إعداد - محمد الزواوي:
في بداية استحكام الأزمة المالية وسيطرتها على عالم البنوك، كان وادي السيليكون الأمريكي ينظر من بعيد بأمان لاعتقاده أنه كان معزولاً عن تلك العاصفة التي تتشكل في الأفق، ولكن هذا الاعتقاد سرعان ما تبخر بعدما بدأ المستثمرون في مجال التقنية وأصحاب المشاريع والتنفيذيون يتساءلون متى - وليس هل - سوف تضرب الفوضى مهد الابتكارات التقنية بالولايات المتحدة الأمريكية.
من الساحل إلى الساحل كانت الآثار واضحة، فقد فقدت شركة آبل ما كينتوش وهي واحدة من أكبر شركات وادي السيليكون في أسبوع ما يقرب من 16.3 % من قيمتها بعدما فضل المستهلكون المعدات رخيصة الثمن على المعدات الأعلى سعرًا، كما استنفدوا جزءًا كبيرًا من أموالهم في دفع أقساطهم وسداد ديونهم، كما تدنت أسهم شركتي ياهو وإي باي إلى أدنى مستوياتها منذ سنوات.
علامات سيئة
ويقول ستيف بالمر الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت في تقرير نشرته صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الامريكية أن الأزمة المالية سوف تسحب الأعمال إلى القاع وسوف تؤدي إلى خفض إنفاق المستهلكين بالولايات المتحدة، ولن تكون شركات التقنية الكبرى بأمريكا - بما فيها مايكروسوفت - بمنأى عن تلك القلاقل المالية، كما بدأت بعض العلامات السيئة في الظهور في سوق أشباه الموصلات الذي تعتمد عليه الصناعة في وادي السيليكون، فمعظم شركات تصنيع أشباه الموصلات تمول أعمالها عن طريق القروض، وسوف تقوم شركة مايكرو ديفايسيس وهي إحدى أكبر المنافسين من الباطن لشركة إنتل بوقف عمليات تصنيع رقائق الحاسوب هذا العام لتركز بصورة أكبر على تصميم المعالجات، كما يشير المحللون إلى أن الشركة واجهت صعوبات كبيرة في جمع ملايين الدولارات اللازمة لتحقيق ذلك.
ورفض درو بريري المتحدث باسم شركة (إيه إم دي) التعليق على موقف الشركة قائلاً: إن شركته كانت في حالة توقف إجباري قبل إصدار بيان بعائداتها في وقت لاحق من هذا الشهر. والدافع الأساسي لنمو وادي السيليكون بالولايات المتحدة هو تلك الشركات التي تحقق الخطوات التمهيدية الأولى للصناعة إضافة إلى أصحاب رؤوس أموال المشاريع الذين يدعمونها. ويقول الكثيرون بأن محفزات الإبداع تلك لا تزال تئن وتسير ببطء بسبب الدروس التي تعلمها وادي السيليكون من أزمة التجارة الإليكترونية الراهنة.
مشاعر القلق
لذا فإن مشاعر القلق طبقا لتقرير المونيتور لا تزال تسيطر على الجميع فيقول رون كونواي أحد أكبر ممولي المشاريع الذي استثمر في إنشاء المئات من المواقع الإليكترونية في العقد الأخير: (من المؤكد أن التمويل سوف يقل، ومن المؤكد أننا سوف نشاهد بعض الآثار المضطربة). ويقول كونواي: إنه من الأفضل للمشروعات الجديدة التي لا يزيد عمرها عن ستة أشهر من التمويل البنكي أن تخفض النفقات، ويضيف: (من المؤكد أنني سوف أنصح شركاتي بفعل ذلك).
وقد تداولت شركات وادي السيليكون العديد من البيانات التكافلية والمهدئة في فترة القلاقل الاقتصادية الحالية التي طال أمدها والتي أصبح الناس فيها يمضون مزيدًا من الوقت على شبكة الإنترنت، لذا ف من المؤكد أن المعلنين سوف يتبعون هذا النمط، فالشركات التي لم تتأثر أسهمها كثيرًا في البورصة مثل جوجل وإي باي وسيسكو لديهم سجل موازنة محمل بالأرباح وليس بالديون حتى الآن.
ولكن الركود الاقتصادي المستمر الذي ضرب الأجزاء الأخرى من الاقتصاد يبدو أنه أرهق أعصاب حتى أكثر شركات وادي السيليكون طمأنينة من الناحية المالية، فالمناقشات عن الأزمة المالية هيمنت على المحادثات وقدمت المدونات التقنية وصفات للخروج من الأزمة ومناظرات مكثفة حول نسبة الشركات الجديدة التي من المتوقع لها أن تفشل.
