في عصر التكنولوجيا الرقمية وفي ظل المعطيات التقنية المعاصرة وثورة المعلومات والاتصالات، امتلأ فضاؤنا العربي بعشرات القنوات التلفزيونية التي غزت البيوت والعقول بما تحمله من إيجابيات وسلبيات..
وقد ظهر مؤخراً عدد من القنوات الخاصة بالتنجيم واستطلاع الغيب والشعوذة تحت مسميات (شرعية)! رافعة شعار علاج الأمراض وجلب السعادة والرزق للناس وتزويج الفتيات وغير ذلك، ورغم التحذير الكبير من هؤلاء (الدجّالين)، إلا أنه بات لديهم جمهور عربي عريض، يتابع برامجهم ويدأب على مشاهدة (قنواتهم المشبوهة)، خصوصاً ممن أولئك الذين ينقصهم الوعي الديني المطلوب.
وأصبحت هذه القنوات ظاهرة مؤرقة، خصوصاً أنها تستبيح العقيدة والدين وتساهم في زعزعة استقرار وسعادة المجتمعات، والمذهل أن القائمين على هذه القنوات من غير المسلمين، أو من طوائف بعيدة تماما عن منهج أهل السنة والجماعة، ويدّعون أن برامجهم هي وفق ما تنصّ عليه الشريعة الإسلامية.
مع ضيوف هذا الاستطلاع نحاول إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة لمعرفة أرائهم حيال هذه القنوات وخطرها على المجتمع والتعرض لأسباب وجودها وأسباب شدة تهافت فئات مختلفة من الناس عليها مع وضع أيدينا على بعض الحلول للحد من انتشارها.
تقول حنان السنيد (موظفة): (إن انتشار قنوات الدجل والشعوذة يرجع إلى تحول الإعلام إلى إعلام تجاري بحت وغير هادف، وأصبح له زبائن عدة وهذا يعكس بعض الفراغ الروحي المنتشر في مجتمعاتنا العربية، فيستغل أصحاب الفضائيات ذلك ويقومون بجذب الناس لبرامجهم عبر الاتصالات الفضائية التي تدر عليهم ربحا وفيرا ويكوّنون من خلالها ثروات طائلة بالضحك على الضعفاء بالدجل والشعوذة والتنجيم وادعاء استطلاع الغيب)، وترى (السنيد) أنه يجب علينا محاربة هذه الظاهرة وبيان خطر هؤلاء المشعوذين والدجالين على الأفراد والمجتمع وبيان كذبهم وبُعدهم عن الحقائق، وتدعو (السنيد) إلى إقامة حملات إعلاميّة لتقوية الوازع الديني والعقلاني لدى عامة الناس.
أمّا نادية الحربي (معلمة) فتقول: (إن علم الأجل والأرزاق علم استأثر به المولى عز وجل، فعلى المسلم أن يمضي مؤمنا بقضاء الله وقدره)، وعن تجربتها مع هذه القنوات تقول (الحربي): (رأيت واطلعت على تلك القنوات التي تبث ذلك السم من الشعوذة والتنجيم وهذا أمر خطير جداً، فقد رأيت أحد هؤلاء المشعوذين وهو يتلو من القرآن الكريم ويقرأ الأحاديث النبوية ويبدو وهو يروج لمقولته بأن لديه خلفية شرعية، وأكثر من يقبل على هؤلاء هن النساء لتعقد حياتهن الزوجية أو الأسرية وبحثاً عن حلول وهمية سريعة لها، كما أن كثرة انتشار هذه القنوات المتخصّصة في ذلك ينم عن منحى خطير، فانتشار المجون والفحش والشعوذة والدجل في فضاء القنوات الإعلامية أمر خطير يحتاج من المهتمين أن يضعوا خطة نموذجية لمكافحة مثل هذه القنوات وبيان خطورتها على المجتمع الإسلامي).
اتصالات نسائيّة !
والمُلاحظ أن أغلب المتّصلات على هذه القنوات هنّ من النساء اللاّتي يشكلن الأغلبية من جمهورها، فالمتصل على هذه القنوات يطلب مُعد البرنامج ومعه امرأة مساعدة بجانبه تطلب من المتصل أو المتصلة أن تعطيه اسم (والدتها) أو اسم زوجها ثم يقف مقدم البرنامج الذي يسميه المتصلون ب(الشيخ) أو (العالم) عن الكلام لحظة وبيده ورقة وقلم ثم يقول: أنت أو أنت لديك مشكلات في كذا وكذا و.. ثم يطلب منه المتصل بعد أن يؤكد له أن ما قاله صحيح أن يساعده في التغلب على ظروفه ومشكلاته ويغير حاله إلى الأحسن، وتعطي هذه القناة صوراً مخجلة لنقص الوعي والعلم والثقافة لدى كثير من المتصلين أو المتصلات، سواء كن نساء أو رجالا، ومع الأسف حيث يبكين بحرقة في اتصالاتهن ويتوسلن لهذا (الشيخ) ليمنع عنهن الضرر بعد أن ينبهرن بقدرته على معرفة الحال الذي هن عليه دون إدراك للعمل الذي يقوم به.
