة الشباب بمثل هذا النوع من الزواج؟
وهل ستقضي التقنية على الحد من (العنوسة) في سياق استطلاع آراء الشباب حول هذه الظاهرة عبر الكثير ممن شاركوا في هذا المعترك الإلكتروني للبحث عن شريك الحياة بنظرة تقنية جديدة. وهل تسمح عاداتنا وتقاليدنا بهذا النوع من الزواج؟ وهل يكون الزواج بالكمبيوتر حلا لمشكلتي العنوسة؟!!!
طفرة إلكترونية
في البداية تحدثت سعاد اليوسف (معلمة) قائلة: (غزت الطفرة الإلكترونية كل شيء ولكن لم نتوقع أن تصل إلى حد اختيار شريك العمر كما يحدث الآن ابتداء من وسائل الأعلام المختلفة وصولاً إلى شبكات الإنترنت والقنوات الفضائية (الخاطبة الإلكترونية) تواكب التطور العصري للعالم الحديث، والتعامل على هذا المتغير الجديد لابد أن يكون بعده قرار حكيم لما للموضوع من أهمية بالغة ستكون أي سلبية فيها ذات أمور لا تحمد عقباها).
وترى: (إن الزواج الذي يتم عن الخاطبة وإن كان تقليدياً بعض الشيء إلاّ أنه يحمل في طياته أموراً كثيرة يشترك فيها العناصر الثلاثة المهمة لإنجاح أي مشروع زواج وهم الخاطبة في المقام الأول ومن ثم الزوج والزوجة ومن الأمور المشتركة بينهم أيضاً العادات والتقاليد التي ربما لا تكون عند الخاطبة الإلكترونية).
من جانبها قالت غدير السالم (طالبة جامعية) أنها لا تؤمن بالخاطبة الإلكترونية ولا تظن بأنها في يوم من الأيام سترتبط بهذه الطريقة.
وأضافت قائلة: (أعتقد بضرورة لقاء الطرفين المقبلين على الزواج والتعارف رسمياً، حتى يتأكد كل طرف مدى مناسبة الطرف الثاني له ويراه على الطبيعة).
وتضيف: (إنني لا أود التشكيك في مدى مصداقية المواقع التي تقوم بهذا النوع من الأنشطة ولكنني أعتقد أن معظمها قائم على أغراض تجارية بحتة وما يهمهم هو الربح فقط أما ما يصيب العلاقات الزوجية التي تتم عن طريقهم من نجاح أو فشل لا يعنيهم أبداً، على الرغم من رفضي لفكرة الزواج عن طريق الخاطبة الإلكترونية إلاّ أنني أوجه رسالة لكل القائمين على هذه المواقع بأن يتحققوا من صحة جميع المعلومات التي تصلهم من الراغبين في الزواج لتفادي أية مشكلات قد تحدث في المستقبل نتيجة عدم صحة هذه المعلومات).
وسيلة إعلانية
وتشير صفاء المهدي - موظفة - إلى أن هذه المواقع تعتبر وسيلة من وسائل الإعلانات التجارية الخاصة بالزواج وهي تشبه التي يتم نشرها في الكثير من الجرائد والمجلات ولكنها من دون رقابة وتقول:(ربما كانت هذه أسرع بالنسبة للوقت ولكن مشكلتها أنها غير جدية للذين يتعاملون بها فغالبية مستخدمي هذه المواقع يكونون شاعرين بالملل ويريدون أن يدخلوا وعالما آخر ينسيهم واقعهم بحيث يحلمون ويحاولون أن يجدوا من يحلم معهم ومع مرور الوقت تتحول إلى تواصل أو للبحث السريع عن شريك الحياة خوفا من لقب (العنوسة).
منى - طالبة- تبدأ حديثها قائلة: (اعتقد أن الفتاة الخليجية لن تضع نفسها في هذا الموقف.. الفتاة خرجت للتعليم والعمل وأصبحت نظرتها للأمور متزنة وجادة لهذا لن تترك الآلة أو التقنيات الحديثة تختار لها شريك العمر. ومع هذا يجب أن نؤمن بأن الزواج قبل ذلك قسمة ونصيب.. هكذا هي الحياة.. وحتى لا نظلم الأخريات فالتي ظروفها تسمح لها بنشر معلومات عنها في الإنترنت لها الحرية المطلقة وقد يكون هناك نصيب ما ينتظرها والمسألة كما أشرت قسمه ونصيب!!).
وتقول عائشة فتاة في العشرين من عمرها: (لا أؤمن بهذه الطريقة لأننا كبشر نملك الأحاسيس والعقل وكثيرا ما نخطئ الاختيار فكيف نترك الأمر لآلة أو تقنية تعطينا مواصفات جامدة.. ولا اعتقد انه بديل للخاطبة أو الأهل فهم يعطوننا فكرة كاملة عن الظروف الاجتماعية والثقافية التي تساهم في رسم صورة حقيقية عن شريك الحياة إلا أنها تفتقر لجوانب مهمة من الواقع والموضوع يتعلق قبل كل شيء بظروف وتقاليد أسرة الفتاة أو الشاب أو حتى الدولة التي ينتمي إليها الشاب أو الفتاة فالذي هو مسموح ومقبول في بلد ما وقد يكون مرفوضا وبقوة في بلد آخر).
