*إعداد - محمد الزواوي*

من المعروف أن الحاسبات استطاعت التفوق على العقل البشري في العديد من المجالات، منها مجالات تخزين كميات هائلة من المعلومات والقدرة الفائقة على استدعائها، وكذلك استطاع الحاسوب التغلب على العقل البشري في لعبة الشطرنج حيث تمكن من هزيمة بطل العالم، كما استطاع الحاسوب أن يتعرف على الوجوه وعلى الأصوات، ولكن هل سيستطيع الحاسوب مستقبلاً أن يفكر ويتخذ قرارات؟ هل سيستطيع الحاسوب أن يضع خططًا مستقبلية؟ هل سيستطيع التواصل والمحادثة والإجابة على الأسئلة؟ فقد صرح أحد أبرز علماء الحاسوب في العالم أن الذكاء الاصطناعي قد يتفوق على البشر بحلول ثلاثينيات القرن الحالي، وذلك بسبب الوتيرة المتسارعة للتقدم في المجال التقني.

فقد صرح خبير الحاسوب الأمريكي راي كورزويل أن التقدم التقني سوف يتضاعف بمعدل 32 مرة في النصف الثاني من هذا القرن مقارنة بالتقدم الذي حدث في القرن العشرين، ومن إحدى نتائج هذا التقدم أن الذكاء الاصطناعي سوف يتكافأ مع الذكاء الإنساني في عشرينيات هذا القرن، كما أضاف الخبير أن الآلة سوف تكافئ البشر سريعًا فيما يتعلق بقدراتهم الفكرية وسرعان ما سوف تستطيع أن تحل بعضًا من أكثر المشكلات تعقيدًا للقرن الحادي والعشرين، والدكتور كورزويل واحد من أبرز 18 عالمًا تم اختيارهم للتعرف على أكبر التحديات التقنية التي تواجه البشرية.

ويعتبر الدكتور كورزويل واحدًا من أعظم الرموز في مجال التنبؤ التقني، وتنبع قدرته منه أنه رائد في مختلف مجالات الحاسوب، مثل تقنيات التعرف البصري على الشخصيات، إضافة إلى التعرف التلقائي على المحادثات بواسطة الآلة.

وقد نقلت صحيفة الإندبندنت البريطانية خطبته التي ألقاها أمام الرابطة الأمريكية للتقدم العلمي، لترسم بعض مؤشرات المستقبل؛ حيث سوف تستطيع الآلة أن تتخطى بكثير المخ البشري وسوف تتمكن من تعلم كيفية التواصل، كما يتوقع العالم الخبير أنها سوف تستطيع أن تعلّم البشر وتكرر نفسها أيضًا عن طريق التكاثر بين بعضها البعض!

وقد بنى أطروحته على فكرة أن التقنيات التي تعتمد على السيليكون تتبع قانون (العائدات المتسارعة)، وذلك بسبب القدرة الفائقة لتلك الرقائق الحاسوبية من التقدم ومضاعفة قدراتها كل عامين في نصف القرن الأخير، مما أدى إلى عملية تقدم متسارعة للغاية بصورة لم تحدث من قبل، إضافة إلى القدرة العلمية على إنتاج وحدات أصغر كل يوم، لتصل في النهاية إلى وحدات متناهية في الصغر بتلك التقنيات المعتمدة على الرقائق الإليكترونية.

وقد صرح الدكتور كورزويل في المؤتمر السنوي للرابطة في بوسطن قائلاً: (إن معدل التغير في الأنماط التقنية يتضاعف الآن كل عقد من الزمان، لذا فإن النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين سوف يشهد تقدمًا تقنيًا بمقدار 32 مرة أعلى من القرن الماضي. فالحوسبة ووسائل الاتصال والتقنيات الحيوية على سبيل المثال والترتيب الخاص بالحامض النووي DNA وعمليات فحص المخ البشري ومعرفة أسراره والمعرفة الإنسانية بصفة عامة كلها تسارعت بوتيرة لم يشهدها العالم من قبل، وبصفة عامة فإن الأداء والقدرة والنطاق يتضاعفون كل عام).

وتعتمد الحاسبات حاليًا على رقائق ثنائية الأبعاد مصنوعة من السيليكون، ولكن هناك تطورات تقنية متقدمة للغاية سوف تستطيع صناعة رقائق ثلاثية الأبعاد بأداء محسن بصورة كبيرة للغاية، إضافة إلى إمكانية بنائها من خلايا وجزيئات حيوية يمكن أن يصل حجمها إلى أحجام متناهية في الصغر، ربما أصغر من الرقائق الحاسوبية الحالية التي تعتمد على المعادن.

