ريبورتاج - منيرة عبدالله *
يهدف نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الصادر عن وزارة الداخلية إلى تنظيم التعاملات الإلكترونية وحماية الفرد من التجاوزات المحتملة ضد مصالحه المشروعة.. وبعد دخول النظام حيز التطبيق، رصدت مجلة (الاتصالات والعالم الرقمي) آراء المسؤولين في عدد من المواقع الإلكترونية والباحثين في جرائم الإنترنت والخبراء في علوم الحاسب ونظم المعلومات حول هذا النظام.. ورغم ترحيبهم المبدئي بهذه الخطوة إلا أن الآراء تباينت في إمكانية تطبيقة على أرض الواقع بالشكل المرضي.
طرحنا في البداية سؤالاً عما إذا كانت العقوبات المنصوص عليها كافية بحق مرتكبي تلك الجرائم؟ جاء رد محمد الفارس المدير العام لموقع (سوالف سوفت) بنعم قائلاً: (السؤال الأهم، كيف سيكون تطبيق العقوبات لحماية ليس البنوك فحسب، ولكن الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة كذلك عند تعرضهم لحالات التخريب الإلكتروني لمواقعهم الشخصية أو التجارية؟).. ووافقه بذلك الرأي الدكتور خالد الجرباء المتخصص في هندسة المعادن وعلم المواد والمدير العام لموقع ومنتديات (لكِ) النسائية إذ يعتقد بأن العقوبات كافية إلا أن المشكلة ليست في العقوبات نفسها - كما يرى - ولكن في كيفية إثبات تلك العقوبات وكيفية القبض على المجرمين.. واتفق معه في نفس الرأي فيصل الرواف المتخصص في إدراة الأعمال والمشرف العام على شبكة سعودي نوكيا مشترطاً كفايتها بالتطبيق (الصحيح والسليم) كما يصف.
جرائم جديدة
من جانبه، أكد محمد المنشاوي الباحث في جرائم الإنترنت وصاحب موقع المنشاوي للدراسات والبحوث بأن التطور التقني أدى إلى ظهور جرائم جديدة لم يتناولها القانون الجنائي التقليدي ممّا أجمع معه مشرّعو القانون الوضعي في الدول المتقدمة على جسامة الجريمة المعلوماتية والتهديدات التي يمكن أنْ تنشأ عن استخدام الحاسب الآلي وشبكة الإنترنت.. ويتابع: (تطوير القوانين الجنائية وتحديثها أمر يستغرق بعض الوقت فهناك تعديلات كثيرة مطلوب إدخالها على التشريعات التي تتعامل مع الجريمة كي تأخذ في الاعتبار المعطيات الجديدة التي نشأت عن استخدام الحاسب الآلي في مجال المعلومات، وعن ظهور شبكات المعلومات العالمية).. كما يشير إلى أهمية التعاون الدولي عند التعامل مع جرائم الإنترنت خاصة أنّ هذه الجرائم هي عابرة للقارات ولا حدود لها، مؤكداً أنّ عدم التعاون الدولي يؤدي إلى زيادة القيود على تبادل المعلومات عبر حدود الدول، ممّا يعطي الفرصة للمجرمين للإفلات من العقوبة ومضاعفة أنشطتهم الإجرامية.. ويقول المنشاوي: إن كانت جميع الدول في حاجة لتحديث قوانينها فإنّ المملكة العربية السعودية ليست في حاجة لتحديث قوانينها وتشريعاتها لأنّها تنطلق من الشريعة الإسلامية الكاملة.. وقد تركت الشريعة الإسلامية الباب مفتوحاً لتجريم الجرائم المستحدثة تحت قواعد فقهية واضحة. كما كانت لدى الأستاذ المنشاوي القناعة بأن العقوبات التي أُقرت لم تصدر من فراغ وأنها تجيء بعد دراسة مستفيضة من المختصين في هذا المجال وهذا ما يجعلها كافية من وجهة نظرة.
من جانبه, يقول الدكتور صالح بن غرم الله الزهراني وكيل كلية علوم الحاسب والمعلومات للشؤون الإدارية والطلابية بجامعة الإمام محمد بن سعود أن مدى كفاية العقوبة بحق مرتكبي الجرائم الإلكترونية تعتمد بشكل كبير على الضرر المادي والمعنوي الذي أصاب صاحب الموقع نتيجة الجريمة.