أما حنان الربيعة - معلمة حاسب آلي فتستنكر بشدة قائلة: (لا لزواج الكمبيوتر إذ ليس المهم إعطاؤنا معلومات عن شخص ما لكن المهم هو شخصية وأخلاق هذا الشخص الذي لا يمكن للكمبيوتر أن يقدمها لنا.. وفي هذه الحالة لا يتعدى دوره دور الخاطبة التقليدية التي يرفضها كثير من شباب اليوم.. وفي اعتقادي أن الإنترنت له دور كبير في الحياة لكن لا يعني هذا أن نتقبل كل ما يقدمه لنا.. علينا أن نتعامل معه بحذر فنأخذ ما يساهم في حل مشكلاتنا ونبتعد عما ينافي عاداتنا وتقاليدنا ومبادئنا الإسلامية..
لما لهذه الرابطة من قدسية وإذا كان زواج الكمبيوتر قد نجح في أوروبا فهو بالتأكيد لن ينجح في بلادنا فنحن في بيئة مختلفة في عاداتها).
بسمة - طالبة- تقول: (إنها ظاهرة جديدة إذا كان من الممكن أن يساهم الإنترنت في إتمام عملية الزواج فليس هناك ما يمنع من استخدامه.. لكن هناك ظروفا تمنع الفتاة أو الشاب من تقديم المعلومات الصحيحة لمواقع الزواج لظروف تكاد تكون معروفة للجميع.. في هذه الحالة اشك في نجاح الزواج. فالتعارف الشخصي أفضل.. وتتساءل ماذا افعل إذا اخطأ الكمبيوتر أو الموقع وكيف أتأكد من أن البيانات الأخرى صادقة.. خطأ واحد بسيط يؤدي لزواج فاشل وبالتالي مضاعفة مشاكلنا الاجتماعية التي يقال إنها ستحل عن طريق الكمبيوتر مثل الطلاق وغيره.. اعتقد أن من يلجأ لهذه الطريقة كأنه يلهو بلعبة.. هل هناك إنسان يتحدث عن عيوبه وسلبياته؟ بالطبع سيذكر فقط كل الإيجابيات.. لذا لا أنصح أحد باللجوء إلى مثل هذه المواقع مستقبلاً أو الاعتماد عليها ولا أجد أي ضرورة لاستخدامها. وأرفض الفكرة لأن تقاليدنا لا ترضى أصلاً بها. وأي عائلة لا ترضى لابنها أن يتزوج عن طريق النت وأعتقد أن مثل هذه الوسائل في التعارف غربية أكثر منها شرقية ولا تتماشى مع قيمنا).
رأي الأمهات
والتقينا ببعض الأمهات لأخذ رأيهن في هذه الظاهرة الزواج الإليكتروني فأجابت أم فيصل وهي أم لستة من البنين والبنات: أن الزواج عن طريق الكمبيوتر أو حتى الفضائيات بدعة يقدمها لنا الغرب ولذلك نرفض أن يتزوج أبناؤها بهذه الطريقة أبدا.. كيف يمكن لبنات الحسب والنسب والأخلاق الحميدة تزويد الكمبيوتر بالمعلومات الخاصة بهن.. أن ذلك لن يحدث فالفتاة في كثير من الأحيان لا تبوح بأسرارها الخاصة وحياتها الشخصية لا للكمبيوتر ولا لغيره.. وقد يقع شيء آخر فربما لا تتم عملية الزواج بعد تقديم المعلومات فكيف سيكون موقف الأسرة؟ أما فيما يتعلق بمعالجة ظاهرتي العنوسة والطلاق فان ذلك لا يتحقق فالمرأة المطلقة مثلا لا يمكنها أن تدلي بالمعلومات الصحيحة عن ظروف طلاقها مثلا والأسباب متعددة وكذلك الرجل.
