* استطلاع سعيد الحسيني
انتشرت ظاهرة هاتف الجوال بشكل لافت للنظر في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد تحرير سوق الاتصالات في المملكة ودخول شركة اتصالات ثالثة على خط المنافسة فأصبح هناك ثلاث شركات لإدارة هذا القطاع، الذي أخذت أسعاره بالهبوط نتيجة تنافسهما ولا سيما (جوال) و(موبايلي) اللتين تفننتا في أساليب الدعاية وتوزيع الهدايا مع كل خط وتخفيض الأسعار، وإغراءات أخرى تقدمها أكشاك بيع الجوالات حيث تجذب الزبون بديكورات أنيقة وبمختلف أنواع الأجهزة ومن مناشئ عدة، وبسبب تخفيض الاشتراك ولا سيما بعد انتعاش تجارة البطاقات المدفوعة مسبقا سواء سوا أو موبايلي، وهكذا أصبح الجوال في متناول حتى ذوي الدخل المحدود، بعدما كان محصوراً لدى التجار والميسورين.
تطورات متسارعة يصعب اللحاق بها
وانتشرت المحلات في كل المناطق تقريباً وازدادت في الأماكن العامة والشعبية، ونلاحظ أن البعض يستخدمه بمناسبة ومن دون مناسبة، ربما من باب التظاهر، فكثيرا ما نشاهد من يتحدث به في الشوارع والمقاهي والمطاعم والأسواق وعلى الأرصفة، وهذا يظهر لدى الشباب بشكل خاص، كذلك الفتيات اللواتي يعددن الجوال مثل العطر اليومي والموديل العصري، ويلاحظ اقتناؤه عند طلاب الجامعات بكثرة، ربما يستخدمونه للتحدث فيما بينهم في أمور عديدة أو يكتبون الرسائل الهاتفية القصيرة ليعبروا عن مشاعر أو بتذكير المواعيد وجداول الامتحانات، وأحيانا للمعاكسات والنكات والمغامرات العاطفية، وهؤلاء الشباب يعدونه مكملاً للأناقة مثل السيارة الحديثة. يقول الصحفي أسامة العويش: إن الجوال وجد للحاجة والضرورة فقط، لذلك أتصل بعائلتي مرات عديدة في اليوم الواحد لكي أطمئنهم عن حالتي، بسبب قلق عائلتي المتزايد عليّ، كذلك الاتصال ببعض الأصدقاء حين احتاج إلى أي شيء يخص دراستي.
بين الباندا والشيطان مسيرة قصيرة
ويتنافس بعضهم في اقتناء الجوال الأغلى سعراً ذي المواصفات والمزايا الكثيرة خصوصاً الذي يحتوي على كاميرتي تصوير وحافظة للبيانات مع خط خاص لخدمات الإنترنت من خلال (كارت) خاص بذلك، ويقول عماد كريدي: إن اقتناء هاتف الجوال شيء ضروري للجميع، وانه يستخدمه للضرورة فقط بل ينجز الكثير من أعماله مختصراً الوقت بشكل مذهل للجميع، كذلك يعوضه عن مشقة الذهاب إلى مكان العمل إذا تطلب الأمر شيئاً عاجلاً وانه يعقد كثيراً من الصفقات التجارية في البيع والشراء، والاتصال بالشركات والزبائن ومعرفة أسعار السوق والعملات الأجنبية، ومخاطبة الأهل والاطمئنان عليهم.
إجراء مكالمات وحوادث سيارات
وأحيانا يسبب الجوال مشاكل كثيرة لا تحمد عقباها نتيجة سوء الاستخدام، إذ نشاهد العديد من سائقي السيارات يتهاتفون بالجوال وهم يقودون سياراتهم في الشوارع المزدحمة والمكتظة بالمارة، الأمر الذي يسبب حوادث مرورية كثيرة أو مشاجرات بين السائقين لعدم الانتباه والانشغال بمحتوى المخابرة، وذلك بالرغم من اتخاذ مديرية المرور العامة إجراءات رادعة بتغريم المخالفين، ويقول الطالب محمد مهنا: إن الجوال يسبب إرباكا في المحاضرات بسبب نغماته المثيرة التي تلفت انتباه الطلبة، لذلك عمد جميع الأساتذة إلى منع دخول جهاز الجوال إلى قاعة المحاضرات، أو قفله قبل دخول الطالب إلى القاعة، أما الجوال الذي يحمل مواصفات التصوير، فيفترض أن يمنع دخوله أصلا إلى الجامعة من خلال متابعة الحرس الجامعي ومع ذلك نجده بين أيدي الجميع.