شمولية النظام
وفيما إذا كان النظام قد نجح في تغطية كافة الجرائم التي يمكن أن تحدث في الشبكة العنكبوتية، يقول الفارس الذي أمضى خمس سنوات في إدارة المواقع الإلكترونية: (أرى أنه غطى ما يهم. وآمل في حال كشف جرائم إضافية أن يتم إدراجها في النظام سريعاً ودون تأخير، والأخذ بتفيذ الأحكام في شأنها سريعاً).. ويبدي الدكتور الجرباء رأيه بعرض أمثلة على بعض الجرائم قائلاً: (النظام حقيقة غطى الكثير من جرائم المعلوماتية ولكن لم يغط كافة الجرائم التي يمكن أن تحدث في الشبكة العنكبوتية، وعلى سبيل المثال، لم يغط القانون الجرائم التي قد تحدث في التجارة الإلكترونية مثل الغش في البضائع أو استلام البضاعة بدون دفع قيمتها وغيرها.. كذلك لم يغط النظام الأحكام المتعلقة بجمع الأموال عن طريق الإنترنت بطرق غير مشروعة كجمع تبرعات بصفة غير رسمية).. إلا إن الأستاذ الرواف الذي تزيد خبرته في إدراة المواقع عن ثلاث سنوات يؤكد بأن النظام قد شمل جميع الجرائم سواءاً كانت عامة أو شخصية. وتجيء رؤية الأستاذ المنشاوي بمنظار أعمّ في قوله: (سلبيات الإنترنت لا تقتصر على ذلك فقط بل يمكن النظر للإنترنت كمهدد للأمن الاجتماعي، وخاصة في المجتمعات المغلقة والشرقية، حيث أنّ تعرُّض مثل هذه المجتمعات لقيم وسلوكيات المجتمعات الأخرى قد تسبب تلوثاً ثقافياً يؤدي إلى تفسخ اجتماعي وانهيار في النظام الاجتماعي العام لهذه المجتمعات. إنّ الاستخدام غير الأخلاقي واللاقانوني للشبكة قد يصل إلى مئات المراهقين والهواة مما يؤثر سلباً على نمو شخصياتهم النمو السليم).. مشيراً إلى أن النظام حقق الشمولية وأن أي مخالفات لم تدرج اسماً فهي أدرجت وصفاً، كما عرض توافق هذا النظام مع إحدى الدراسات التي نفذها بعنوان: (جرائم الإنترنت في المجتمع السعودي) التي ركزت على محورين أساسين هما تحديد الجرائم والمخالفات التي يرتكبها مستخدمي الإنترنت في المجتمع السعودي ومن ثم تحديد حجم هذه الجرائم والمخالفات التي قسمتها الدراسة إلى خمس مجموعات رئيسة تشمل كل مجموعة عدد من المخالفات والأفعال ويشمل ذلك: الجرائم الجنسيّة والممارسات غير الأخلاقية, وجرائم الاختراقات، والجرائم المالية, وجرائم إنشاء أو الاشتراك في المواقع المعادية, وجرائم القرصنة.
ضرورة المراجعة والتحديث
أما الدكتور صالح الزهراني الأستاذ المشارك بقسم نظم المعلومات بجامعة الإمام فقد أشار إلى الحاجة إلى التحديث الدائم حين قال: (أعتقد أن النظام قام بتغطية الجرائم الحالية على الشبكة وخصوصاً عملية صناعة ونشر الفايروسات، الاختراقات وتعطيل الأجهزة، انتحال الشخصية، والمضايقة ونشر الإباحية، النصب والاحتيال، التشهير وتشويه السمعة، ولكن سيكون هنا الحاجة دائماً إلى المراجعة والتحديث لمعالجة المستجدات، كما هي حال التقنية).
الإبلاغ عن التجاوزات
حين استفسرنا عن مدى استعدادهم للتوجه مباشرة للإبلاغ في حال حدوث تجاوزات من قبل أحدهم ضد مواقعهم, أجمع الأغلبية على تأكيدهم الالتزام والحرص على ذلك.. فقد أكد الفارس أنه سيفعل ذلك ولكنه أردف قائلاً: (أرجو أن لا نصطدم حينها بمتطلبات تعقيدية وغير معقولة).. فيما كانت إجابة الدكتور الجرباء التي بلغت خبرته 8 سنوات في إدارة الموقع: حقيقة لا أعتقد أن الأمر بهذه السهولة لتطبيق النظام، وأعتقد شخصياً أنه من الصعب تطبيق مواد هذا النظام في الفترة الحالية).. وكان الأستاذ الرواف صارماً بهذا الشأن مبدياً أسباب حرصه بقوله: (نعم ولن نتساهل في الإبلاغ وفي أسرع وقت, والسبب أولاً حفاظاً على خصوصية الموقع وأيضاً، لأنه تم بذل مجهود كبير لكي يصبح بهذا الشكل والمستوى, ولكي يكون عبرة لمن تسول له نفسه بمثل هذا العمل, ولكي يعلم أي شخص أن الموقع يوجد عليه رقابة شديدة وغير متساهلة من قبل إدارة الموقع, ومن أجل أن يعلم أعضاء وزوار الموقع أن الإدارة تحفظ لهم خصوصيتهم من ناحية مواضيعهم الخاصة كالبرامج.. ومن أجل حث أعضاء الموقع على إبلاغنا عن أي تجاوزات غير مشروعة).
