قالت وداعاً للكتاب المكتبات الأمريكية تدخل عصر المعرفة الرقمية
|
*إعداد إسلام السعدني:
وداعاً للمكتبات الجامعية التقليدية.. صيحة ربما باتت تلقى رواجا كبيرا بين الجامعات المختلفة في الولايات المتحدة، تلك الجامعات التي وجدت أن عصر المعرفة الرقمية الذي نحياه الآن صار يتطلب مكتبات رقمية بدوره. وهكذا وجد طلاب العديد من الجامعات الأمريكية، الذين عادوا إلى مقاعد الدراسة، أن المكتبات الموجودة بجامعاتهم، التي اعتادوا التردد عليها صارت لها ملامح مختلفة تماما..
قالت وداعاً للكتاب
على سبيل المثال، لن يجد طلاب جامعة تكساس تلك اللافتات التقليدية التي كانت منتشرة في المكتبة التابعة للجامعة، والتي تطالبهم بالتزام الهدوء أو تحظر عليهم تناول الشطائر أو المياه الغازية وغيرها. كما لن يرى هؤلاء الطلاب بعد الآن ذاك المشهد التقليدي لموظفي المكتبة وهم يتحركون هنا وهناك بهمة ونشاط، لإعادة الكتب إلى الأرفف التي كانت موضوعة عليها، قبل أن يستعيرها أحدهم أو يستعين بها آخر.
والسبب ببساطة في الغياب المرتقب لكل هذه المشاهد عن أعين طلاب جامعة تكساس، يتمثل في أن مكتبة جامعتهم ببساطة لن يكون بها أي كتب من الأصل بعد الآن!.. السر في ذلك كله يكمن في عملية التغيير الجذري التي تجرى حاليا في مكتبة هذه الجامعة مثلها مثل العديد والعديد من مكتبات الجامعات الأخرى في أمريكا.
لا كتب بعد اليوم
ومن شأن عملية التغيير هذه، أن تحول المكتبة إلى مكان أشبه بمنتدى للأصدقاء أو الزملاء يجتمعون فيه لتبادل الرأي وتناول المشروبات أكثر منه مكانا يعكف فيه الطلاب على مطالعة الكتب، تلك الكتب التي يجري الآن على قدم وساق العمل على نقلها خارج المكتبة.
ولمتابعة هذا التغيير الشامل الذي تشهده العديد من المكتبات الجامعية الأمريكية، نشرت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) تقريرا تناولت فيه أبعاد هذه التحولات بشكل مفصل، بالتركيز على ما يجري في مكتبة جامعة تكساس، التي كانت تعد خامس أكبر مكتبة جامعية في الولايات المتحدة بما تحويه من كتب يصل عددها إلى 8 ملايين كتاب.
وأشارت الصحيفة في تقريرها إلى أن الشهور الماضية شهدت نقل عشرات الآلاف من هذه الكتب إلى أماكن أخرى في الجامعة، في إجراء أثار التساؤلات في نفوس الكثيرين ممن لم يستوعبوا بعد فكرة أن تكون هناك مكتبة لا تحوي كتبا!، ولكن هذا العجب يزول عندما يتعرف المرء على الأسباب التي حدت بمسؤولي الجامعات، التي تُجري عمليات التغيير تلك، إلى التفكير في الإقدام عليها، وهي أسباب تتمحور حول ضرورة إعادة النظر في الآليات التي تستخدمها المكتبات الجامعية لإشباع رغبات الطلاب في الحصول على المعلومات اللازمة لهم سواء لدراستهم أو لحياتهم، في ضوء تغير طبيعة العصر الذي نعيشه حاليا والذي بات البعض يصفونه ب(عصر المعرفة الرقمية).
(لاب توب) لكل تلميذ
ويستعين تقرير (كريستيان ساينس مونيتور) في هذا الصدد برؤية يطرحها جون شانك مدير مركز تقنيات التعليم بكلية (بين ستات) الأمريكية، حيث يقول إنه بينما لا تزال المكتبات تركز على ما تحتوي عليه من كتب باعتبارها العامل الأساسي الذي يساعدها على القيام بدورها، فإنه من الضروري أن يدرك مسؤولو هذه المكتبات أن وجود الكتب في المكتبة ليس غاية في حد ذاته، بل أن الكتب ليست سوى أداة تمكن المرء من الإطلاع على ما يريد من معلومات.