وفي هذا الإطار توصي (سارة الدغيثر) وهي طبيبة، المرأة المسلمة خاصةً بأن تبتعد عن ذلك وأن تعي - مثلاً - أن الإشكال مع زوجها لن يحل إلا بالالتجاء إلى القرآن الكريم وبالأساليب الشرعية، وأن ارتباطها بهؤلاء المشعوذين لن تخرج منه بسهولة لاحقاً، كما أن هؤلاء - بحسب الدغيثر - يهدفون إلى جمع المال فقط (فالاتصالات تجلب لهم الملايين من الدولارات وعلى النساء أن يضعن الحلول لمشكلاتهن بالطرق والأذكار الشرعية، وأن تنظر المرأة في أمور زوجها وفي نفسها من دون اللجوء إلى هذه الفئة الضالة، ويكفي الإعلام العربي هذا الهزل حتى أضحى إعلاماً عاجزاً عن مواجهة المشكلات الدينية والاقتصادية والثقافية)..
في نفس السياق تستنكر منيرة الساعاتي (أخصائية طب الأسرة) مثل هذه القنوات قائلة: (مع انتشار هذه الفضائيات أصبح الأمر أكثر سهولة، فباتصال - قد يكلف المرأة الكثير ماليا - يمكنها أن تلجأ لهؤلاء ظنا منها أنهم ملجأها في مشكلتها فيقومون بالعزف على أوتار ضعفها ويستندون إلى أكاذيب وأباطيل والمرأة عاطفية بطبعها خصوصاً عندما تكون في حالة ضغط ويأس شديدين وقلة وعي وثقافة وإيمان فتستمع لنصائح هؤلاء وتعمل بها وقد رأينا كيف يهذي بعض هؤلاء العرافين فيلبسون على الناس ويحاول أن يعطوا تصرفاتهم الشرعية الدينية من خلال التمتمة ببعض الآيات والأحاديث كما أنهم يستخدمون وسائل رخيصة من نساء وغير ذلك لاجتذاب الناس، وما يقولونه ويستخدمونه يعتبر سحرا وجدلا وبعيدا تماما عن الرقية الشرعية ويجب على المجتمع أن يتصدى وبقوة إلى هذه الظاهرة الدخيلة على ديننا ومجتمعنا).
مخالفة شرعيّة !
يقول الدكتور راشد الزنيدي (أستاذ الفقه الإسلامي): (من الناحية الشرعية لا يجوز مشاهدة هذه القنوات وطرح الأسئلة عليها أو الاتصال بها، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن تعلم السحر ومن المعلوم قول الله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } (سورة البقرة - 102 )، ولا أحد يمارس السحر إلا وقع في الكبيرة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (كذب المنجمون ولو صدقوا).
وأوضح الدكتور الزنيدي بأنه لا يجوز الذهاب إلى السحرة ولا تصديقهم، وحتى لو أن المسلم أصابه شيء من السحر، فإنه لا يحله بسحر مثله، ولكن على المسلم إذا ابتلي بشيء من هذا أن يلجأ إلى الله عز وجل، وأن يستعيذ به، وأن يستعمل الأدعية الشرعية ويستعمل قراءة القرآن الكريم، تشافياً به وطلباً للشفاء من الله عز وجل بآياته وكلماته التامة، فقد قال الله تعالى: {قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه} (سورة النمل- 65)، ويضيف الدكتور الزنيدي: (هذا الذي ينبغي للمسلم، ومن توكل على الله كفاه، أما أن يذهب المسلم إلى المخرفين والسحرة والدجالين والمشعوذين، فهذا مما يزيده مرضاً نفسياً ومرضاً جسيماً، ويسيطر عليه شياطين الإنس والجن، ويكدرون عليه حياته، ويفسدون عليه عقيدته، فلا ملجأ للمؤمن من الله إلا إليه، فالواجب على المسلم أن يعتصم بالله، وأن يلجأ إليه ويتوكل عليه وأن يتلو آياته، ولا سيما قراءة آية الكرسي والمعوذتين، فإن في كتاب الله عز وجل الشفاء والكفاية للمسلمين، وهؤلاء الأئمة الدراويش أغلبهم أئمة ضلال ومخرفون لا يوثق بعقيدتهم ولا يجوز الذهاب إليهم).
