|
حوار حول فصول العلوم التخيلية
|
* إعداد : محمد شاهين
عندما بدأ الانترنت في تغيير التعليم في أمريكا قام أحد أساتذة الكيمياء بالتقاط صور فوتوغرافية لآلاف الاختبارات بالأنابيب تحمل في طياتها محاليل جزيئية، ومن خلال العمل مع مصممي ألعاب الفيديو, قام بإنشاء معامل مشابهة للمعامل الحقيقية التي تسمح للطلاب بأن يخلطوا المواد في كؤوس تخيلية ويشاهدوا ردود الأفعال.
ومنذ ذلك الحين, أصبحت تلك المعامل التخيلية - بالإضافة إلى المختبرات الشبيهة الأخرى التي تسمح للطلاب بأن يقوموا بتشريح الحيوانات التخيلية أو الدخول إلى البرك المائية بحثا عن شقائق النعمان التخيلية - أدوات تستخدم بشكل واسع في تدريس العلوم. فقد تقدم نحو 150.000 طالب يستخدمون أجهزة الكمبيوتر لإجراء تجارب في المعمل الكيميائي التخيلي؛ إذ إنه يتصف بالأمان والرخص على عكس المعامل المحلية التي توصف بأنها خطرة وباهظة التكلفة.
وفي هذا الإطار، ذكر البروفيسور بريان وودفيلد من جامعة بريمجهام يونج أن بعض الأطفال في هذا المعمل يمكنهم فهم كيفية تفجير المواد في غضون نصف ساعة.
ومع ذلك فإن جدلاً كبيراً قد اندلع في هذا الوسط لم يسفر حتى الآن ومن المستبعد له أن يسفر عن التوصل إلى نتائج. كان هذا الجدل حول إمكانية أن يحل الانترنت محل المختبر الذي قد يعرض المختبرين للهلاك. وعلى الرغم من الشك الذي قد أصاب بعضا من أساتذة الجامعات إلا أنهم كانوا سببا في تحفيز مجلس إدارة الجامعات، وهي أكثر الهيئات تأثيرا في التعليم الأمريكي على طرح هذا التساؤل للمناقشة، وهو هل يمكن للمعامل التي تتخذ الانترنت لها مقراً أن تكون بديلاً مقبولاً ليحل محل المختبرات التي يتم فيها تبادل المواد المختبرة يدا بيد، ناهيك عن تعاون المختبرين أثناء استخدام الميكروسكوبات، تلك المكونات الرئيسية والجوهرية التي طالما صبغت المعامل في أمريكا لفترة من الزمن.
لقد قام مجلس إدارة الجامعة، كجزء من إجراء عملية تدقيق واسعة النطاق لآلاف من الدورات التدريبية التي تظهر تقدمها في مجال البحث العلمي، بدعوة فريق من أساتذة الجامعات والخبراء المتخصصين في التعليم عن طريق الانترنت لكي ينضموا إليه في دراسة كفاءة المختبرات عن طريق الانترنت التي يقوم بها موقع Web-based A.P في دورات العلوم.
ورأى أساتذة الجامعة ومن بينهم البروفيسور تريفور باكر المدير العام لمجلس إدارة Advanced Placement أن المختبرات الشبيهة قد تكون جيدة فعلا لدرجة أنهم يستخدمونها بدلا من مختبراتهم الخاصة، ومع ذلك فهم يعربون عن قلقهم حول إعطاء قبول رسمي للتجارب التي يقوم بها طلاب لم يجروا أبدا تجاربهم في معامل حقيقية. وسيكون نتاج ذلك أن يكون هناك طلاب اجتازوا دورات علوم السنة الأولى بالجامعة لينتقلوا إلى السنة الثانية دون التعامل مع موقد البنزين على الأقل.
هذا ويسعى الأساتذة المدربون عن طريق الانترنت إلى أقناع مجلس إدارة الجامعات والعامة أن معاملهم التخيلية توفي بالجوانب التربوية معتدين بأن الطلاب الذين يعلمونهم يحصلون على درجات مرتفعة في الاختبارات التي تجريها A.P. وحجتهم أيضاً أن المعامل التخيلية عن طريق الانترنت هي السبيل الوحيد لأن تصل العلوم المتقدمة إلى المدارس المعزولة في الأرياف أو المدارس الفقيرة غير المجهزة في المدن. إن التعليم عن طريق الانترنت الذي لم يكن متوافرا في التعليم الأساسي والتعليم ما قبل الجامعي منذ عقد كامل مضى يعد من أسرع القطاعات التعليمية نمواً وقبولاً، والدليل على ذلك هو تسجيل نحو نصف مليون دورة تدريبية في جميع أنحاء القطر.
