ما الذي يخفيه باطن الأرض؟ تقنيات جديدة للاستشعار تقفز بعلم الآثار
|
* إعداد أمجد الجباس:
منذ ظهوره بشكل مستقل وعلم الآثار يسعى للكشف عما في باطن الأرض من آثار عن طريق عمليات الحفر التي يقوم بها العلماء بين الحين والآخر في المواقع الأثرية.
وفي كل مرة كان لا بد من القيام بحفريات وإزالة طبقات من التراب والأحجار كشفاً عما تخفيه الأرض من كنوز. وكان التوصل إلى تقنية تمكن علماء الآثار من التعرف على ما يخفيه باطن الأرض قبل القيام بعمليات الحفر حلماً يراود الأثريين، ذلك الحلم الذي يوفر حال تحققه الكثير من الوقت والجهد والمال الذي كان يستنفد في القيام بحفريات على نطاق واسع لا تسفر إلا عن النزر اليسير من الاكتشافات القيمة، وفي كثير من الأحيان لم تكن تسفر عن شيء.
لذا كان التعرف على ما يخفيه سطح الأرض قبل القيام بعمليات الحفر أمراً ضرورياً بالنسبة للأثريين يوفر لهم الوقت والجهد والمال، فضلاً عن التحديد الدقيق للمواقع التي يتعين القيام بعمليات الحفر فيها، بالإضافة إلى ان مثل هذه العملية توفر إجابة للعديد من التساؤلات التي تثور في أذهان الأثريين والتي لم يكن بالإمكان التوصل إلى إجابات شافية لها بدون إتمام عمليات الحفر التي كانت تتضمن في كثير من الأحيان عمليات تدمير واسعة النطاق للمواقع الأثرية.
إلا أن هذا الحلم يتحول الآن وبشكل تدريجي إلى واقع ملموس نتيجة للتطورات التي يتم إدخالها على أجهزة مسح المواقع الأثرية واستفاد علم الآثار من التطويرات التي أدخلت على الأجهزة المستخدمة في علوم أخرى من أجل تطوير أجهزة تخدم علم الآثار باستخدام تقنيات أشعة إكس والأشعة تحت الحمراء وموجات الميكرويف والموجات المغناطيسية، وهي التقنيات التي تساعد علماء الآثار على التحديد الدقيق لمواقع الحفر التي تخفي في باطنها الكنوز الأثرية والابتعاد عن الحفر العشوائي للمواقع الأثرية بحثاً عما تخفيه الأرض في باطنها من كنوز وتحف. ذلك النموذج في القيام بالحفريات الاستكشافية يطلق عليه نموذج الحفاظ على المواقع الأثرية، وهو الذي يسهم على الأمد البعيد في الحفاظ على المصادر الأثرية للأجيال القادمة وحمايتها من التدمير، تلك الأجيال التي ستكون في حاجة إلى إجراء حفريات جديدة لذات الموقع بحثاً عن إجابات شافية لتساؤلات جديدة وباستخدام تقنيات جديدة.
ومع التطور في تقنيات الاستشعار يتمكن علماء الآثار من الاستفادة من التطورات الحادثة في علوم الحاسب الآلي، وهو الأمر الذي يمكن هؤلاء العلماء من تطويع هذه العلوم واستخدامها جميعاً من أجل الحصول على البيانات وتحليلها واستخلاص النتائج منها.
الرؤية بعيون جديدة
للتعرف على الإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها التقنيات الجديدة في مسح المواقع الأثرية، قامت مجموعة من علماء الآثار من جامعة أركنساس بقيادة فريدريك ليمب وكينيث كفمب بفحص موقع أرمي سيتي بكنساس، تلك المدينة التي تم تأسيسها عام 1917 كمدينة متكاملة الخدمات بها العديد من الفنادق والمسارح، إلا أن المدينة سويت تماماً بالأرض عام 1921 إثر حريق مدمر لم يترك لها أثراً.
ولكن قامت مجموعة من علماء الآثار في العام الماضي بإجراء عملية مسح لموقع المدينة باستخدام التقنيات الجديدة في الاستشعار، وأسفرت العملية الجديدة عن تحديد دقيق لمواقع الطرق والأرصفة وحجرات المباني بالمدينة التي سويت بالأرض منذ أكثر من ثمانين عاماً، حتى ان التقنيات الجديدة مكنت المستكشفين من رؤية نظام الصرف الصحي الخاص بالمدينة، وأصبح سطح الأرض بواسطة التقنيات الجديدة وكأنه مرآة شفافة تكشف ما يخفيه باطن الأرض من كنوز أثرية.
