إعداد - محمد الزواوي:
بعد فترات طويلة من السيطرة الحكومية على المعلومات في الصين بدأ الشباب الصيني في كسر تلك السيطرة بسبب وفرة المعلومات التي وجدوها على شبكة الإنترنت، وبدأ أولئك الشباب في تحدي النظريات السائدة، وبدؤوا يبدون آراءهم الخاصة أثناء الفصول الدراسية.
يقول صن يون شياو، نائب رئيس مركز أبحاث أطفال وشباب الصين طبقا لتقرير نشرته (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية: لقد أعطى الإنترنت الأطفال الصينيين أجنحة! ويرى توني هو، الطالب في المدرسة العليا ببكين، الذي أتم لتوه عامه الثامن عشر: إن أجيال العقد الماضي في الصين الذين ولدوا بداية من عام 1990 أصبحوا مختلفين للغاية عن سابقيهم. ويضيف: إننا لدينا الكثير من الطرق للحصول على المعلومات، أما الأجيال التي كانت قبلنا فلم يكونوا يعلمون شيئًا سوى ما يدرسونه في المدارس الحكومية.
137 مليون مستخدم للإنترنت
وقد تضاعف استخدام الإنترنت في الصين مؤخرًا بصورة كبيرة، وفي مقدمة المستخدمين كان الشباب الصيني العطشى لتذوق الحياة خارج حدود بلادهم. ففي عام 1999 كان هناك 4 ملايين وصلة إنترنت فقط في الصين، وبنهاية العام الماضي كانت تلك الوصلات قد بلغت رقم 137 مليونا.
وأكثر من 70% من الأطفال الصينيين بين سني 7 و15 قد استخدموا الإنترنت على الأقل مرة واحدة، طبقًا لإحصاء أجراه مركز (صن) في العام الماضي، وكان هذا الرقم تقريبًا النصف عام 2005، في حين أرقام العام الحالي تشير إلى 87%، وقد أجري هذا الاستطلاع فقط على أطفال المدينة، وتشير الإحصاءات إلى أن أكثر من نصف سكان القرى في الصين اليوم يعيشون في منازل بها وصلات إنترنت.
وهذا يعطيهم فرصًا لتوسيع عقولهم، ولكن عادة ما يفشل المدرسون في مواكبة ذلك التوسع في الإدراك. فتقول جيني لي التي تدرب المدرسين الآن في كلية بكين: (لقد تعلمت من الكتب، ولكن هؤلاء الأطفال تعلموا من العالم كله).
وتضيف السيدة زاو أن هذا يجعل عملية التدريس أصعب، وتقول بأسى: (هذا يجعل عملية الاستحواذ على اهتمامهم في الفصول أصعب بالنسبة لي؛ وذلك لأنهم بالفعل يعلمون الكثير، فيجب على المدرسين أن يستمروا في توسيع آفاقهم هم أيضًا).
وإذا كانت زاو التي ظلت تدرس لست سنوات تجد صعوبة في مواكبة طلابها، فإن المدرسين الأكبر سنًا عادة ما يعانون بصورة مضاعفة. ويقول السيد يان مينج المدرس الشاب في مدرسة النخبة في مدينة تيانجين الساحلية: (إن الكثير من المدرسين فوق الأربعين من العمر يشعرون بصعوبة وعدم ارتياح مع المعلومات الجديدة التي يحظى بها طلابهم، وبسبب فقدانهم السيطرة عليهم).
وقد تم عقد سلسلة من الإصلاحات في التعليم الصيني منذ عام 1997 التي نأت بنظام التعليم الصيني عن التعلم عن طريق الحفظ، واتجه التعليم إلى مزيد من الطرق التي يتبعها الغربيون في التفكير المستقل؛ لذا فإن المدرسين أيضًا يجب عليهم أن يواكبوا ذلك التطور في المناهج.
ويقول وانج وو زينج، البروفيسور بمعهد بكين للتعليم: (إننا نتحول من توجه يتمحور حول الأستاذ، إلى توجه يتمحور حول الطالب، فإذا كنا نريد أن ننتج مواهب عالية فإننا بحاجة إلى ملايين المواهب كثيرة السؤال وذات عقل نقدي وإبداعي، والجيل الجديد سوف يطور قدراته لاستكشاف الأشياء بنفسه).
وعلى رأس هذا التوجه الجديد تقع مدرسة تيانجين العريقة، التي تدرس الطلبة حتى دخولهم الجامعة. وتجرب المدرسة هذا العام منهج تاريخ جديدا يكسر القواعد القديمة، فيقول السيد لان إنه ولأول مرة سوف يسمح للطلاب بأن يكتبوا مقالات عن التاريخ تعارض الافتراضات المسبقة التي يفرضها كُتاب المدرسة بشأن الأهمية السياسية على سبيل المثال لثورة (بوكسر) الصينية ضد القوى الاحتلالية الغربية عام 1900 .