ولم تختلف وجهة نظر المنشاوي كثيراً عن الرواف حين أجاب: (طبعاً وفوراً ودون أي تردد، وذلك لأسباب عديدة منها ضرورة محاسبة المتجاوزين للنظام منعاً لشرهم وردعاً لغيرهم). أما الدكتور صالح الزهراني فقد أوضح أن ذلك يعتمد على نوع الاختراق الذي أصاب الموقع وحجم الخسائر مشيراً في الوقت ذاته إلى اعتبار المخترق أفضل مساعد على تطوير المواقع لأدوات حمايتها، حيث تتم الاستعانة بالمخترقين في المواقع العالمية لضمان سلامتها وتحقيق مستوى عالٍ من الحماية.
أثر تطبيق النظام
وحول ما إذا كان النظام سيحد من الجرائم المعلوماتية بشكل ملموس أم على نطاق ضيق، فقد أكد الفارس على أهمية (تطبيق وتنفيذ) هذا النظام بصورة فاعلة وجادة كما يصف ويقول: (نعم، سيحد تطبيق وتنفيذ هذا النظام بصورة فاعلة وجادة من الجرائم المعلوماتية بشكل ملحوظ.. لا حاجة للتعليل، فمن أمن العقاب أساء الأدب).. ويأتي رأي الأستاذ الرواف مشابهاً إذ قال: (نعم ولكن بشرط أن يطبق بالشكل الصحيح دون أي تجاوزات من قبل المسؤولين والتساهل مع فئة وتطبيقها مع فئة وما يسمى ذلك بالواسطة، وأن يكون هناك عدة جهات رسمية ومتخصصة في مجال الجرائم الإلكترونية مثال أن يكون هناك مكاتب استشارات قانونية لمجال الجرائم، وأن تطبق الجهات المعنية النظام على مرتكبي الجريمة بأسرع وقت فور إبلاغهم بها).. ويعتقد د.الجرباء أن هذا النظام لن يحد من الجرائم المعلوماتية بشكل ملموس وقال في تبيان الأسباب: (أولاً، النظام يفتقد وجود القواعد الإجرائية (الإجراءات) والتي تحكم جمع الأدلة والبحث والتحري، فلا يوفر النظام إجراءات محددة لذلك.. ثانياً، وهو الأهم، الشبكة العنكبوتية هي شبكة عالمية، وبالتالي فإن الجرائم التي تحدث بها تكون كذلك، أي أن مجرماً في دولة 1 يستطيع الدخول إلى الموقع المستهدف في الدولة 2 وتخريب موقعه. فإذا لم يكن هناك نظام يحكم الجرائم الإلكترونية في الدولة1، فلن يستطيع الضحية أن يحاكم المجرم على جريمته. الشبكة العنكبوتية قد أزالت الحدودالجغرافية بين الدول، وبالتالي فإنه يوجد صعوبة في تطبيق القوانين ضد المجرمين مالم يكن هناك اتفاقيات دولية لمكافحة جرائم المعلوماتية. السبب الثالث في صعوبة تطبيق مثل هذه القوانين هو صعوبة الحصول على الأدلة التي تدين المجرم، فقد يتم برمجة فيروس ومن ثم نشره عن طريق أجهزة عامة لا يمكن تحديد مستخدمها).