وقد قام الفريق بتوظيف العديد من التقنيات الحديثة، ومنها الموجات المغناطيسية التي يتم إرسالها إلى باطن الأرض ونتيجة لاصطدامها بالأجسام التي ترقد في الأعماق وقوة الإشارات المرسلة الناتجة عن الاصطدام بهذه الأجسام يتم تحديد طبيعة الأجسام التي يخفيها سطح الأرض، ويتم الاسترشاد في تفسير هذه الإشارات بالصور العادية التي يتم التقاطها لباطن الأرض.
وفي الخطوة التالية يتم الاستعانة بالصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية ومنها القمر لاندسات7، وإن كانت الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية العامة لا تفيد إلى حد كبير في عمليات الحفريات التي يقوم بها علماء الآثار، كما يشير إلى ذلك د. ليمب، وذلك على عكس الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية التجارية والتي توفر رؤية أفضل بكثير للمواقع الأثرية، ومن هذا النوع الأخير صورة ملتقطة لموقع سيتي بيرد عن طريق القمر الصناعي كويك بيرد، وهي الصورة التي يعكف الدكتور ليمب والفريق العامل معه حالياً على استخلاص البيانات التي تحتوي عليها، والتي يقول د. ليمب إنها ترى الأشياء كما لو كان قد تم التقاطها من مسافة لا تتجاوز نصف المتر.
والصور الملتقطة عن طريق الأقمار الصناعية التي تستخدم لأغراض تجارية وإن كانت ذات فائدة كبيرة للحفريات التي يقوم بها علماء الآثار، إلا أن أسعارها ما زالت تتجاوز إمكانات الغالبية العظمى من علماء الآثار، وهي الصور التي يرى د. ليمب أنها سوف تسهم في نقل علم الآثار نقلات بعيدة، فبدلاً من التركيز لمدة طويلة على بقعة من الأرض لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار مربعة، أصبح بالإمكان القيام بعمليات مسح دقيق ومفصل لمواقع أثرية تنتشر على مساحة عدة هكتارات مربعة.
الحرارة حية دائماً
تقنية جديدة من بين التقنيات الحديثة المستخدمة في مسح المواقع الأثرية تقنية التصوير الحراري، حيث يتم استخدام كاميرات عالية التركيز ذات حساسية عالية للأشعة تحت الحمراء، ذلك الجزء من نطاق الأشعة تحت الحمراء والذي يتسم بطول موجي قريب من ذلك الخاص بالضوء العادي يحمل طاقة حرارية، حيث تقوم تقنية التصوير الحراري بتسجيل التغيرات الطفيفة في درجات الحرارة التي يتم تسجيلها عن أسطح الأجسام، والتي عادة ما تكشف الكثير من خبايا وأسرار هذه الأجسام. قام د. كفام والفريق العامل معه باستخدام هذه التقنية التي تمكن من مراقبة التغير في درجة الحرارة حتى 1 ،0 فهرنهايت في تصوير أحد المواقع الأثرية «دوبل ديتش، قرب نهر ميسوري» والتي يعود تاريخها إلى فترة ما قبل التاريخ.
وتمكنت الكاميرا المستخدمة من إعطاء وصف دقيق للموقع الذي تم إجراء المسح له، وتحديد المباني التي كان يضمها هذا الموقع والحجرات التي كانت تتكون منها هذه المباني وحدود كل منها ومداخلها ومخارجها.
ونتيجة للمعلومات المستقاة عن التصوير الحراري للموقع اكتشف الباحثون أن مساحة الموقع أكبر بكثير مما كانوا يظنون قبل القيام بعملية التصوير الحراري له.
مثل هذه التطورات التي طرأت على تقنيات الاستشعار كانت محل ترحيب كبير من جانب الكثير من علماء الآثار إلا أن الحاجة ماسة إلى إجراء المزيد من التطوير على هذه التقنيات والعمل على إدماجها في منظومة واحدة باستخدام الحاسب الآلي، وهو الأمر الذي بدأه د. ليمب وفريق العاملين معه الذين يعكفون على تطوير نظام يقوم بعملية دمج واستيعاب البيانات المستقاة من الصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية والتصوير الجوي وأجهزة استشعار باطن الأرض ودمج هذه التقنيات جميعاً في نظام موحد يعمل على الحاسب الآلي ينتظر أن يرى النور العام القادم.
ومثل هذا التوجه لا يسهم فقط في التوصل إلى نتائج على درجة عالية من الدقة فحسب، بل إنه يمكن أيضاً من تحديد أي تقنيات الاستشعار المستخدمة هي الأكثر ملاءمة لظروف ومتطلبات كل موقع أثري تجرى فيه حفريات.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|