يبذل المتخصصون في حقل التقنية التربوية جهوداً مضنية لجعل الحاسوب الذي هو أداة التعليم الإلكتروني وسيلة ناجحة للتعلم مما أسفر عن العديد من البرامج في شتى العلوم والمعارف ولكن التعليم بواسطة اللغة العربية لم ينل من هذا الاهتمام إلا لشيء القليل على الرغم من الوثبات العلمية التي تحققت في ميادين اللغة العربية.
وفي خضم هذه التطورات العملية حاول اللغويون والحاسوبيون أن يخضعوا اللغة العربية لعلاج آلي يهدف إلى بناء معاجم آلية تنصب على وصف المفردات اللغوية من ناحية تصريفها وكذلك بناء معاجم تركيبية للغة العربية تهدف إلى ضبط الوحدات داخل البيئة اللغوية، وهذا يتطلب تحليلاً لغوياً يخص جوانب عدة من اللغة والصرف والتركيب والدلالة وقد تمخض ذلك عن إنجاز المعجم الصرفي للغة العربية بينما ظل المعجم التركيبي الآلي يفتقر إلى تلك الدراسات حيث لم ينل حظه من الاهتمام والبحث.
إن تعلم اللغة العربية أصبح من العلوم التي تلقى العناية والاهتمام من الباحثين والمختصين في هذا المجال ولكن مما يؤسف له أننا نجد هذا الاهتمام ممتداً إلى استخدام التقنية وبخاصة الحاسوب إذاً لا توجد برامج مخصصة لتعليم اللغة العربية سواء لأهلها أم لغير أهلها، إلا ما ندر على الرغم من وجود المجامع العربية التي انحصر اهتمامها في جوانب تراثية معنية باللغة العربية دون الاهتمام بجانب مهم من جوانب اللغة وهو علم اللغة الحاسوبي.
ولذلك ينبغي الاهتمام عند تصميم البرامج في التعليم الإلكتروني بعدة أمور لعل من أبرزها:
- جذب اهتمام الطالب لاستطلاع محتويات البرامج بواسطة الصوت والصورة واللون.
- تقديم المحتوى اللغوي في سياق غير السياق اللغوي البحت، وهذا بلا شك يثري معلومات الطالب العامة وينمي حصيلته اللغوية ويساعد على اندماج الطالب في المادة.
- وضع برنامج حاسوبي ينمي حاجة دارسي العربية ويناسبهم جميعاً بغض النظر عن مستوى كفاءتهم اللغوية.
- تقديم المحتوى باللغة العربية الفصيحة.
وهناك بعض العوامل التي تساعد على تطور اللغة العربية في مجال التعليم الإلكتروني ومنها:
- إعادة الاعتزاز باللغة العربية وتراثها وتكثيف تدريسها في مواد التعليم العام.
- توجيه مستخدمي المعاجم العربية إلى أهمية المعاجم الإلكترونية.
- استخدام نظام قواعد النصوص الكاملة Full text data base في حفظ واسترجاع النص القرآني.
- استخدام نظم المعلومات لتحليل مادة الحديث الشريف وعدم الاكتفاء بعرض سلاسل الرواة وتخريج الأحاديث والاهتمام بالمضمون وتنسيق ارتباطه الدلالي وربط نصوصه بالنصوص ذات الصلة.
- إقامة قواعد بيانات بيبلوغرافية لوثائق الدراسات وكذلك جميع الأحكام الخاصة بالعقيدة والأخلاق.
- إقامة قاعدة بيانات لذخيرة النصوص العربية corpus في مجالات الفكر والفنون والأدب والشعر.
- استخدام نظم المعلومات في تحقيق التراث باستخدام الحاسوب في تسهيل قراءاته من خلال أساليب التكبير الرقمي Digital Magnification وكذلك بتقديم الدعم المعجمي للباحثين من خلال دمج المعاجم التاريخية بهذه النظم.
- ضرورة تكثيف الجهود في مجال التعريب بحيث تنطلق من السطحية إلى العمق.
- تكثيف الصفحات العربية في الإنترنت ووضع المعاجم اللغوية على الشبكة ووضع دروس تعليم اللغة العربية بصورة مجانية لكي يشاركنا غيرنا في تعلم لغتنا.
- تشجيع البحوث باللغة العربية في مجال العلوم الحديثة من أجل تعريب المصطلحات في هذا المجال.
- بث الوعي بين أبناء الأمة وإيقاظ غيرتهم على اللغة وبناء ما تصدع من ثقتهم واعتزازهم بتراثهم.
- إنشاء مؤسسة متخصصة في حقول الترجمة تشبه بيت الحكمة في العصر العباسي تعمل على ترجمة الكتب والبحوث العلمية المختلفة وفق استراتيجيات مدروسة أسوة بما يحدث في الأمم المتقدمة كاليابان وغيرها.
ومن هنا فيمكن القول إن الاستفادة الحقيقية من تقنية التعليم الإلكتروني وما ينتج عنه من علوم ومعارف لن يؤتي أكله في العالم العربي إلا من خلال تعريب هذه التقنية وتوطينها كما تفعل دول العالم الأخرى ولن يكون هناك نقلة نوعية للعلوم والتقنية عند العرب إلا بالتعامل مع عصر المعلوماتية من منظور عربي يستجيب لاحتياجات كل فردٍ من أفراد الأمة ولا يكون ذلك إلا بلغة موحدة منضبطة، فاللغة في مجتمع المعلومات لها موضع الصدارة، لأن اللغة هي من أهم مقومات الإنسان محور هذا المجتمع ومصدر الذكاء الاصطناعي للكمبيوتر إلى درجة اعتبار كمبيوتر الجيل الخامس حاسباً لغوياً في المقام الأول.
ولذلك فعلى الباحثين والمتخصصين في حقل التربية أن ييسروا سبل تعلم اللغة العربية وتعليمها حتى يتسنى للحاسوبيين تأسيس وتصميم برامج إلكترونية تعليمية للغة العربية على غرار ما هو معمول به في العلوم الأخرى، لأن التعاون والتشارك بين التقنيين الحاسوبيين وبين اللغويين والتربويين يسهم في إنتاج برامج تعليمية منظمة تحقق الأهداف التعليمية وتساعد على نجاح التعليم الإلكتروني بكافة أبعاده.
* مشرف لغة عربية - تعليم الرياض