الدكتور كين سيغل رجل أعمال أمريكي لا يحب رسائل البريد الإلكتروني، ويعلق على هذا الأمر بقوله: (أنا لا أحب ذلك، وعندما أقول ذلك للتنفيذيين الذين أعمل معهم ينظرون إليّ باستغراب في البداية، ثم يتحول هذا الاستغراب إلى حسد عندما أوضح لهم السبب).
ويقود سيغل، الذي يعمل اختصاصياً في علم النفس ورئيساً لمجموعة إمباكت التي تعمل في الاستشارات الإدارية بمدينة لوس أنجليس، حملة ضد البريد الإلكتروني، داعياً إلى التقليل منه، وطالباً من عملائه تنظيم أنشطة مثل (جمعات بلا إيميلات)، وهدفه من ذلك هو زيادة الإنتاجية كما يقول.
*****
يبرر سيغل دعوته إلى زيادة الإنتاجية عن طريق التخلي عن (الإيميلات) بقوله: إن البريد الإلكتروني وسيلة نشر أكثر منه وسيلة اتصال، ولكن استعماله أصبح في نظره معطلاً للاتصال في الآونة الأخيرة؛ لأنه تحول في الواقع إلى إدمان. وحول ذلك يقول: (لقد أقنعنا أنفسنا بأننا لن نستطيع الاستمرار في الحياة بدونه).
وتشير دراسة أعدتها مجموعة راديوكاتي، وهي شركة بحثية واستشارية بمدينة باولو ألتو بكاليفورنيا، إلى أن البريد الإلكتروني يقتطع جزءاً كبيراً من وقت العمل، حيث توصلت الشركة إلى أن استخدام البريد الإلكتروني بين العاملين في الشركات في طريقه إلى الازدياد بنسبة 27 في المئة هذا العام، بمتوسط إرسال يبلغ 47 رسالة إلكترونية في اليوم، بعد أن كان 36 رسالة في العام الماضي. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: (هل شركاتنا في حاجة إلى إضاعة جزء كبير من وقتها في أعمال ليست مثمرة في نهاية الأمر؟).
لا شك أن سيغل محق إلى حد كبير فيما ذهب إليه. خذ مثالاً نموذجياً في شركة ناشيونال ببلك راديو. إن سيل الرسائل على بريدي لا ينقطع طوال اليوم، رسائل متنوعة تتفاوت بين الرسائل الإخبارية، ورسائل الموارد البشرية بالشركات، ورسائل من أناس يبحثون عن ممتلكات نسوها أثناء تجولهم في عدد من المحال، ورسائل من أشخاص من نيجيريا يقولون إنهم يريدون إعطائي مبالغ ضخمة، وغير ذلك من الرسائل. إنني أكاد أرى ابتسامة سيغل من وراء الهاتف عندما يسمع حديثي هذا؛ لأن ما أعاني منه هو نفس ما يعاني منه هو، ويعاني منه الكثيرون غيرنا. وإذا أحصينا الرسائل المفيدة من هذا الكم الهائل من الرسائل لوجدناها قليلة جداً. وأعتقد أن هذا هو ما دعا سيغل إلى التفكير في حملته الضارية ضد الرسائل الإلكترونية. إنه يريد من الناس أن يفكروا فيما يعود عليهم بالنفع من هذه (الإيميلات)؛ وذلك لأنه يعلم أن الكثيرين من زملائه من التنفيذيين يقضون ما بين ساعتين وثلاث ساعات في قراءة ما بين 150 و250 رسالة يومياً، وأن ما بين 16 و19 في المئة فقط من هذه الرسائل تضيف قيمة إلى عمله.
وهو مستاء أيضاً من طريقة أخرى من طرق استخدام الرسائل الإلكترونية، حيث يقول: (لقد أصبح البريد الإلكتروني الوسيلة العصرية للتحايل، إضافة إلى أنه أصبح خيار الجبناء في علاقاتهم بغيرهم). وهو يعني بذلك أن الكثيرين يلجأون إلى حيلة البريد الإلكتروني لتفادي التعامل مع مسألة ما بالسرعة المطلوبة؛ ولذلك فهو ينصح أولئك الذين يمرون بمشاكل تتطلب الحل العاجل بأن البريد الإلكتروني هو أسوأ الطرق التي يمكن اللجوء إليها في مثل هذه الحالة.
