بعد سنتين على أحداث 11سبتمبر .. شبكة الإنترنت تحيي الذكرى بهدوء
|
كان الهدف الأول من نشوء شبكة الإنترنت في مراحلها الأولى ربط مراكز عسكرية ببعضها البعض لتسهيل تبادل المعلومات العسكرية، ثم تطورت هذه الشبكة لتصبح رابطا بين الجامعات الأميركية وصولا إلى تحولها نحو شبكة عنكبوتية من المعلومات تمتد على مساحة العالم كله تقريبا من الناحية الجغرافية، وإذا كان هذا التوسع للإنترنت قد جاء ليعزز حاجة ملحة لتبادل المعلومات، فإن نشأته ترافقت أيضا مع تغيرات في السلوكيات الاجتماعية لعل أبرزها نشوءاً ما يسمى بالمجتمع الافتراضي وما يرافقه من سلوكيات افتراضية أيضا.
هذا المجتمع الافتراضي يشكل اليوم مجتمعا موازيا للواقع، فبالرغم من قدرته على تحرير الإنسان في كثير من اللحظات من سطوة الزمان والمكان إلا أنه يعكس الكثير من الواقع بتفاصيله، وإذا كان ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات هو قدرته على التخيل وإنشاء عوالم وهمية في الحلم كما في الفكر تشكل متنفسا له، إلا أنه، وكما هو الحال في الأحلام والخيالات، لم يبتعد كثيرا في تكوينه وتفاعله مع المجتمع الافتراضي عن الواقع، وكان محدودا في الكثير من الأحيان في استعادته لقضاياه المعيشة في محاولة لإسقاطها على العالم الافتراضي، وقد أعطى ذلك هذا العالم صفة العالم الموازي في كثير من الأحيان وليس العالم المختلف، فنحن رأينا البريد الإلكتروني بدلا من البريد العادي، والصحيفة الإلكترونية والتجارة الإلكترونية والمحادثة الإلكترونية وحتى الحرب الإلكترونية.
بل وكما في التأريخ للواقع، بدأت الحروب الإلكترونية و« الزلازل الصحيةالمتوقعة على الشبكة والناتجة عن فيروسات تؤرخ أيضا لها، غير أن تحول الإنترنت إلى صورة معكوسة عن الواقع لم تنحصر في الحروب بل في نتائجها، وبالتالي فالحديث عن الذكرى الثانية لهجمات الحادي عشر من أيلول، كما مرت على الشبكة، قد يكون أقرب للحديث عن بضع نقاط توجيه وسمت هذا العالم الافتراضي انطلاقا من الواقع. لقد بدا انعكاس نظرية البقاء واضحا في تعاطي هذا العالم الافتراضي مع واقعه، فمن الحزن والكآبة التي وصمت الأشهر التالية للاعتداء على شكل رسائل تعزية ودعم وإنشاء لمواقع خاصة لتقبل التبرعات للعائلات التي فقدت أفرادا لها، وصل الأمر إلى مرحلة الغضب المتمثل بحروب مستعرة بين المواقع وعمليات الضرب المتبادلة، وبعد رفض مواجهة الحقيقة بدا واضحا أن العالم الافتراضي تقبل الأمر في سنته الثانية وانعكس ذلك هدوءا على الشبكة، وإن عكرته بعض الضربات من الوزن الخفيف التي لا تخلو منها مناسبة.
إحياء للذكرى
منذ بداية شهر سبتمبر بدأت تظهر على بعض المواقع والبوابات التي تقدم خدمة البطاقات البريدية الإلكترونية أشكال مختلفة من البطاقات التي تحيي هذه الذكرى.
لن ننسى... روحنا متحدة... يقال ان الوقت يشفي
بعض من عناوين هذه البطاقات التي حملتها الشبكة إلى العلب البريدية الافتراضية، وبدت الحاجة إلى مواجهة الواقع واضحة، وإن افتراضيا، من خلال مواقع إحياء ذكرى ضحايا الحادي عشر من أيلول، وإذا كان العديد من هذه المواقع قد نشأ مباشرة بعد الاعتداءات إلا أنها ما زالت تعمل وتستقبل عددا كبيرا من الزوار، وتعود غالبية هذه المواقع لأفراد صدموا من الاعتداء فقرروا المساعدة بطريقة ما. فموقع moc. lairomeMht11Sep بدأ العمل في 13 سبتمبر من العام 2001 أي بعد يومين على الاعتداء، وبدأ يستقبل الرسائل منذ ذلك الوقت، وهو يعود لأحد المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات الذي أراد أن ينشئ « فسحة تسمح للناس بالتعبير عن أنفسهم وعواطفهم تجاه ما حصل، ويتضمن الموقع لائحة بأسماء الضحايا والمكان الذي عاشوا فيه وعملوا فيه، مع الرسائل المرسلة لكل منهم من أصدقاء أو أهل أو حتى أشخاص لا يعرفونهم، « أحبك يا عمي روبرت، لن أنساك أبداً فأنت في قلبي كتبت إحداهن لعمها،« نحن نفتقدك ولن ننساك أبداً، ليرعك الله ويحفظ عائلتك وزوجتك مورا وطفلتك تريش»، كتب أحدهم لصديقه ريتشارد الذي فقده في الاعتداء.
