* إعداد - محمد الزواوي
بدلاً من الذهاب إلى المدارس، المدارس هي التي سوف تأتي إلينا! هذا هو شعار العالم الدراسي الجديد الذي يتسم بأنه مزيج من العالم الواقعي والعالم الافتراضي، حيث تدرس بعض الولايات الأمريكية تجربة جديدة لإدخال التعليم الافتراضي عن طريق الحاسوب إلى عالم التعليم، وذلك بأن يقوم الحاسوب بالجزء الأكبر من العملية التعليمية، في حين تصبح المدارس في العالم الواقعي ملجأً لمزيد من الاستفسارات أو رعاية الطلاب ذوي المستويات المتدنية، وتوفير وقت المدرسين في الإبداع والنصح وإعطاء وقت أكبر لرعاية الطلاب، بدلاً من استهلاكهم في عملية التكرار المملة للمناهج في جميع الفصول.
وفي ولاية إيداهو الأمريكية كان للتجربة الافتراضية نصيب من التطبيق، طبقا لما جاء في تقرير نشرته جريدة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية يصف تلك التجربة، والتقت الصحيفة ببريانا ليكلير التي أدخلت أطفالها تجربة التعليم في المدارس الافتراضية، حيث تقول إن أبناءها يحضرون الدروس عن طريق شبكة الإنترنت التي تربطهم بأساتذتهم وبمختلف أنواع الأنشطة المدرسية، ويأتيهم مختلف أنواع المواد التعليمية عن طريق شاحنات تقوم بتوصيلها حتى عتبة بابهم، بما في ذلك الكتب المدرسية والميكروسكوبات، وحتى بذور النباتات التي تجرى عليها الاختبارات في معامل حصة العلوم.
وتصف السيدة ليكلير هذه التجربة بأنها (النسخة الحديثة للقرن الحادي والعشرين) للعملية التعليمية لأبناء الطبقة المتوسطة في الولايات المتحدة، حيث يستطيع ابنها الذي يدرس في المرحلة السادسة أن ينتقل بسلاسة ما بين الأدب واللغة وغيرها من المناهج، كما يستطيع أن يقضي وقتًا أطول في التركيز على المواد الضعيف فيها، مثل مادة الرياضيات.
مليون طالب
وقد وصل عدد الطلبة الذين انضموا إلى المدارس الافتراضية عن طريق الإنترنت إلى مليون طالب في العام الماضي، بزيادة مقدارها 22 ضعفًا مقارنة بعام 2000، طبقًا لتقرير نشره مجلس شمال أمريكا للتعليم عبر الإنترنت. وتقول دراسة حديثة أعدها معهد هوفر البحثي إن ذلك مجرد (بداية)، حيث يتوقع معدو الدراسة أن نصف المقررات التي تدرس في المراحل ما بين التاسعة إلى الثانية عشرة سوف يتم تدريسها عبر شبكة الإنترنت، ومعهد هوفر هو معهد بحثي محافظ يتبع جامعة ستانفورد الأمريكية.
وتشير الدراسة إلى أن كفاءة التعليم الإليكتروني عبر الإنترنت هو الذي أدى إلى تضاعف أعداد المنتسبين إليه، في حين يرى بعض المعارضين لتلك التجربة أن التعليم الإليكتروني ينقصه الرقابة الكافية على الطلاب، فطبقًا لقوانين الولايات المتحدة يجب على الطلاب أن يحصلوا على معايير عالية وعلى رقابة صارمة وأن تقوم الإدارات التعليمية بالتدقيق في نشاطات المدرسين والعملية التعليمية برمتها، ولكن يقول لويس هيرتا الأستاذ بكلية التعليم بجامعة كولومبيا والذي يقوم بعمل أبحاث عن التعليم الافتراضي منذ أكثر من عشر سنوات أن القوانين الأمريكية أيضًا من ناحية أخرى تسمح بوجود مدارس خاصة بحسب اتفاق الآباء بدون أن تحظى بالرقابة الكافية.