خالد العسيري مدير أحد مواقع الزواج عبر الإنترنت يقول: (نجحت مواقع الخاطبة الإلكترونية على الإنترنت في تقديم خدماتها وجذب أكبر عدد من الشباب الباحثين عن نصفهم الآخر أملا في قهر شبح العنوسة وذلك بعد أن ساعد الإنترنت الفتيات على التخلص من الخجل والبحث عن شريك حياتهن عبر الشبكة والانخراط في العلاقات الاجتماعية. ولكن ما يزال التردد والخجل يلعب دور كبير في تحرك الشباب خاصة الفتيات للبحث عن شريك الحياة بعد أن تفاقمت مشكلة العنوسة وباتت تهدد استقرار المجتمع العربي ككل ووصلت لمستويات خطيرة في بعض البلدان العربية). ويضيف ليس كل مستخدمي الشبكة مثقفين أو خريجي الجامعات حيث يتعامل الشباب والأطفال بمختلف ثقافتهم ودرجة تعليمهم مع برامج الدردشة بسهولة شديدة وأصبح للجميع بريد إلكتروني كما تشجع الآن البرامج والمسلسلات التليفزيونية الناس على التعامل مع الإنترنت من خلال التوجيه المباشر والغير مباشر. وعن طبيعة التعامل مع مستخدمي هذه المواقع يقول: (لدينا أساسيات في العمل منها حق الراغبين في الزواج الإلكتروني في التمتع بسرية معلوماتهم ومراجعاتها والتدقيق فيها من جانبنا خاصة البيانات الأساسية التي تخص الاسم والديانة والعمر والعمل والشهادة. وللتأكد من جدية الراغبين في الزواج اتبعنا نظام خاص بتسجيل البيانات منها ضرورة الحضور إلى مقر الموقع والتسجيل الشخصي من خلال استمارة أعدت لذلك حتى يتوفر لنا التأكد التام من صحة البيانات التي يدونوها).
رأى علماء الاجتماع
يرى دكتور علم النفس والاجتماع (سعيد الأسمري): إن هذه المواقع أو القنوات ليست على المستوى المطلوب حتى يمكن لشخص متابعتها أو التصفح فيها ويجد في هذه المواقع أو القنوات ضالته التي فقدها، فهي مضيعة للوقت ومن أراد الزواج عليه اتباع العادات والتقاليد الموجودة في بلده لأن الهدف منه تكوين أسرة وكل ذلك لا يمكن تحقيقه من خلال النت فيجب أن يكون هناك نوع من الجدية من قبل الشخص الراغب في الزواج. ويشير (الأسمري ) قائلا: (إن غالبية الذين يتابعون هذه المواقع أو القنوات هم من هواة التسالي ليس إلا لأن الجلوس أمام شاشات الكمبيوتر أو التلفاز لساعات طويلة من دون رقابة يجعل فرصة البحث عما يشبع غرائزهم سهلة وقال تعالى في كتابه العزيز {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} حيث يمنون أنفسهم أنهم يعيشون في أوهام وأحلام وردية وهم في الأساس ليس لديهم الإمكانيات المادية التي تتيح لهم حتى التفكير في الزواج أصلاً).
ويبين (الاسمري) أن هذه المواقع ليس لها ضوابط تحكمها ولا يجوز للمسلم ولا المسلمة التعامل معها لان مفاسدها المحققة أعلى وأكبر من مصالحها ولأننا نعاني من ترسبات مشكلة في ارتفاع نسبة الطلاق. ويضيف يجب أن نجتهد في إيجاد قنوات تساعد على إخفاء هذه المفسدة ومن أراد أن يختار الزوجة فهناك عدة وسائل كالجمعيات والمؤسسات المعنية بتيسير الزواج وما ينشر للتعارف في بعض الصحف والمجلات وبإذن من الأهل مع متابعتهم وتوجيهاتهم حتى تكون هناك حماية للأعراض ويكون الزواج على أساس قوى فاختيار شريك العمر هو من أهم مقومات الزواج الناجح.
رأى الدين
إلى ذلك يرى الشيخ عبد الله الصالح - مأذون أنكحة قائلا: (إن الزواج الإلكتروني هو أكثر الوسائل التكنولوجية استخداماً كسلاح ذو حدين، ويمكن توظيفه في تنمية الشخصية الإنسانية، فلم يلعن اللّه عزّ وجلّ الخيول والبغال والنياق كوسائل للاتصال سابقاً لأنها قد تستخدم في الحرب على الرسل والدين، فوسائل الاتصال التكنولوجية ليست حراماً هي نفسها كما هو رأي المشهور من الفقهاء - ولكن المجال للاستخدام هو الذي يحدد شرعيتها ونقصد بالطرق العفيفة هو علم الوالدين (من طرف الرجل والمرأة) بهذه الترتيبات، وأعرف أحد الأصدقاء من المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية تبنى موقعاً لتزويج المطلقات والعوانس، وذلك من خلال الطريقة العفيفة. وقال: كانت المرأة في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم- تقف في المسجد وأمام المسلمين وتقول: يا رسول اللّه زوجني فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم- من لها؟ فيقوم أحدهم فيقول: أنا يا رسول اللّه، فيجمع بينهما النبي - صلى الله عليه وسلم- ليعقد قرانهما بكل يسر، أما في أعرافنا اليوم فإن هذا الأمر عسر لأنه يخضع لنظرية العيب). فلماذا يلجأ الشباب إلى طرق غير آمنة في التعبير عن رغبتهم في الزواج والحال إننا نستطيع تزويجهم بالطرق العفيفة؟!!