هل ماتت ثورة المعلومات؟!!
|
منذ أواخر عام 2000م عندما كانت فورة الإنترنت في أوجها، وعندما تعدَّى مؤشر ناسداك Nasdak رقم (5000) وتكالب مليونيرات الدوت كوم، الشركات العاملة على الشبكة العالمية، على شراء المسطحات على التلال المطلة على بالو آلتو palo Alto، تراءى للجميع أنّ ثورة المعلومات ستمتد إلى الأبد وفي كل مكان كانت تنبثق الشركات التقنية الصغيرة، وكان المستثمرون الصغار يجنون من العوائد والأرباح ما جعلهم يشعرون بالعبقرية والنبوغ، ثم انفجرت الفقاعة .. وكما يخبرنا علاّمة الإدارة الحديثة بيتر دراكر Peter Drucker أنّ الفقاعة انفجرت وتفرغت؛ لأنّ صناعة المعلومات كجزء من عالم الأعمال لم تكن تؤدي إلى أي مكان.
يقول دبليو بريان آرثى في هذا الشأن لقد تمّ تهويل وتفخيم ثورة المعلومات والمبالغة فيها.
وكما يقول دراكر لم يقدم الكمبيوتر ولا حتى الإنترنت إضافة كبيرة للاقتصاد.
إذن هل يتجه اقتصاد المعلومات إلى مكان؟! .. هل انتهت ثورته ؟! .. إنّ المشهد في وادي السيليكون silicon valley يبدو كئيباً بالتأكيد. ولكن التاريخ يوحي بأنّ هذا التشاؤم في غير محله، بل ويوحي أنّ أفضل أيام ثورة المعلومات قد تكون في الأيام القادمة.
وإذا نظرنا إلى ثورة المعلومات، كجزء من التاريخ، فسنجد أنّها مجرد ثورة من سلسلة الثورات التقنية التي امتدت منذ منتصف القرن الثامن عشر: الثورة الصناعية منذ حوالي 1760 إلى 1820م في بريطانيا، والتي استبدلت العمل اليدوي باستخدام الآلات، وجلبت أنظمة مختلفة للمصنع والطاحونة. وثورة السكك الحديدية في بريطانيا أيضاً من حوالي 1825 إلى 1875م والتي شهدت اتصالاً تجارياً كبيراً مع قدوم الطاقة البخارية. وثورة الصلب والكهرباء من حوالي 1875 إلى 1920م وكانت هذه الثورة، هي عصر الهندسة المكثفة وكهربة الاقتصاد .. ثم عصر التصنيع الكبير من 1910 إلى 1970م، جلب لنا الإنتاج المكثف على نطاق واسع، والسيارات مع وفرة البضائع الرخيصة. وثورتنا التي بدأت بما يسمى المعالج الدقيق أو الميكروبروسيسور Microprocessor في حوالي عام 1970م وهو ما أوصلنا إلى عصر الرقمية Digital في كل شيء، الشبكة العالمية web والتجارة متشابكة الاتصال.
ومن الجدير بالإشارة أنّ التواريخ التي تمت الإشارة إليها تقريبية، فما زالت المعركة قائمة بين علماء الاقتصاد حول متى بدأ هذا العصر ومتى انتهت تلك المرحلة، وحول ماهية التجمعات التي ينعقد باجتماعها ما يؤهلها لأن تكون ثورة.
لقد مرَّ التجمع التقني القائم، المعالجات الرقيقة، وأجهزة الاتصال عن بعد، والبرامج الحاسوبية المجهزة soft ware والإنترنت، بمراحل الازدهار والانهيار.
وهنا نشير إلى أنّه لا تختلف ثورة المعلومات اختلافاً جذرياً عن الثورات السابقة الأخرى، فقد تحقق للإنترنت ازدهارها وتم تصادمها وسقوطها، وليس هناك ما يبرر أن ننكر التاريخ وأن نبطل مفعوله، فالاستخدام الكامل للتقنية سيتحقق في النهاية حتماً بإذن الله وتوفيقه، ولكن هذا يستدعي من التقنية أن تكون ميسرة لعمل المستخدم، وأن تعيد الأعمال هيكلة نفسها لكي نستخدمها.
وهذا ما سيحدث تدريجياً خلال السنوات القادمة عندما يتم استكمال المكونات الناقصة من هيكلة استخدام التقنية. وفي هذا البناء فإنّ التقنية التي ستصبح أكبر أهمية، تلك التي ستتحكم في سرعة الإيقاع.
وإذا كان هناك فارق واحد في هذه الثورة مع ذلك، فإنّ هذا الفارق قد يكون أنّها لن تنتهي عندما تغطي كل البلاد بالألياف الضوئية أو الكابل الضوئي أو عندما يتوفر الحاسوب بثلاثة أضعاف سرعته الحالية .. إذ تتشكَّل تقنية المعلومات وتتحوَّل كل عشر سنوات تقريباً، بحيث بات كل ما اعتقدنا أنّه يعرف ثورة المعلومات ويحدِّدها يتغير باستمرار ويحل محله شيء جيد، وما ننتظره في المستقبل لا يمكن أبداً توقُّعه بالكامل، ويعني هذا أنّه يمكننا أن نتوقع ابتكارات أكثر في هذه المرحلة من مراحل البناء، بالمقارنة لما تمّ في الثورات السابقة.
ختاماً أقول إنّ ما أعرفه أنّه عندما يأتي هذا الطور والثورة الجديدة فإنّه سيكون عملاقاً..
د. زيد بن محمد الرماني
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|