إرشادات ونصائح
ويقول مؤيدو التعليم الافتراضي أنه يجب على مسئولي التعليم أن يقدموا إرشادات ونصائح لهذه العملية التعليمية الجديدة وأن تخضع بكاملها إلى رقابة الدولة، حيث توجد بعض الولايات التي تخضع هذا النوع من التعليم إلى الرقابة وبعضها لا تتطلب ذلك، وبعض الولايات تتطلب اختبارات متقدمة تعتمد على التدريب المعملي في مناهج العلوم، ويقول السيد ديفيد رييد الباحث بجامعة ولاية أريزونا إن هذا التضارب يؤدي إلى عرقلة نمو التعليم الافتراضي بالولايات المتحدة.
وإلى جانب مسألة الرقابة الحكومية فهناك مشاكل أخرى، وهي كيفية تتبع عملية حضور الطلاب في العالم الافتراضي، فمعظم الولايات الأمريكية تفرض حدًا أدنى لعدد ساعات الحضور والتدريب، وفي أكاديمية إيداهو الافتراضية التي يحضر فيها أبناء السيدة ليكلير فإن الأمر يقع على عاتق الآباء في تسجيل الحضور، حيث يقومون بتقديم جداول حضور إسبوعية تحصر ساعات أبنائهم التي قضوها في التعليم الافتراضي.
رقابة عن بعد
لذا فإن عملية احتساب وقت التعلم يعود إلى تفسير كل أب على حدة، فعلى سبيل المثال يقول أحد المدرسين بالإكاديمية إن التعليم الديني للأطفال يجب أن يحسب ضمن ساعات الدراسة، في حين ترى تامارا بايسينجر المسئولة الحكومية التي تراقب المدارس الافتراضية أن الآباء لا يجب أن يحسبوا ساعات تعليمهم الديني ضمن ساعات التعلم الافتراضية، وتقول السيدة بايسينجر إن هناك برنامجاً حاسوبياً يستطيع أن يسجل ساعات الحضور للطلاب، وتضيف: (البرنامج مزود بنظام مراقبة يستطيع أن يحدد إذا كان الطفل يدرس فعلاً أم ترك الحاسوب وذهب لمشاهدة التلفاز)، في حين يرى السيد ريد أن هناك طريقة أفضل لحساب عدد ساعات الحضور الافتراضي، وهو إحصاء عدد المناهج الدراسية التي تم استكمالها وليس عدد ساعات التدريس نفسها.
ويقول: (إذا كان لدي طفل يدرس الجبر ثلاث مرات ورسب فيه ثلاث مرات، فما قيمة وضعه في فصل آخر مدته 90 ساعة؟ فالعبرة باستكمال المواد التعليمية وليس بعدد الساعات)، والسيد ريد يعمل لمدرسة افتراضية خاصة، ويضيف: (إن الدروس الافتراضية تسمح لك بتخصيص احتياجاتك وأن تقوم بفعلها بصورة أسرع، لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، لأن المدارس تربط النفقات التعليمية بعدد الساعات، فكلما زادت عدد الساعات كلما كانت المصاريف أعلى، وهذا ما تريده المدارس).
كما دارت مناقشات أخرى أيضًا حول الدعم الحكومي لتلك المدارس الافتراضية، وكم النسبة التي يجب أن تحصل عليها مقارنة بالمدارس العادية، وقد كشف بحث السيد هيرتا عن أن هناك بعض المدارس افتتحت أقسامًا للتعليم الافتراضي فقط من أجل الحصول على الدعم الحكومي عن كل تلميذ.
ويكشف السيد هيرتا في تقريره عن مدرسة افتراضية في كاليفورنيا كانت في السابق مخزن شحن وتحولت إلى مدرسة بها عشرة مدرسين لألف وخمسمائة طالب، ولم تكن هناك تقريبًا أية مصاريف على العملية التعليمية وكانت المدرسة تحتفظ ببقية أموال الدعم الحكومي.
لذا فإن ولاية كاليفورنيا الآن قررت أن تعطي حصة ضئيلة من الدعم عن كل تلميذ يسجل في المدارس الافتراضية، في حين تعطي ولاية إيداهو دعمًا كاملاً، ولكن تطلب من المدارس الافتراضية أن تقوم بدفع نفقات تشغيل المنشآت والمدارس العادية التي تتبع لها.
