الرفاهية ستصبح على قفا من يشيل، والتقنية باتت اليوم على مشارف عالم جديد، عالم ينعم فيه الكل بالطاقة النظيفة المتجددة، بل والزهيدة السعر بحيث تكون في متناول الفقراء والأغنياء.
الإنسان استغل كل الوسائل لإنتاج الطاقة، بدءا من عضلات الجسم البشري، مرورا باستغلال الحيوان، وانتهاء باستعمال الآلة كما استغل بنو آدم العناصر المتاحة لإنتاج الطاقة، فوظفوا طاقة الرياح، وارتقوا لاستعمال طاقة الماء ثم طاقة الشمس، ثم قفزوا لاستعمال الفحم الحجري وغيره من أنواع الفحم النباتي، ليهتدوا أخيرا إلى النفط وبعده الطاقة النووية.
كل هذه الرحلة كانت لها أثمانها، فالعضلات إنسانية وحيوانية محدودة الطاقة، ومهلكة للإنسان والحيوان، والوسائل الأخرى إما شحيحة العطاء، أو مكلفة في استغلالها، أو مسيئة للبيئة وللحياة على سطح الأرض.
ومع المخاطر الجمة للطاقة النووية، ظل الإقبال عليها متناميا، وباتت كل الدول تتطلع بشكل أو بآخر لدخول هذا المضمار، وكان السبب دائما هو قوة هذا المصدر في توليد الطاقة، رغم أن الدول الكبرى تتوجس خيفة من استعمال فقراء العالم الثالث لهذه الطاقة، خوفا من تطوير هذا الاستعمال ليصبح إنتاجا نوويا يهدد سطوة الكبار.
والطاقة النووية، كما يعلم الجميع، تقوم على القوة الناشئة من تفجير الذرة وانشطارها، بحيث يمكن استعمال هذه القوة في إنتاج كميات هائلة من الطاقة الكهربائية، أو في إنتاج قوة تدميرية يمكنها التسبب في هلاك ملايين البشر بين غمضة عين وانتباهتها! المفاجأة التي جاءت بها التقنية هي الخروج من عصر الانشطار النووي، والتطلع لدخول الطاقة الناتجة عن (الالتحام) النووي! فالعلماء يقولون إن البشر سيصبحون خلال عقود قليلة جدا قادرين على عمليات الالتحام النووي، وهي عملية عكسية للانشطار، لكنها قادرة على توليد نفس الطاقة الهائلة التي عرف بها انشطار النواة، وفوق ذلك لن تكون هناك نفايات مضرة، أو تكاليف مادية باهظة.
والالتحام النووي، يقول العلماء، سيكون مصدره ماء البحر، فلا يورانيوم ولا يحزنون.
والماء في البحار، كما نعلم، يمثل أربعة أخماس الكرة الأرضية، أي أن القاعدة التحتية لطاقة المستقبل ستكون بالفعل على قفا من يشيل! لذلك ستعمل المصانع وقتها دون تكلفة كهرباء، وستضيء المنازل دون فاتورة تقصم الظهر، وستنعم أوروبا بدفء دون بترول ينهكها، وسننعم بإنتاج وفير من كل سلع الرفاهية دون أن نتحمل فواتير الطاقة الباهظة.
تقنية الالتحام النووي ستقطر معها العديد من الفوائد الأخرى، فالأطماع الدولية ستتضاءل، والصراعات المسلحة ستختفي، وسيكون الجميع على موعد مع سلام دولي لم تشهده البشرية طوال عصورها.
التقنية صنعت عنجهية القوة والحروب بالأمس، وهي التي ستصنع أرضية التعايش والسلام في الغد.