ويوضح السيد يان قائلاً: (إذا استطاعوا مناقشة الفكرة بصورة جيدة وقدموا حجتهم فسوف يحصلون على درجات عالية)، ولكنه يقول إن هذا الاختبار لم يجر سوى في مدارس متوسطة لثلاث مقاطعات صينية، ويضيف: (يجب علينا أن ننتظر لنرى إذا ما كانت الحكومة الصينية سوف تسمح لنا بهذا المستوى من المناقشات في إجابة الأسئلة على مستوى الاختبارات القومية المؤهلة للجامعة).
ويقول السيد وانج زهانج مين، مدرس التاريخ في المدرسة: (إن هذا الاختبار مهم للغاية للطلبة الطموحين الذين يتوقون إلى الدخول إلى أكبر جامعات الصين؛ لذا أعتقد أن قليلاً منهم سوف يجرؤون على الخروج عن الخط مخافة المخاطرة بفرصهم في دخول الجامعة).
ويضيف إن هذا الخوف سوف يكون بمثابة المكابح لعملية التغيير، فالمدرسون في مدرسة تيانجين، التي تفخر بنفسها بأنها تخرج أفضل الطلبة الذين يلتحقون بكبريات الجامعات، يقولون إن الضغوط مكثفة للغاية على طلبة النخبة؛ فهم لا يزالون يخشون من تحدي أساتذتهم أو أن يقضوا مزيدًا من الوقت في استكشاف المواضيع خارج المناهج المقررة.
وفي المدارس العادية أيضًا، فإن المدرسين لا يشجعون على هذا الخروج الذي يقوم به الطلبة عن المناهج الدراسية.
يقول زاي هاكسين، الطالب الذي يبلغ من العمر 17 عامًا من إحدى المدارس الثانوية ببكين: (إننا لا نحظى بكثير من المناقشات في الفصول، في بعض الأحيان نريد أن نناقش شيئًا، ولكن المدرس يكون لديه منهج طويل للغاية؛ لذا يتجاهل قضايا النقاش). ويعترف زاي بصعوبة أن يتم عقد مناقشات جدية في فصل به 50 طالبًا، وهو العدد المعتاد في فصول الصين.
ويقول (زاي) إنه حتى إذا ما كان أساتذته يفشلون في إشباع فضوله الذي غذاه الإنترنت، فإن الشبكة العنكبوتية تظل هي المسؤولة عن تغييره وتغيير جيله، ويضيف: (إنني جزء من المجتمع الدولي الآن)، حيث يقول إنه يعتبر فريق (ميامي هيت) لكرة السلة فريقه المفضل، ويقول إن موسيقى الجاز هي موسيقاه المفضلة، وأفضل فيلم شاهده مؤخرًا هو فيلم (سبايدر مان3)، ويضيف: (إن الأطفال في سني كلهم يتابعون الأشياء نفسها ويشاهدون الأفلام نفسها).
ويقول المدرس وانج زانجمين: (كلما تعلم الطلبة من الثقافات الأجنبية ازداد شعورهم بالعولمة والهوية الدولية لهم). ولكن لا يزال السؤال هو إمكانية تغيير هذا الجيل من العولمة وجه الصين، الذي سيظل محل مناقشات بين هؤلاء الشباب ذوي السلوك الغربي.
ولكن يشعر (توني هو) بتشكك تجاه ذلك، ويضيف: (لست متأكدًا من أن توجهنا الفردي هذا سوف يغير البيئة كثيرًا، فالقالب الثقافي الصيني تم إنشاؤه منذ سنوات طويلة، وإذا ما فشلنا في تغيير البيئة فإن البيئة سوف تغيرنا، فيجب علينا أن نتعايش).
أما صن يون زياو، الباحث، فلديه أمل كبير، ويقول: (إن الشعور بالمشاركة بين أطفال ما بعد عام 1990 قوي للغاية، فشعورهم بالديمقراطية قوي، وهذا اتجاه أكيد بينهم لا شك فيه).
وفي المدرسة المتوسطة في تيانجين، فإن (يان مينج) سوف ينتظر ليرى، فهو يتوقع أنه (إذا ما كان لدى أولئك الشباب فرصة للتفكير بصورة مختلفة، فإن الأثر عليهم سوف يكون مشابهًا لما حدث في الغرب؛ فسوف يكونون أكثر إبداعًا، سوف يكونون أكثر قدرة على حل مشكلاتهم، ولن يفعلوا ببساطة ما يؤمرون به دون تفكير).