ويضيف: (إن جزئيات الحاسوب ثلاثية الأبعاد سوف تزود تلك المعدات بمستوى بشري قوي من الذكاء الاصطناعي بحلول عشرينيات هذا القرن، والأفكار البرمجية الأهم سوف تستقى من فكرة الهندسة العكسية للمخ البشري، وهي العملية التي يجري الإعداد لها حاليًا، وهناك أكثر من عشرين منطقة من المخ البشري تم صناعة قوالب لها ومحاكاتها).

وبالرغم من أن المخ البشري لا يستطيع مضاهاة الحاسوب فيما يتعلق بالقدرة التخزينية المباشرة وفي استعادة المعلومات، إلا أن لديه قدرة لا تضاهى في التواصل ما بين مختلف أنماط المعلومات، ويستطيع المخ أن ينظر إلى الأمام وأن يخطط للمستقبل، إضافة إلى أداء العمليات الإبداعية والتخيلية التي هي لب الوجود البشري. ولكن دكتور كورزويل يعد واحدًا من العديد من علماء الحاسوب الذين يعتقدون أن الحاسبات في طريقها إلى إنشاء عالم (ما بعد الإنسان) حيث ستتواجد فيه كيانات ذكية ثانية إلى جانب البشر.

ويقول دكتور كورزويل: (بمجرد أن يضاهي الذكاء غير البيولوجي نطاق وحدة ذهن الذكاء البشري، فإنه سرعان ما سوف يتخطاه بمراحل، وذلك بسبب التسارع المستمر في التقنيات المعتمدة على المعلومات، إضافة إلى قدرة الآلة على تبادل معلوماتها بصورة فورية).

ويضيف: (إننا نفهم الأمراض والشيخوخة على أنها عمليات معلوماتية، ولدينا الأدوات القادرة على إعادة برمجتها ومن ثم علاجها، مثل التداخل لحمض RNA في أجسادنا والذي يسمح لنا بأن نقوم بإغلاق جينات بعينها، والأنواع الجديدة من العلاج بالجينات مكنتنا من أن نضيف جينات جديدة بفاعلية، وفي خلال عقدين من الزمان، سوف نكون قادرين على وقف وعكس عملية تقدم الأمراض والهرم، وذلك بسبب ذلك التقدم المهول في مجالات الصحة وإطالة العمر).

صعود الآلة

وتاريخ الذكاء الاصطناعي يعود إلى الأزمنة الكلاسيكية، بالرغم من أنه بالطبع لم يكن يطلق عليه هذا الاسم. فالأسطورة الإغريقية ل (هيفاستوس) و(بيجماليون) احتوت على فكرة الآلات الذكية التي تتخذ أشكال البشر، ونحن الآن نطلق عليها اسم (روبوت).

وقد أخذت ماري شيلي فكرة الإنسان الذي يحاول أن يشكل صورة حية لنفسه في قصتها (وحش فرانكشتاين)، ولكن كلمة (روبوت) لم تدخل اللغة الإنجليزية إلا في مسرحية كاريل كابيك عام 1923 بعنوان ( R.U.R) والتي ترمز إلى (روبوتات روزيوم العالمية). وفكرة الآلة التي تستطيع مضاهاة الذكاء البشري تم التطرق إليها أيضًا في أربعينيات القرن الماضي على يد عالم الحسابات الإنجليزي العظيم آلان تيورينج، والذي ابتكر اختباره للذكاء الاصطناعي. وفي ورقة علمية نشرها عام 1950 خرج تيورينج بحل عملي لتلك المشكلة، وهو اختبار تيورينج. وقال تيورينج أن الآلة يمكن أن تعتبر قد اجتازت الاختبار إذا استطاع البشر أن يتواصلوا معها كما يتواصلون مع شخص آخر.

ومصطلح (الذكاء الاصطناعي) تم استحداثه لأول مرة على يد عالم الحاسوب جون مكارثي عام 1956، وتم التطرق إلى هذا المفهوم في الخمسينيات والستينيات بابتكار أشباه مارفين مينسكي، من معهد ماساشوستس للتقنية.

وقد اقترب كاتب الخيال العلمي آرثر كلارك من مفهوم الذكاء الاصطناعي في كتابه عام 2001: (ملحمة الفضاء)، والتي مثلت حاسوب ذكي يسمى (هال) والذي ضاهى ذكاؤه ذكاء البشر.

وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي استطاع داعمو فكرة الذكاء الاصطناعي أن يثبتوا أن الآلة ليست عاجزة عن مضاهاة العقل البشري، وفي 11 مايو عام 1997 أصبح حاسب (ديب بلو) من شركة آي بي إم الأمريكي أول آلة تستطيع أن تهزم بطل العالم في الشطرنج الذي تربع على عرش اللعبة لعدة سنوات، كما تبع ذلك أحداث (ذكية) أخرى مثل القائد الآلي للسيارة الذي استطاع أن يقودها لمسافة 131 ميلاً بمفرده في مسار متعرج بالصحراء بدون أن يتدرب عليه من قبل، مما ينذر بـ(صعود الآلة) ومنافستها للبشر في عالمهم.