ويتفق مع هذا الرأي، العديد من الخبراء الذين يجمعون على أن ظهور الإنترنت وبزوغ فجر عصر المعرفة الرقمية أدى إلى حدوث تغييرات فيما يتعلق بالسبل التي يحصل من خلالها الطلاب على المعلومات التي يحتاجون إليها، مما يفرض واقعا جديدا بات على المكتبات التقليدية أن تبذل مزيدا من الجهد حتى تتمكن من مواكبته والتفاعل معه.
ومن جانبها، تؤكد فرانسيس جاكوبسون هاريس، مؤلفة كتاب (لقد وجدتها على الإنترنت: بلوغ سن الرشد في العصر الرقمي)، أن العديد من الصغار الذين يقتربون من سن الرشد حاليا لا يجدون فارقا يذكر بين المعلومات وبين الوسيلة التقنية التي يحصلون على هذه المعلومات من خلالها، وذلك في إشارة إلى أن هؤلاء الصغار يمزجون بين المعارف التي يحصلون عليها عبر شبكة الإنترنت وبين الشبكة نفسها.
ومن بين ما يؤكد أن هذه الرؤية باتت تحظى بقبول واسع من جانب المسؤولين عن المدارس والجامعات في الولايات المتحدة، ما حدث في إحدى المدارس العليا بولاية أريزونا الأمريكية في الشهر الماضي، حين قررت إدارة المدرسة عدم تسليم طلبتها كتبا دراسية، بل السعي لتوفير مناخ ملائم لهم للتعلم من خلال تخصيص حاسب إلى محمول (لاب توب) لكل منهم لتمكينه من الاطلاع على ما يريد، وأيضا لجعله قادرا على أداء واجباته المنزلية على الحاسب، وإرسالها إلى معلميه عبر الإنترنت.
ويرى المسؤولون في المدرسة أن هذا القرار سيؤدي إلى منح الطلاب فرصة أكبر للتفاعل مع المواد التي يدرسونها، وهو ما يجعلهم أكثر فهما لها واستفادة منها.
نظرة تقليدية
وتلفت (كريستيان ساينس مونيتور) في تقريرها النظر إلى أن التحدي الأكبر الذي واجه مسؤولي جامعة تكساس فيما يتعلق بتحويل مكتبة الجامعة إلى مكتبة رقمية، هو ذاك المتصل بتغيير النظرة التقليدية للدور الذي تلعبه المكتبة في عملية التعلم.
وفي هذا الشأن، ينقل التقرير عن فريد هيث أحد كبار المسؤولين في إدارة المكتبات العامة بالجامعة قوله (إن الغالبية العظمى من الناس يشجعون فكرة تحويل مكتبتنا إلى مكتبة رقمية، ولكن البعض منهم يشعرون بالحزن على ما يرونه من غياب ذاك الشكل التقليدي الذي اعتادوه للمكتبات الجامعية، وأعتقد أن المبعث الرئيسي لمشاعرهم الحزينة هذه، يكمن في أنهم سيفتقدون ما كانت الكتب تمثله من وسيلة للتواصل بين الطلاب، الذين كانوا يتبادلونها فيما بينهم، أو يتناوبون على استعارتها وما إلى ذلك).
وفي محاولة لتهدئة خواطر هؤلاء، قررت إدارة الجامعة أن تحذف من قاموسها كلمة (مكتبة) عندما يكون مسؤولوها بصدد الحديث عما آل إليه الحال فيما كانت سابقا (مكتبة جامعية تقليدية) بجامعة تكساس.. وهكذا أصبح الأمر يتعلق ب(مركز أكاديمي للتعلم) وليس ب(مكتبة).
وترسم لنا الصحيفة الأمريكية ملامح هذا المركز قائلة إنه مجهز بالعديد من المقاعد المريحة ليتسنى لرواده الاسترخاء أو تبادل أطراف الحديث كما يحلو لهم، إلى جانب كبائن صغيرة تتيح الفرصة لمجموعات العمل أن تتدارس ما هي بصدد إنجازه دون إزعاج.
وفوق هذا وذاك، وضعت إدارة الجامعة 250 حاسبا آليا تقليديا في مختلف أرجاء المكتبة، بالإضافة إلى 75 من الحاسبات الآلية المحمولة (لاب توب)، حيث تتيح هذه الأجهزة لرواد المركز من الطلاب الدخول على الإنترنت وتصفح المواقع المتنوعة الموجودة على الشبكة.
ويحتوي المركز أيضا على استوديو متعدد الوسائط، وركن متخصص في تقديم المساعدة فيما يتعلق بالتعامل مع أي مشكلات تقنية تنشأ خلال تعامل الطلاب مع الحاسب الآلي، إلى جانب مقصف يتيح لهم تناول المشروبات والأطعمة المختلفة.