بطاقات معايدة جوالة
ويقول جهاد المصري (موظف): لقد استبدلت بطاقة التهاني البريدية (المعايدة) بالرسائل القصيرة عبر كتابتها بالجوال خاصة بعد تخفيض رسوم الاشتراك، ويستخدم الشباب الرسائل القصيرة التي تتضمن عبارات التهنئة الجميلة والصور المعبرة والكلام الطريف، لأن تكلفة الرسائل الإلكترونية اقل بكثير من إرسال البطاقات العادية، ويمكن التواصل والتهنئة من جميع الأصدقاء بوقت قصير جداً بسرعة المخابرة وبسعر زهيد، لذلك تتنافس محلات الجوال ومواقع الإنترنت على ابتكار آلاف الجمل والعبارات والصور المعبرة عن المناسبات والأفراح والأعياد التي تلقى رواجاً واسعاً بين مستخدمي هاتف الجوال، وتتوافر في المكتبات أنواع عديدة من الكتب الأنيقة فيها عبارات ورسائل وكلمات مختصرة.
أسواق لجوالات أم لنجوم مشهورين؟
وأثناء تجوالنا في أسواق الجوال المنتشرة في كل مكان، يبدو انه لم تعد هناك سلعة تهم الناس أكثر منه ولا حديث يعلو بين الزبائن والتجار على حديث الجوال. وفور أن يدخل المرء إلى سوق الاتصالات تبهره أنواع هواتف الجوال المزدانة بالإعلانات الضوئية والجدارية، كذلك باعة متجولون يعرضون هواتف على الأرصفة، وزبائن لا يحملون في أياديهم غير الجوال، فيظهر ذلك الشارع كأنه مكان عصري لتبادل هذا الاكتشاف المذهل الذي يشغل شريحة واسعة من الشباب، وتعرض المحلات في واجهاتها الزجاجية ملحقات من أغلفة ودعايات لرياضيين وممثلين مشهورين في الوسط الشبابي ومن لهم شعبية واسعة، كذلك قطع الغيار من الإكسسوارات وسماعات الأذن وبطاقات المكالمات الهاتفية ومحولات الشحن والنغمات وأنواع بطاقات الشحن وبأسعار مختلفة حسب الوقت المطلوب لإدامة الاتصال والمعروف من خلال رصيد المشترك.
ودخلت محلاً متخصصاً بتصليح وبيع الجوال المستعمل بسعر زهيد، فما كان من صاحب المحل إلا أن بادرني بإلحاح إذا كنت أرغب تبديل جوالي بآخر جديد مقابل ثمن بسيط.
وقد انتشرت محلات بيع الجوال بشكل لم يسبق له مثيل في معظم المولات التجارية الكبرى، مستفيدين من الكثافة البشرية لوجود أعداد كبيرة من الزبائن الذين يتقاطرون على تلك الأسواق، إضافة إلى الاستفادة من بيع بطاقات الشحن بأنواعها وتعريب النغمات وأنواع الأغلفة والإكسسوارات. وعن سر إقبال الشباب على التعامل مع هاتف الجوال قال السيد ماجد (موظف في أحد المحلات): إن التداول الواسع للجوال قد أنعش الأسواق في جميع المدن والأحياء، إضافة إلى أنه وفّرَ دخلاً مالياً لعدد كبير من أصحاب المحلات الذين كانوا يعانون من كساد اقتصادي في بيع سلع إلكترونية أخرى، فغيروا محلاتهم بهذه البضاعة الجديدة مما لا يتوافر في تجارة أخرى، وانه يحفظ جميع أنواع الجوالات الحديثة وخصائصها وكفاءتها وأسعارها ولديه معلومات تقنية دقيقة حول فعالية كل منها ومناشئها الكثيرة. والمذهل كيف أدرك كل ما هو موجود في جهاز معقد صغير؟