ما يقدم منها مخجل برامج ال NLP هل هي بضاعة للجميع ؟
|
بقلم د.أحمد بن يحيى الجبيلي
باتت موجة التدريب على برامج NLP (البرمجة اللغوية العصبية) أو كما يحلو للبعض تسميتها (الهندسة النفسية) في مجتمعنا موضة تدريبية وإعلانية معتادة، نراها صباح مساء في الصحف ومواقع الإنترنت، ولكثرة إعلاناتها كانت في فترة من الفترات تلامس فضولي لمعرفة محتوى تلك الدورات بحكم التخصص وأنها جزء من علم النفس،فتطوير الذات وعلاج الصعوبات والمشكلات النفسية الفردية والنجاح النفسي في الأسرة والعمل ومع الأصدقاء، كلها مفاهيم تندرج تحت المظلة النفسية والتربوية فبدأت أسأل عن الدورة ومدتهاوبرنامجها ومدربها وما إلى ذلك وبدأت معها الصدمات المتتالية، فكصدمة أولية اكتشفت بأنها دورات قصيرة تقدم أحياناً مفاهيم ومضامين غاية في العمومية بل إن بعض الأفكار تقدم من زاوية الرؤية الخاصة بنظريات قد أصبحت في عداد التاريخ النفسي ولا تمثل مدارس علم النفس الحديث بشيء، وكصدمة أعنف اكتشفت أن المدرب في العديد من البرامج التدريبية غير متخصص في حقل علم النفس والتربية، وكصدمة أكثر عنفاً ودموية اكتشفت أن تلك الدورات تعطي شهادات للمتدرب واحدة تلو الأخرى حتى يرقى به الحال فيغدو مدرباً ممارساً ومعتمداً من منظمة أو اتحاد معين غالباً غير معروف الاسم بالضبط، ويصبح قادراً حينئذ على برمجة غيره نفسياً وعصبياً ولغوياً وعاطفياً.
برامج أساءت إلى التخصص
وقبل الخوض في بعض الملاحظات التفصيلية حول برامج الهندسة النفسية، فللحق هناك عدد من البرامج المطروحة من قبل الخبرات أو الكفاءات في هذا النوع من البرامج والتي تقدم غالباً على يد المختصين هي بمحتواها وبمضمونها جيدة برغم الحاجة إلى بعض التعديلات الطفيفة ولكن هناك نسبة أخرى من برامج الهندسة النفسية يحز في نفسي كثيراً أنها أساءت إلى مجال علم النفس، فبعد التحسن الملحوظ في الوعي والفهم الثقافي والاجتماعي لأهمية علم النفس وبرامجه في مساعدة الأفراد والمجتمع من خلال برامج العلاج والمساندة والإرشاد، يأتي مثل هذا البرنامج المهندس للنفس ليستخدم بطريقة خاطئة ويبدأ بسحب بساط الثقة مجدداً من المختصين في مجال علم النفس وبرامج العلاج النفسي، ويقدم نموذجاً آخر لممارسات خزعبلاتية وفق منطق (السوق عاوز كده).
فهل يعقل أن نتغاضى ونسكت نحن أهل التخصص في حقول علم النفس عن تلك الممارسات الخاطئة بحق تخصصنا العلمي، هنا أقول لا وألف لا، فنحن إن تغاضينا اليوم عن كشف عوار هذا البرنامج الذي أسيء استخدامه فسنفتح باباً لبرامج تدريب على برمجة طبية وهندسية وقانونية ومحاسبية وغيرها على يد غير صاحب الاختصاص ونقول لكل الخبراء وأهل الاختصاص أقفلوا أبواب كلياتكم فبرامج الهندسة التدريبية المتنوعة تقنياً عن ذلك. وهنا لا أنسى أن أقف بتحية إكبار لموقف الجمعية السعودية التربوية النفسية (جستن) حين رفضت كما نمى لسمعي قبول الاعتراف لبعض برامج ال NLP وذلك لأن العديد منها قد شوه الوجه الحقيقي للطريقة العلمية والمنهجية في حقول التربية وعلم النفس ولبرامج الNLP ذاتها.