وطبقًا لمسح ربع سنوي أجراه مارك ف. كانيس مدير برنامج الاستثمار في جامعة سان فرانسيسكو فإن ثقة أصحاب رؤوس الأموال للمشاريع انهارت إلى أدنى مستوى لها منذ بدء هذا المسح في عام 2004. وتقول جانيت كادامبي مؤسسة شركة (يومي) وهي شركة إعلانات تليفزيونية تبث على الإنترنت وعمرها ثلاث سنوات: (الكل يشعر بالقلق من الميزانية والكل يشعر بالخوف بسبب حالة الاقتصاد، وهذا هو نوع المناقشات التي نخوضها في هذه الأيام).
وبالرغم من أن شركات مثل (يومي) تزعم أن أعمالها لم تتباطأ، إلا أن الدعاية عبر الإنترنت - التي شهدت طفرة مؤخرًا بين الشركات الجديدة - ربما تكون أكثر المجالات تأثراً بالأزمة الاقتصادية ففي أغسطس الماضي أعلنت شركة (إي ماركتر) وهي شركة أبحاث تعمل في مجال التسويق الرقمي أن إجمالي ميزانية الإعلانات عبر الإنترنت انخفضت للمرة الثانية هذا العام إلى 24.9 مليار دولار بانخفاض قدره 9% عن توقعاتها المبدئية لهذا العام.
كما قررت الشركات الأمريكية العملاقة الأخرى وقف دعاياتها على شبكة الإنترنت مثل شركة جنرال موتورز التي أعلنت الشهر الماضي أنها أوقفت إنفاقها على الإعلانات الإليكترونية بعدما صرحت في وقت سابق من هذا العام أنها سوف تخصص 1.5 مليار دولار للدعاية عبر الإنترنت، وهو ما يمثل نصف ميزانيتها السنوية للإعلان.
تخفيض ميزانيات الدعاية
وقد صرح جيف لانكتوت كبير مسئولي التخطيط بشركة "راذورفيش" وهي وكالة إعلان تفاعلية أن المؤسسات المالية ومؤسسات صناعة السيارات بالأخص خفضت ميزانياتها للدعاية، ويعبر عن قلقه من أنه إذا ما استمرت الأزمة الاقتصادية فإن شركات الدعاية عبر الإنترنت سوف تضار بصورة كبيرة في عام 2009، ويضيف: "إن صناعة الدعاية الرقمية من الواضح أنها ليست محصنة ضد الظروف المأساوية للاقتصاد الكلي".
وحتى الآن فإن كثيرًا من الشركات الحديثة بوادي السيليكون أعلنت أنها لا تزال تستطيع أن تحصل على التمويل ولكن عددًا متزايدًا من تلك الشركات التي جمعت التمويلات تقول: إنها تشعر أنها مرت لتوها من باب يغلق سريعًا، ففي أوائل سبتمبر الماضي استطاعت شركة (سكايديك) - وهي شركة من 10 موظفين تسمح للمستخدمين باستغلال الإنترنت لتنظيم مكالماتهم ورسائلهم النصية على الهواتف الجوالة - أن تجمع 3 ملايين دولار كرأس مال للشركة، أما في الأسبوع الذي تلاه فإن الحكومة سيطرت على بنكي فاني ماي وفريدي ماك، إضافة إلى بنك ليمان براذرس الذي أصابه الانهيار التام.
واليوم تعبر أعداد متزايدة من العاملين في وادي السيليكون عن قلقهم من إمكانية توفيق الأوضاع في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة سريعة التغير، فيقول جوناثان أبرامز الذي أسس موقع Friendster الرائد في الشبكات الاجتماعية أنه يدير الآن شركة جديدة ناشئة أسماها Socializr يديرها ستة موظفين فقط، وهو يوطن نفسه على أن تظل الشركة تعمل بهذا العدد من الأشخاص إذا ما ساءت الأمور بدون الاعتماد على موظفين جدد.
ويعرب السيد أبرامز عن قلقه من جاهزية وادي السيليكون على الاستمرار على هذا الوضع بصورة عامة، فيقول: إن هناك عددا كبيرا من العاملين بالمجال لا يشعرون بالتفاؤل وذلك لأن الشركات الصغيرة سوف تظل تستمع إلى الإشعات وإلى البيانات التي تطلقها الشركات الكبرى وإلى أدق أخبار الصناعة، ويضيف: (إن الاقتصاد في وضع حرج مما جعل العاملين في مجال الصناعة يفكرون أكثر من مرة قبل حضور مؤتمري ديمو وتيك كرانش اللذين عقدا في الشهر الماضي، فلا تشعر الكثير من الشركات أنها تحرز تقدمًا، بينما يظن بعضهم الآخر أنه يستطيع أن يحقق ثراءً عن طريق إنشاء المدونات رخيصة التكاليف على شبكة الإنترنت، لذا فإن الصناعة لا تزال في حالة إنكار حتى الآن للأوضاع المالية المتفاقمة).