وقد قامت نحو 25 ولاية بافتتاح مدارس تقوم بالتدريس عن طريق الانترنت مثل مدرسة Florida Virtual School وهي أكبر المدارس في أمريكا التي تضم نحو 40.000 طالب. ومدرسة Virtual High School وهي مدرسة غير ربحية يدرس بها نحو 7600 طالب من 30 ولاية وبلاد أخرى.
وفي هذا الاطار، قامت سوزان باتريك, مسؤولة سابقة بوزارة التعليم وهي الآن رئيس North America Council للتعليم عن طريق الانترنت بتقدير عدد الطلاب الذين التحقوا بالمدارس العامة وسجلوا أسماءهم في دورات العلوم عن طريق الانترنت حيث بلغوا نحو 60.000 طالب.
وذكر جون واتسون, استشاري تربوي, أن المدارس عن طريق الانترنت تواجه دعاوى قضائية حول التمويل أو لجوانب مالية كما أنها تواجه اعتراضات من جانب مجالس إدارة المدارس والجامعات الحكومية وأكثرها شراسة هو مجلس إدارة الجامعات.
وأضاف واتسون أن ذلك التحدي يهدد مسيرة تقدم التعليم عن طريق الانترنت على المستوى القومي إلى درجة يصعب معها إحراز مزيد من التقدم. فمجلس إدارة الجامعات اتخذ موقفا أكثر صرامة هذا العام حيث يصر أعضاء من مجلس إدارة الجامعات على أن دورات العلوم التدريبية بالمختبرات على المستوى الجامعي لا يطلق عليها A.P بدون معامل حقيقية, ذكر ذلك مجلس إدارة الجامعات في خطاب بعث به إلى المدارس عن طريق الانترنت. ويمكن لدورات العلوم عن طريق الانترنت أن يطلق عليها A.P إذا أكد لنا القائمون على التدريب فيها بتوافر إرشاد وجه لوجه أثناء إجراء التجارب وليس إرشادا تخيليا.
ومع ذلك فإن الضجة التي أثارتها المدارس عن طريق الانترنت كانت سببا في أن يصدر مجلس الجامعة اعتذارا يعترف فيه بأن هناك تطورات طرأت على التعليم عن طريق الانترنت؛ ما يدعم مسألة اعتماده. في إحدى المقابلات التي أجراها بيكر، أحد أعضاء مجلس إدارة الجامعات، أن المجلس قد شكل ثلاث فرق تتألف كل فرقة من خمسة من أساتذة الجامعة في البيولوجي, الكيمياء والفيزياء وكذلك من المدربين عن طريق الانترنت لكي يجتمعوا في نيويورك ليستعرضوا المعامل على الانترنت التي تقدمها المدارس على الإنترنت للحصول على دورات تدريبية A.P. وسوف تقرر لوائح مجلس الجامعات ما إذا كان بإمكان مدارس التعليم الثانوي أن تطبق A.P. يقول بيكر إن تصميم دورات تدريب العلوم على الانترنت تبدأ الترم القادم وفقا للطلاب الذين تقدموا بتسجيل أسمائهم بالجامعات.
وأضاف أنه في آخر حوار لمجلس الجامعات مع أساتذة العلوم بالجامعة واجه المجلس شكوكا يعتد بها في امكانية أن تحل المختبرات التخيلية محل المختبرات الشخصية.
ومع ذلك فإن العديد من المعلمين في العديد من المدارس البارزة عن طريق الانترنت أشاروا إلى الدرجات المرتفعة التي يحصل عليها طلابهم في اختبارات A.P.
وبالنسبة للتقرير الذي صدر نتاج إدارة الاختبار A.P في البيولوجي عام 2005 فإن نسبة 61% من الطلاب في جميع أنحاء أمريكا قد حصلوا على درجات مؤهلة تصل إلى 3 درجات أو أكثر لاختبار A.P الذي كان مجموع درجاته 5 درجات. والمفاجأة أن نسبة 71% من الطلاب الذين أجروا نفس الاختبار ولكن عن طريق الانترنت بمدرسة Florida Virtual School قد حصلوا على نفس الدرجات، ونسبة 80% من الطلاب الملتحقين بمدرسة Virtual High School قد حصلوا على نفس الدرجات أو أعلى.
وذكر بام بيرتلو كبير مسؤولي التعليم بمدرسة Florida Virtual School أن ذلك برهان يدعم التعليم عن طريق الانترنت والمختبرات التخيلية.