تقول نوف العسيري (طالبة جامعية): (إن الإسلام يحرّم بشكل قطعي مثل هذه الأعمال، وهذا ما حذر منه بعض العلماء بعد أن رصدوا إقبالا من قبل عامة الناس عليها وتصديقها أو التأثر بها، وهنا لا بد من الوقوف أمام تلك القنوات بحزم وقوة من قبل الجهات المختصة في عالمنا العربي، وبالنسبة لنا في المملكة نعتقد أن الحل الأمثل لمحاربة هذا النوع من القنوات السيئة إيقاف خدمة الاتصال المدفوع عنها حتى لو كان عن طريق دول أخرى، وهذا يتطلب متابعة دائمة لمستجدات هذا الفضاء الواسع، كما أن العمل مع باقي الدول الخليجية والعربية لتفعيل ميثاق العمل الإعلامي صونا لمعتقدات الناس وحماية لهم من الاستغلال في أبشع صوره أمر ينبغي العمل على تحقيقه)، وتضيف (العسيري) قائلة: (إن مخاطبة الشركات التي تمتلك الأقمار الصناعية التي تبث من خلالها تلك القنوات أمراً يبدو مناسبا ومطلوبا، وما ينطبق على قنوات السحر والشعوذة ينطبق أيضا على قنوات كثيرة تستغل المشاهدين عن طريق تشجيعهم على إرسال الرسائل أو المكالمات الهاتفية المباشرة بتسويق خدمات وبرامج لا تتوافق مع عاداتنا وقيمنا الإسلامية).
أمّا منى الفالح وهي (ربة منزل) فتقول: (المئات من النساء يغرقن في مستنقع الخرافات بحثاً عن حلول غير عادية لمشاكلهن العديدة: عاطفية أو عائلية، أمراض نفسية أو عقلية، خيانات زوجية، مشاكل في العمل، حالات عقم، جلب العرسان للبنات، ربط الأزواج، و..... وينفقن أموالاً طائلة لمحتالين يدعون أنهم يفرجون هموم كل مكروب، ويجلبون السعادة للنساء البائسات!
وعلى سبيل المثال: سمعت أن إحدى اللواتي لجأن إلى الدجالين والمشعوذين، عبر هذه الفضائيات لأن زوجها كان يهملها، وجعل منها مجرد خادمة عند والديه. تقول: تعرفت إلى إحدى الصديقات، التي دلتها على أحد المشعوذين الذين يمارسون السحر والشعوذة، فسارعت إلى الذهاب إليه، وأعطاها بعض الطلاسم والأشياء التي جربتها مع زوجها، وبالفعل كان لها مفعول السحر معه، حيث تغير تماماً عما كان عليه في السابق، وقام بإخراجها من بيت العائلة، واستأجر لها بيتاً مستقلاً بعيداً عن أهله، وأصبح يهتم بها، لكنني مع ذلك أقول لأي امرأة تريد أن تلجأ إلى السحر من أجل حياة سعيدة مع زوجها، فلا تتسرع في ذلك، لأن الحلول التي تأتي من السماء تكون منصفة وعادلة، وكل ما هو مقدر سيأخذه الإنسان بعيدا عن قنوات تسويق السحر والشعوذة).
رأي علم النفس
من جانبها أوضحت الدكتورة حصة العمر(استشارية الصحة النفسية) قائلة: (إن انتشار فضائيات الدجل والشعوذة تعود لأسباب عده أهمها عزف هذه القنوات على الوتر الحساس لكثير من الناس الضعفاء والجهلاء وحتى المثقفين الذين يكونون في حالة يأس ومن المتعارف عليه أن الإنسان يبحث عن الغيب للشعور بالأمان على مستقبله مع فقدانه القدرة على التحكم في الواقع, لذلك يحرص الناس على أن يتعلقوا بالأمل في هذه الحياة بسبب مرض أصابهم أو مصيبة حلت بهم في ظل عدم وجود وسائل للتواصل مع المجتمع واتصالهم بمثل هؤلاء الدجالين يعد بالنسبة لهم الأمل الأخير بعد فقدهم لكل الآمال في حياة سعيدة)، وتستطرد (استشارية الصحة النفسية) قائلة: (يكثر هذا الجانب عند المرأة لأنها كثيرا ما تتعرض للظلم والقهر والاستضعاف، فالرجل يمكن أن يخرج وأن يواجه الناس أما المرأة فتملك عاطفة زائدة وإحساسا كبيرا وتتعرض لضغوط كثيرة في ظل عدم قدرتها على التعبير أو الفضفضة أو حتى الخروج مما يضطرها للجوء لمثل هؤلاء المنجّمين الذين يستغلون حالتها ويقومون باستغلالها ماديا ومعنويا). وأضافت العمر: (إن الإنسان المصدق بحدوث هذه التنبؤات قد يتعرض للخوف والقلق والتوتر في ظل الحياة التي أضحت أكثر تعقيدا والظروف التي جعلت الإنسان باحثا عن اكتشاف المستقبل).