ويقول كودي كلافر رئيس أكاديمية إيداهو الافتراضية: (إننا نقدم وسائل لتوفير أموال دافعي الضرائب لأننا ندير المدرسة بتكاليف أقل بنسبة 35%). ففي المدرسة ألفي طالب، ونوظف 75 مدرسا وموظفا، ونحافظ على منشأة جذابة حيث يستطيع الطلاب أن يأتوا إليها للاختبار أو لمساعدة الحالات ذوي الاحتياجات الخاصة. كما يحصل خريجوها على دبلومات، تمامًا مثل الطلاب في المدارس التقليدية.
توقعات بالانتشار
ويقول تقرير معهد هوفر إنه من المتوقع أن ينتشر التعليم الافتراضي بصورة كبيرة في السنوات القادمة، وذلك لأنه أقل تكلفة في النهاية كما أنه يتمتع بالمرونة في تلبية حاجات الطلاب في مختلف أنواع المناهج مقارنة بالتعليم التقليدي. ويقول السيد هورن المدير التنفيذي للتعليم بمعهد (إنوسايت) وأحد المشاركين في كتابة التقرير إن المدرسين في المدارس التقليدية (ليس لديهم وقت كاف ليكونوا مدرسين وناصحين للطلاب ومحفزين لهم في الوقت ذاته، لأنهم يضيعون الكثير من وقتهم في توصيل محاضرات واحدة تناسب الجميع، فإذا ما سيطرت الحاسبات على عملية محاضرة الطلاب، فإن المدرسين يمكن أن يعملوا مع أولئك الذين يحتاجون للمساعدة، ويمكن لذلك أن يغير من افتراضنا لشكل المعادلة العامة للعلاقة ما بين الطالب والمدرس).
ولكن توقع ازدياد التعليم الافتراضي مستقبلاً قوبل بردود فعل متفاوتة من الخبراء؛ فيقول جيني جلاس أستاذ التعليم بجامعة ولاية أريزونا: (يستطيع التعليم الافتراضي أن يلبي حاجات الطلاب في بعض المواد مثل الرياضيات واللغة، ولكن نصف المواد التعليمية سيظل بعيدًا عن العالم الافتراضي، فالحاسوب لا يستطيع أن يدرّس الأدب والرسم وجميع المناهج التي تعتمد بصورة أساسية على تفاعل عقلاني وإنساني بين الطالب ومدرسه).
ويقول السيد هيرتا إن معدي التقرير لم يشيروا إلى مدى فعالية التعليم الافتراضي وأثره على الطلاب، وإذا كان هناك فارق إيجابي لصالح التعليم الافتراضي فيما يتعلق بأداء الطلاب مقارنة بنظرائهم في المدارس العادية.
وقد أجرى السيد ريد بحثه في ولاية أريزونا ولم يستطع أن يفرق ما بين التعليم الافتراضي والتقليدي من ناحية أداء الطلاب، فيقول ريد في بحثه (إن نوعية التعليم لا علاقة لها بأداء الطلاب، فنوعية توصيل المعلومة ليست القضية ولكن الأساس هو الطالب ذاته).
ويشير التقرير إلى أن المدارس الافتراضية الأربعة في ولاية إيداهو فشلت هذا العام في تحقيق أهداف التقدم السنوية في الاختبارات القياسية التي تعد في الولايات المتحدة، ولكن في المدارس التقليدية أيضًا فشل 70% منها في تحقيق النتيجة ذاتها. وفي إكاديمية إيداهو الافتراضية يقوم المدرسون بمراقبة تقدم التلاميذ عن طريق تتبع أدائهم في الاختبارات التي يتم عقدها في نهاية كل درس جديد، ويقول السيد كلافر إنه من الممكن أن يحضر الطالب في المدارس التقليدية ولا يقوم بأية نشاطات على الإطلاق وذلك بسبب العدد الكبير من الطلاب ويصعب على المدرسين تتبع كل طفل، أما في المدارس الافتراضية فإن ذلك مستحيل، لأن المتابع هو الحاسوب!