بين "قانون مور" والمعلوماتية للجميع اربح أقلبع أكثر
في سباقها المحموم لتحقيق مزيد من الربح، غامرت شركات تكنولوجيا المعلومات بأشياء "غالية جدا" بما فيها ثقة المستخدمين والأسواق، فعلى مدى تسعينات القرن الماضي وبداية القرن الحالي، انطلقت دوائر "البحث والتطوير" Research& Development في"رحلة اللاعودة" تحقيقا لرفع مستوى التكنولوجيا التي تتمتع بها شركاتها، وقد حققت هذه الشركات نتائج متفاوتة، ففي حين انهار بعضها تحت ضغط السباق تمكن آخرون من تحقيق انتصارات علمية تكنولوجية، وتمت ترجمة هذه النجاحات أرباحا عبر فرض مزيد من الإنفاق على مستخدمي التكنولوجيا في مختلف دول العالم اعتمادا على واحدة من غرائز الإنسان الأولى: "غريزة البقاء"،لأنه فيما كانت هذه الشركات تعلن منتجات أحدث في الأسواق كانت الشركات المنافسة "تركض" سريعا لشراء التكنولوجيا الأسرع لتحقيق التفوق على المنافسين من اجل البقاء والهيمنة في ميادينها.
والنتيجة كانت "إغراقا تكنولوجيا" في الأسواق العالمية عبر أمواج هائجة من المنتجات التي كانت تنطلق من شمال أميركا ووسط أوروبا لتجتاح الأسواق والبورصات ومستخدمي التكنولوجيا في العالم.
الحصيلة التي توقعها البعض حدثت عندما انهارت بورصات التكنولوجيا فسقطت اسهم الشركات و أفلس بعضها دافعا حتى بعض المصارف إلى تسجيل خسائر كبيرة، لكن ما هي الإشارات التي رافقت هذا التطور؟ غوردن مور في قفص الاتهام
"عدد وحدات الترانزستور Transistors في كل رقاقة سيليكون سيتضاعف تقريبا كل 18 شهرا"، هذا الكلام جاء على لسان غوردن مور الخبير في صناعة رقائق السيليكون والمؤسس الشريك في إنتل Intel الشركة الكبرى في قطاع رقائق الكومبيوتر والمهيمنة على هذه الصناعة عالميا، وقد أثبتت النظرية صحتها بين عامي 1971و2001 لأن كثافة الترانزستورات تضاعفت في كل رقاقة كل 1 ،96 عام، ونتيجة هذاالتطور العلمي السريع شهدنا في الأعوام الثلاثين الماضية تطورا في أجهزة الكومبيوتر وأجهزة التخزين والشبكات ومختلف أجهزة "الملتيميديا" Multimedia(الوسائط المتعددة).
لكن ما نشهده اليوم من تطور يشير إلى احتمال انتهاء هذه النظرية، وغوردن مور نفسه يعلم ان نظريته قد لا تستمر اكثر من عقد ويصبح معدل سرعة الرقائق اقل ارتفاعا، وذلك يعني انه بدلا من ان نحصل على ضعف سرعة الرقاقة كل 18 شهرا قد نصل إلى تضاعفها كل 25 الى ثلاثين وربما أكثر، والسبب ان تطوير الرقائق بات يواجه تحديات تقنية صعبة، فمع ازدياد كثافة الترانزستورات في كل رقاقة ترتفع الحرارة أكثر فأكثر، وتقول مصادر شركة إنتل Intel ان رقائقها ستصل قريبا إلى مستوى "كثافة الطاقة او القوة" الموجودة في "مفاعل نووي" (اي ما يساوي الوات في السنتيمتر المربع)، هذا التحدي ليس صعب التخطي بالنسبة الى المهندسين، لكن مشروع مواجهة هذا النوع من التحديات يكلف الكثير، مما لا تستطيع الشركات التصدي له في وقت انخفضت فيه المبيعات، فعندما كان تطويرالرقائق يكلف الكثير ومقابله تزداد الأرباح، كانت المعادلة التجارية طبيعية، أما الآن فقد لا تنجح الأمور، فضلا عن ذلك، لم يعد مزاج المستخدمين قابلا او مناسبا لمزيد من التكاليف، وقد تحصل ردود فعل خطيرة إذا قرر صانعوا الرقائق الاستمرار في التحديث ورفع طاقة تقنياتهم، ويقول بعض المراقبين: "صانعوا الرقائق لن يستطيعوا الإعتماد بعد الآن على المقولة التقليدية أصنعها وسوف يأتون
Build it and They will come.