دور التثقيف والتوعية
ولم يتفق المنشاوي مع د. الجرباء في الرأي حين قال: (النظام حتماً سيساهم في الحد من هذه التجاوزات ولكنه وبكل تأكيد لن يقضي عليها كلها فالجريمة أو السلوك غير السوي ظاهرة اجتماعية توجد في كل المجتمعات وتتطور بتطور المجتمعات ولا يخلو أي مجتمع منها). وفي نفس السياق أظهر د. الزهراني تفاؤله بهذا الشأن لافتاً النظر إلى أهمية وجود جهة متخصصة وضرورة التثقيف في قوله: (بالطبع سيكون لهذا النظام دور في الحد الكبير من الجرائم ولكن أظن أننا نحتاج إلى المزيد من التثقيف والتوعية بهذا المجال وخصوصاً على مستوى النشء، كذلك نحن بحاجة إلى إيجاد جهة مرجعية لها صبغة أمنية تتولى عملية كشف الآليات التي تتم بها الجرائم المعلوماتية (اكتشاف الاختراقات حال حدوثها والبحث والتحري في الحوادث الأمنية التي تتعرض لها المواقع الإلكترونية) وتكون قادرة على تحديد محل الجريمة ومواجهة التحديات التقنية والإجرائية ومنها التحديات المرتبطة بأدلة الجريمة والتفتيش وإجراء الضبط والتحديات المرتبطة بأدلة الإدانة والاختصاص بالنظر في الجريمة، فكما هو معرف أصبح من الصعب تحديد مكان أو هوية المخترق خاصة إذا كان الشخص خلف راوتر وعلى IP غير ثابت).
وحول إيجابيات النظام, يقول الفارس: (لا يمكن أن تتبين إيجابيات وسلبيات النظام في نظري حتى يتم تفعيله بشكل جاد، ومن ثم نرى أوجه القصور فيه في حال وجدت).
من ناحيته يقول د. الجرباء أن أول إيجابية للنظام هي وجود النظام نفسه وأن وجوده هو البداية إن شاء الله لتحقيق الأمن المعلوماتي. وقد وافقت وجهة نظره لتلك الخاصة بالأستاذ الفارس والدكتور صالح الزهراني بشأن أهمية التحديث حين قال: (ولكن تجدر الإشارة إلى أن تكنولوجيا المعلومات والشبكة العنكبوتيه تتطوران بسرعة، وتتطور معهما وسائل التكنولوجيا وبالتالي تتنوع وتتغير معها الجرائم وطرقها، لذلك فإن القوانين يجب تحديثها ومراجعتها بشكل مستمر لكي تناسب الأحداث).
أهم الإيجابيات
وقد عدد الرواف أهم الإيجابيات وهي:
1- ردع مثل هذه الجرائم التي بدأت تنتشر في وقتنا الحالي بكثرة وأيضاً سهولة أدوات ارتكاب الجريمة.
2- حفظ الحقوق الشخصية سواء كانت عامة أو خاصة.
3- النظام يشجع ويحفز كل شخص يريد أن ينشر ما لديه من معلومات أو ثقافة لكي يستفيد منه الآخرون وأنه يوجد في بلدنا نظام حماية صارم لمن يتعدى على حقوقة الخاصة.
4- ترك انطباع جيد لدى المجتمعات العالمية بأنه يوجد لدينا شبكة معلوماتية متقدمة لها ضوابط وشروط تحفظ الحقوق.
وأبان الأستاذ المنشاوي أن أهم إيجابيات النظام كونه أوجد عقوبات محددة للسلبيات التي تحدث من مستخدمي الإنترنت، وبهذا فهناك توجه نحو محاسبة من يسيء استخدام النت.. واستطرد بقوله: (ولعل الأهم هنا هو تحديد الجهة المخولة باستقبال الشكاوي الخاصة بهذه المخالفات والتحقيق فيها). وفي إجابته على ذات السؤال يقول د. صالح الزهراني: (التأكيد على سرية وسلامة المعلومات وحمايتها من الدخول غير المشروع بالإضافة إلى تحديد الجرائم الإلكترونية التي تقتضي العقوبة ووضعها ضمن إطار القضاء والمحاسبة القانونية، ومن أهم القضايا التي قام هذا النظام بمعالجتها الجرائم الخاصة باختراق المواقع والأنظمة الإلكترونية، التزوير لمستندات معترف بها معلوماتياً، إعاقة الوصول إلى برامج أو شبكات معلوماتية متعلقة بتقنية المعلومات، العبث بالشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات، العبث بالفحوص الطبية والتنصت باستخدام الإنترنت، التهديد والسرقة والاحتيال والاستيلاء على البطاقات الإلكترونية، المساس بالآداب العامة والتعريض على الدعارة، العبث بمحتوى الموقع الإلكتروني، جريمة المساس بالأديان، انتهاك الحياة الخاصة للأفراد باستخدام الإنترنت، والاتجار بالبشر والمخدرات وغسل الأموال ومخالفة النظام العام والآداب العامة - وأخيراً التصدي للجرائم الإرهابية على الشبكة).