ومما زاد من تعقيد الوضع أن الكثير من الشركات أصبحت تطلب من منسوبيها استخدام تقنيات اتصال متطورة مثل جوال بلاكبيري، الذي يربط الشخص بالبريد الإلكتروني؛ ففي الماضي القريب كان الموظف يركز اهتمامه على البريد الإلكتروني فقط، ولكن هذه التقنيات الجديدة أصبحت تنبهه إلى (الإيميلات) التي تأتيه في بريده الإلكتروني؛ ما يعني أن البريد الإلكتروني أصبح ملازماً لهؤلاء الأشخاص أينما حلوا.
ويساعد سيغل المسؤولين التنفيذيين على التعامل مع هذه الأوضاع بمدهم باستراتيجيات لترويض الغول الرقمي والحصول على أكبر قيمة ممكنة من أعمالهم. وهكذا ولدت استراتيجية (جمعات بلا إيميلات)، ولكنها كانت ولادة متعسرة؛ ففي مقال نشر بصحيفة وول ستريت جورنال، أبدت نانسي فلاين، المديرة التنفيذية لمعهد السياسات الإلكترونية بمدينة كولمبوس بأوهايو، تأييدها لفكرة التوقف عن البريد الإلكتروني ليوم واحد، كما تدعو إلى ذلك استراتيجية (جمعات بلا إيميلات)، ولكنها غلفت تأييدها بالتحذير من أن سحب البريد الإلكتروني عن بعض الموظفين ربما يؤدي إلى إصابتهم بالذعر، بل هي لا تستبعد ارتكابهم لأحداث شغب. وتشرح فلاين رؤيتها هذه بقولها: (لقد لاحظت عبر متابعة لتصرفات مستخدمي أجهزة البلاكبيري أن استجابتهم لتنبيه الجهاز لوصول إيميل على مستخدم الجهاز يشبه تماماً استجابة كلب بافلوف، في تجربته المعروفة في علم النفس، إذ ما إن يرن الجهاز إيذاناً بوصول إيميل حتى يوقف صاحبه أي شيء يشغله بصورة لا إرادية، قائلا: (لا بد من الرد الآن).
ويتفق معها سيغل في أن فكرة سحب البريد الإلكتروني ليست سهلة التنفيذ، غير أنه يرى أن جني ثمار التنفيذ مؤكد إذا ما استطعنا تجاوز ردود الأفعال الأولى، والثمار التي يعنيها هي ازدياد الإنتاجية. يقول سيغل: (إن المشاكل كلها قابلة للحل إذا ما أفلحنا في إقناع الناس بإمكانية إنجاز الأعمال دون الاعتماد على (الإيميلات)، ذلك أن الإجراء الذي يتطلب اتخاذه تبادل سلسلة من (الإيميلات) التي تتقافز مثل الكرة بين الحواسيب طوال يوم كامل أو أكثر، يمكن إنجازه في جلسة واحدة لا تستغرق أكثر من عشر دقائق، وتضاف إلى ذلك أهمية مثل هذه الجلسات من الناحية الاجتماعية أيضاً).
ومن الحلول التي ينصح بها سيغل نصحه بإهمال (الإيميلات) الثانوية؛ أي (الإيميلات) التي تكون موجهة في الأساس إلى شخص آخر، مع صورة من الإيميل إليه. ولم يتردد التنفيذي بالطبع في تنفيذ التوجيه، وبعد فترة من ذلك لاحظ أن كل من أن أرسل إليه إيميلا على هذا النحو اقتنع بضرورة مقابلته شخصياً لوضع حد نهائي لمشكلته.
ولا ينكر سيغل أهمية البريد الإلكتروني، وأنه أصبح في الواقع جزءاً من حياتنا العملية، وأن الارتداد عنه غير ممكن، ولكنه يرى أننا أمسكنا بخناقه، واستهلكناه في كل صغيرة وكبيرة، لدرجة أننا أفقدناه فاعليته في كثير من الأحيان. وحول ذلك يقول: (إن البريد الإلكتروني ليس من مهمته أن يملي على الشخص ما ينبغي فعله، سواء في أعمالنا أو منازلنا، مشيراً إلى أنه أداة ذات وظائف واضحة ومفيدة، ولا ينبغي استخدامه للاتصالات العادية). وبناء على ذلك يناشد سيغل الشركات والأفراد الاتفاق حول موجهات لترشيد الاستخدام، مؤكداً أن ذلك (سوف يفيدنا كثيراً في تطوير أعمالنا والاستفادة من أوقاتنا فيما يفيد).