النتيجة واحدة
سواء كان سبب تباطؤ التطور صعابا تكنولوجية او إعراض المستخدم عن الشراء، او أسبابا مالية، فالنتيجة واحدة وهي نقل تركيز اهتمام الصانعين من جني أرباح هائلة في كل سلعة إلى معدل اقل في هامش الربح، ويقول البعض انه ربما حان الوقت اليوم لكي يدخل الصانعون مرحلة جديدة عنوانها "الاهتمام برفع الاعتمادية وتبسيط التكنولوجيا"، وإذا كنا فعلا أمام مرحلة كهذه فأمور عديدة ستتغير وربما نفهم بذلك بعض تصرفات الشركات المعلوماتية التي بدأت منذ اكثر من عامين، فشركة مايكروسوفت التي أعلنت إنها ستركز على برمجيات لأجهزة صغيرة وبسيطةربما تكون من قبيل تبسيط الأمور والذهاب نحو ربح اقل بيع اكثر ربح اكثر، وما الذي تقوله مايكروسوفت اليوم؟
أولا، ثمة برامج لأجهزة بسيطة في حياتنا اليومية مثل ساعة المنبه Alarmوالثلاجة والمكيف وأجهزة المطبخ الكهربائية وغيرها... ثانيا. هناك ضرورة لتبسيط عمل البرامج الكبيرة لزيادة عدد مستخدميها. فإذاتحققت البساطة في العمل ربما تتحقق زيادة المبيع، ثالثا، استهلاك طاقة اقل، بمعنى الاتجاه نحو تحضير برامج اقل تطلبا لطاقة أجهزة الكومبيوتر، وبالتالي توفير التكاليف عن المستخدمين والاستغناء عن بعض المتطلبات الكبيرة لتشغيل البرامج.
توحيد المهمات... وتقليل التكاليف مايكروسوفت ليست وحدها وراء تخفيف الضغط عن المستخدمين، فشركة إنتل التي طالما اعتبرت نفسها غير معنية بالأمور "البسيطة والعادية"، بدأت التطرق إلى امور الحياة اليومية وكيفية مشاركتها الناس في تقنياتها، حتى انها تحدثت العام الماضي والذي سبقه عن كيفية مشاركتها في تحسين حياة الناس في المطبخ وغرفة الجلوس... عبر تقنياتها في الاتصالات والملتيميديا (صوت صورة وفيديو) وأجهزة المنزل الكهربائية، كذلك تحدثت عن قدرات معالجاتها Processors في الترفيه والتسلية بما في ذلك الموسيقى والأغاني وأفلام السينما وغيرها...أما كومباك التي اندمجت مع شركة HP فقد حاولت جاهدة أن تثبت حسن نيتها تجاه المستخدمين فباتت تتحدث عن ضرورة تجميع أجهزة عدة في جهاز واحد، ومعنى ذلك ان تجمع مثلا الطابعة مع آلة نسخ المستندات، إضافة لجهاز الفاكس ومعهما الماسحة الضوئية Scanner، ورغم أن ذلك لم يحدث عمليا إلا انه يظل التوجه المعتمد.
الزبون أولا واخيرا بغض النظر عن أخلاقيات التجارة وحالات إغراق الأسواق والاحتكار واللامبالاة تجاه حقوق الزبائن، ثمة أمر واضح هو أنه في النهاية آلت الأمور إلى يد المستهلك، واعترفت الشركات انه دون مزيد من المبيعات فالتطور تتباطأ خطواته،"وقانون مور" Moore هو في النهاية قانون اقتصادي تقني اجتماعي اكثر مما هو اقتصادي تقني، الآن يعيش العالم المعلوماتي مرحلة تساؤلات بعد مرحلة الصدمة،والأسئلة هي:هل يتم تخطي الركود؟ ومتى؟ وهل تنفع السياسة الجديدة في التقرب اكثر من حاجات الزبائن؟ وهل تتحقق فعلا نظرية ربح اقل بيع أكثر؟ أمامنا عشر سنوات لنشهد كل الإجابات، لكن في هذا الوقت قد نستمر في استخدام جهاز الكومبيوتر نفسه ونظام التشغيل نفسه وبرامجه التطبيقية.