«المحتوى والمضمون»
وقد أضحت مجموعة لا بأس بها من برامج الهندسة النفسية بمحتواها وبمدربيها تشكل بضاعة لكل من أراد أن يصبح تاجر كلام، فمن أراد أن يصبح مدرباً معتمداً فما عليه إلا إنفاق حفنة من الدولارات ليصبح بعدها مدرباً رسميا حتى وإن كان هذا المدرب هاوياً في مجال الهوكي أو بائعاً متجولاً أو عالماً في وكالة ناسا لعلوم الفضاء فالأمر سيان ومتاح للجميع، والبعض يرى أن له الحق في انتهاك مجال علم النفس فهو حقل لا بواكي له وجدار قصير لمن أراد القفز فوقه وهو حق مشاع للجميع، فقط ماعليك إلا أن تشحذ لسانك وتجهر بصوتك ولا تنس لغة الجسد فحرك أطرافك ما استطعت فهي مؤثر قوي على المستمع، والرزق على الله. أما المحتوى فقص من كتيبات وقصاصات تجمع من هنا وهناك بطريقة تفضيلية ومنتقاة حسبما يراه المدرب لا يحسب العلم والمنهج العلمي والمراجع والمجلات والتجارب البحثة العلمية وخصوصا الحديثة. ثم هناك إشكالية كبيرة فلو سألت البعض من المدربين ولماذا ترجع إلى هذا أو ذاك الرأي أوتلك النظرية؟ فسيقول سمعته أثناء التدريب السابق لي، بلا إدراك لأصل وجهة النظر أو المفهوم أو المبدأ أوالنظرية والتطبيقات المناسبة وما هي جوانب القوة والضعف فيها وما هو القول الحديث فيها من خلال الدراسات التجريبية وأين موقف العلم في ذلك وما وجهة النظر المضادة والمؤيدة ولماذا كل ذلك سيغيب عنه لأن ذلك يحتاج إلى سنوات من الممارسة النظرية والعملية، ولا تتأتى لمدرب تتلمذ لعدة أسابيع. كما يجب أن تعلم أن أقسام علم النفس لدينا في الجامعات تدرس الطالب لمدة أربع سنوات ليتخرج الطالب بعدها يتخصص في علم نفس عام، وعادة ما يتخصص الطالب في الدراسات العليا أو دبلوم عالي، فيتخصص في حقل واحد بعد ذلك ويختار داخل هذا الحقل تخصصاً دقيقاً ولايستطيع الإلمام ببقية الحقول في تخصصه بنسبة إجادته للتخصص الدقيق، وهذا حال أغلب الحقول العلمية تقريباً. فإذا ما قرنا ذلك بعدد معين من الأسابيع يتعلمها المتدرب ليصبح بعدها ممارساً ومدرباً ومخولا بل جهة معتمدة لتوزيع الشهادات التي تهندس البشر أدركنا عمق وأهمية الإشكالية في المسألة.
الحقيقة أكتفي هنا بهذا القدر من المعلومات العمومية حول قضية الحرفية المهنية في برامج ال NLP وإلا فلديّ المزيد من المعلومات والتفصيلات والأمثلة التي قد أتطرق لها مستقبلاً، وأجزم بأن الجهات المسئولة ذات الاختصاص لن تدخر وسعاً لمعالجة الأمر وحله بإذن الله وخصوصا فيما يتعلق بالتأكد من هوية المدرب العلمية والمحتوى العلمي ويجب أن يكون ذلك تحت مظلة علم النفس والتربية في إطارها العلمي والمنهجي الصحيح.
++++++++++++++++++++++++++
(*)عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام قسم علم النفس
للتواصل بالبريد الإلكتروني
aaljubaili@hotmail.com
++++++++++++++++++++++++++
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|