وقد استقبل الموقع خلال العام الماضي حوالي المائة رسالة يوميا خلال الفترة التي سبقت الذكرى، أما هذه السنة فلم تكن بالكثافة نفسها، غير أن عددا من الأشخاص أرسلوا صورا لمن فقدوا بالإضافة إلى صور أخرى أرادوا مشاركتها مع الغير، ومع ذلك يتوقع القيم على الموقع بقاءه حتى العام 2008. وإذا كان التعبير يساعد كثيرا من الناحية النفسية على تقبل ما حصل لاسيما أنه شكّل صدمة كبيرة، إلا أن الحاجة إلى دعم نفسي مباشر تبقى ضرورية.
هذا الدعم حاولت أن تؤمنه بعض المواقع التي تقدم مساعدة نفسية على الإنترنت، ومنها موقع الجمعية الأميركية للطب النفسي، ويقدم هذا الموقع إرشادات مجانية حول التعاطي مع حالات الصدمة والخوف والاكتئاب الناتج عنها، وإذا كان لاينوي أخذ مكان المتخصصين إلا أنه يشكل نوعا من التوجيه الأولي لزائريه، ولكن يبدو أنه، وكما هي الحال بالنسبة لمواقع إحياء الذكرى، فإن عدد الزائرين للمواقع النفسية أقل في الذكرى الثانية منهم في الذكرى الأولى.
تقول د. سينتيا براونسميث « ان الناس بدأوا يركزون على حياتهم وحاضرهم أكثر، وهناك اتجاه نحو الانطلاق إلى الأمام.
الإرهاب الافتراضي حاضر
غير أن الحديث عن هذه المناسبة على الشبكة يحمل أيضا في طياته بذور الخوف والرعب الذي ولدته، ويعززها في الواقع الافتراضي الخوف من خسارة المعلومات كما القدرة على الوصول إليها وانتهاء بخسارة ما يملكه الإنسان افتراضيا وواقعيا، ألا وهو فرديته في هذا العالم.
وقد انعكس هذا الخوف في عودة الحديث عن هجمات إرهابية على الشبكة بأشكال مختلفة، ويدير هذه النظرية ريتشارد كلارك الذي عمل خلال الولايات الرئاسية الأربع الأخيرة كمستشار لشؤون الأمن القومي وأمن الشبكات. وهو صاحب نظريات الضربات الافتراضية الإرهابية kcattarebyc التي يمكن أن تتعرض لها الولايات المتحدة وتستهدف مصادر الطاقة الكهربائية والمال والاتصالات والنقل والمياه والإنترنت، وكلها نقاط حساسة يمكن للإرهابيين ضربها، وهو حذر من ذلك بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأعاد التذكير فيها في الذكرى الثانية قبل بضعة أيام، وقد قام كلارك مدعوما من جامعة « كارنيغي ميلون»للتكنولوجيا في بيتسبرغ بإرسال رسالة إلى الرئيس جورج بوش العام الماضي يحذره فيها من هذا الخطر، واقترح مع مجموعة من المتخصصين الذين وقعوا على الرسالة وضع خطة خمسية لمواجهة هذه الحرب الافتراضية الآتية.
غير أن معارضي نظرية كلارك يرون أن أي عمل إرهابي لن يكون « نظيفا»لهذه الدرجة بل هو سيسعى إلى تأمين أكبر قدر ممكن من الخسائر بالأرواح ليكون له التأثير القوي على المجتمع والسياسة الأميركيين كما كان حال الهجمات على البرجين والبنتاغون، وهو ما لا يمكن أن تؤمنه أية ضربة افتراضية مهما كبرت، وإن كانت تأثيراتها الاقتصادية والنفسية على الأميركيين محسومة.
رسائل تحذيرية
إلى ذلك كانت قد بدأت بعض الرسائل البريدية بالانتشار نهاية آب الماضي تحذرمن فتح أية رسالة تحمل عنوانا يشير إلى برجي مركز التجارة العالمية أو 11/9 لكونها قد تتضمن فيروسا استغل منشئه هذه الذكرى لنشره وضرب أكبر عدد من أجهزة الكومبيوتر. وبالفعل طبع الذكرى الثانية من الاعتداءات اعتداء بفيروسين هما « نيروما(Neroma ) و« فوت. ك»KetoV.
وبالرغم من أن الفيروسين لم يكونا شديدي الخطورة إلا أن اعتمادهما للانتشار على رسائل تحمل عناوين تشير إلى الحادي عشر من سبتمبر زاد من خطورتهما بسبب حساسية الناس تجاه هذه الذكرى مما دفع الكثيرين إلى فتح هذه الرسائل لتصاب أجهزتهم وتمحى كل ملفاتها وتنسج عناوين البريد الإلكتروني المحفوظة عليه ليتم إرسال الفيروس إليها، وحملت الرسالة المتضمنة فيروس « نيروما»عنوان « 911 اقترب!»ويرتبط به ملف صور من نوع «جاي باغ» jpg.119. أما فيروس « فوت.ك»فهو نسخة معدلة عن الفيروس الذي ظهر مباشرة بعد الاعتداءات في العام 2001 وهو يصل إلى العلب البريدية مع رسالة « الحرب بدأت». في الذكرى الثانية للاعتداءات يبدو أن الحياة على الشبكة عادت طبيعية...وإن كان شبح أي اعتداء افتراضي ما زال ماثلا ويثبت يوما عن يوم حضوره لأسباب قد تكون في الكثير من الأحيان أبعد ما تكون عن السياسة.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|