مصادر أخرى للمعرفة
وفي الوقت الذي لا يزال فيه أساتذة الجامعات الأمريكية يحثون طلابهم على قراءة الكتب والاطلاع عليها، تزايد توجه هؤلاء الأساتذة لدعوة الطلاب إلى الانتفاع بمصادر المعرفة المختلفة المتوافرة على شبكة الإنترنت.
وتقول جودي أشكروفت رئيسة قسم الإبداع التعليمي والتقييم بجامعة تكساس إن (المهمة الرئيسية للمكتبة تتمثل في تقديم المعرفة للطلاب، والكتب ما هي إلا وسيلة من وسائل تقديم المعرفة باعتبار أنها تعتبر على نحو ما حزمة من المعلومات تم تجميعها على شكل كتاب).
وتضيف أشكروفت قائلة (الآن بات لدينا مصادر أخرى للمعرفة متوافرة بشكل رقمي، ومن واجبنا أن نتيح لطلابنا الفرصة للوصول إلى هذه المصادر والاستفادة منها).
إقبال هائل
نقطة أخرى، تتناولها (كريستيان ساينس مونيتور) في تقريرها، وهي تلك المتعلقة بتباين وجهات نظر المترددين على المكتبات الجامعية بشأن الغاية منها، فالمسؤولون في الجامعات يرون أن هذه المكتبات تعد مكانا يخزنون فيه الكتب والدراسات التي أعدها الأساتذة والتي يحتاج إليها الطلاب، بينما يراها الخريجون ملاذا يلتئم شملهم فيه، في حين ينظر إليها الطلاب حسبما يقول دامون جاجرز المدير المساعد لشؤون الطلاب في جامعة تكساس على أنها مكان يضم مئات الكتب ولا أكثر من ذلك.
وهذه النظرة اللامبالية التي يتبناها الطلاب للمكتبات الجامعية التقليدية، كانت سببا على ما يبدو في أن تسارع العديد من الجامعات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة إلى إدخال تغييرات جذرية على مكتباتها حتى تحظى بإقبال أكبر من جانب طلابها.
وبالفعل أثمرت هذه التغييرات كما يؤكد تقرير (كريستيان ساينس مونيتور) في إعادة جذب الانتباه إلى تلك المكتبات، وهو ما يتبدى في النجاح الكبير الذي تحققه حاليا (مراكز التعلم)، وهو المسمى الذي أصبحت تحمله العديد من المكتبات الجامعية بعد تطويرها وتحويلها إلى مكتبات رقمية. وعلى سبيل المثال، كشفت الإحصائيات التي أعدتها كلية (بين ستات) أن عدد الطلاب الذين يقبلون على مكتبتها ازداد بنسبة 300% منذ أن قامت بتحويل هذه المكتبة إلى مكتبة رقمية في عام 2001م.
المتعة المفقودة
وفي نهاية تقريرها تطرح (كريستيان ساينس مونيتور) تساؤلا ربما يكون قد راود عشاق المكتبات التقليدية ومفاده: كيف يمكن للمرء أن يعوض هذا الشعور باللذة والمتعة الذي كان ينتابه عندما يعثر فجأة على بغيته من الكتب وهو يقلب بين مئات الكتب المحفوظة على الأرفف، بعد أن أصبحت المكتبة لا تحتوي على كتب من الأساس؟!.
وتنقل الصحيفة عن موظفي المكتبات الرقمية إجابتهم على هذا السؤال الحائر بالقول إنه من الممكن للإنسان الشعور بذات الإحساس، ولكن على الإنترنت، عندما يعثر وهو يطوف في أرجاء الشبكة العنكبوتية الهائلة على موقع جديد يحتوي على معلومات كان يتوق للحصول عليها.
وعلى أية حال فمن غير المتوقع أن تنهي المكتبات الرقمية عصر قراءة الكتب تماما، فحسبما تقول فرانسيس جاكوبسون هاريس، لا يزال هناك الملايين من الطلاب الذين يقرؤون كتب (هاري بوتر)، ولكن الاختلاف يكمن كما تشير هاريس في أنهم ربما يتبادلون الرأي حول هذه الكتب على شبكة الإنترنت، تلك الشبكة التي يتيح فضاؤها الفسيح الفرصة لمرتاديها كتابة كل ما يعن لهم، وتبادل ما يريدون من آراء ووجهات نظر.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|