ومع ذلك فإن هناك تباينا رهيبا في الآراء؛ فها هو الكتاب الذي يعد بمثابة دليل Finding an online High School, الذي قام بتأليفه فينسنت كيرنان, وهو أحد كبار الكتاب ب The Chronicle of Higher Education حيث أدرج فيه قائمة تحتوي على نحو 113 مدرسة عن طريق الانترنت, منهم 32 فقط عرضوا الدورة التدريبية في العلوم A.P.
وقالت كيمي جونا أستاذ دكتور في علوم الحاسب الآلي إن المناهج التي تقدم على الانترنت ما هي إلا مناهج معيارية والأساليب الجديدة الكامنة في المختبرات على الانترنت عبارة عن تقدم ناشئ مشوش.
وقالت الدكتورة جونا إنها عبارة عن قالب لا يناسب جميع أجزاء القطر.
تعتمد دورات العلوم التي تقدمها بعض مدارس التعليم العالي بالانترنت على مواقع متعددة على تقديم قاعدة بيانات ثم تقوم بعد ذلك بإرشاد الطلاب من خلال التحليل. فمثلاً, في أحد المواقع التي تقوم على إدارتها جامعة أريزونا, يقوم الطلاب بتجميع المعلومات من خلايا أحد جذور بصلة ويستخدمونها لكي يحسب استمرار كل مرحلة في تقسيم الخلايا.
وتشتمل دورات الكيمياء ودورات العلوم الآخرى التي تقدمها العديد من المدارس الثانوية على الانترنت على معامل يمكن وصفها بأنها علوم مطبخ حيث يستخدم الطلاب فيها أدوات منزلية مثل الثلج, زيت الطعام, وبرطمانات زجاج, لكي ينفذوا تجاربهم.
ذكرت مايوري شاه، التي اشتركت شقيقتها سونيا في الاختبار البيولوجي A.P بمدرسة Florida Virtual School، (شقيقتي ذكرت لي قبل آخر اختبار لها في المعمل الذي يدرس فيه الطلاب ظاهرة التناضح بين السوائل: تأكدي أن لدينا بطاطس في المنزل). تقدمت سونيا بالتسجيل 16 مرة بالدورات التدريبية على الانترنت إذ إن المدرسة الثانوية الملتحقة بها في فلوريدا شمال Tampa لا تقدم هذا البرنامج.
هذه هي أحد الأسباب الشائعة التي جعلت الطلاب يتقدمون بالتسجيل في فصول التدريس عن طريق الانترنت.
وقالت إن آلاف المدارس في المناطق الريفية لا تحتوي على معامل علوم، ولكن بها تلاميذ يودون الالتحاق بالجامعات ويحتاجون إلى تلك التجارب العلمية، والمعامل التخيلية هي خيارهم الوحيد.
تقدم مدرسة ConVal High School في Peterborough, N.H أكثر من 12 دورة علوم تدريبية لا تشتمل على علم الحيوانات لذلك قامت كاثرين بدراسة ذلك القسم على الانترنت.
وفي إحدى الليالي كانت بمنزلها منشغلة بعملية تشريح تخيلية لخنزير تتحرك من شاشة إلى أخرى. وأوضحت إحدى الشاشات صورة كلية خنزير لخصت بنقاط صفراء تنبض.
تعجبت كاترينا وقالت ذاك أمر مدهـش. نقرت على الفأرة وأخذ المشرط التخيلي يفتح الكلية التي كانت عبارة عن مناطق داخلية يبرزها علامات مضيئة. من اللطيف أن تستطيع تكبير الصورة فلو كنت أقوم بهذه التجربة في معمل المدرسة ما كنت استطعت أن أرى جيدا.
وأضافت كاترينا قائلة: (إنني أتعلم الكثير على الانترنت بالضبط وكأني أحضر فصولا دراسية طبيعية).
أما أيرل فليك, أحد أساتذة الجامعة في البيولوجي التي أنشأت تشريح حيوان تخيليا, فإنه يرى عكس ذلك. بدأ ايرل في التشريح التخيلي للخنزير عام 1997 لكي يساعد طلابه بجامعة Whitman College in Walla, Wash على الاستعراض قبل الاختبار، ويوفر بديلا لهؤلاء الذين منعوا من التعامل مع النماذج الحية لأسباب أخلاقية.
ذكر البروفيسور فليك, رئيس مجلس جامعةHampden-Sydney College in Virginia أن الطلاب في جميع أنحاء أمريكا وجدوا أن التشريح التخيلي مفيد. ومع ذلك ذكر البروفيسور أنه أقل نفعا وفائدة من أداء التشريح الحقيقي.
وأضاف قائلاً: (إنك تفقد بعض الحواس إذ إنك لا تستطيع أن تحصل على الرؤية والإحساس والشم).
.....
الرجوع
.....
| | |
|
