مايكروسوفت تراهن على مستقبل تكنولوجيا المعلومات في إفريقيا هل يمكن أن تصبح إفريقيا الهند القادمة ؟
|
* إعداد: محمد شاهين
مع مواجهة التحديات الرهيبة للفاقة، والبنية التحتية المتخلّفة، والمرض، والحروب الأهلية، قد لا ينظر البعض إلى القارة الإفريقية على أنها بقعة تقنية ساخنة وواعدة. ورغم ذلك قامت شركة مايكروسوفت خلال العقد الماضي باستثمار المال والموارد لتبنّي النمو في المنطقة، وبدأت جهودها تكلل بالنجاح.
يقول جين فيليب كورتويس، كبير المديرين التنفيذيين في شركة مايكروسوفت في أوروبا، والشرق الأوسط وإفريقيا (إي إم إي أي): من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين إفريقيا والبلدان الأكثر تقدّما، لكنّي يجب أن أعترف بأنّها إحدى المناطق سريعة النمو بشكل متزايد في العالم. وأضاف قائلاً: إنّ القارة تتكوّن من البلدان الصغيرة نسبيا.. ففي بعض منها تتراوح أعمار نصف السكان بين 25 و30 سنة، بينما ينظر زعماؤها إلى تكنولوجيا المعلومات لتضييق فجوة التطوير.
وبالرغم من أن إفريقيا بعيدة جدا من أن تأخذ مكان الهند كموقع تعاقد خارجي أو الصين كسوق مستهلك، فإن هذا الوضع قد يتغير خلال خمس إلى عشر سنوات من الآن مع تركيز الحكومات في المنطقة على تجاوز الفجوة الرقمية.
وكمركز نفوذ في الصناعة يحقق أرباحا طائلة، جعلت مايكروسوفت من نفسها نقطة مركزية إلى العديد من خطط هؤلاء الطامحين. من جنوب إفريقيا إلى كينيا، وعلى طول ساحل العاج، تستثمر عملاقة البرمجيات ملايين الدولارات في المكاتب ومراكز التدريب والبرامج والتعليم ومشاريع الحكومة الإلكترونية للمساعدة على جلب الجاليات النامية إلى العصر الرقمي.
ومن الواضح أنّ مايكروسوفت تتمنّى جني فوائد جهودها في النهاية، مما يسمح لها بزيادة حصتها في السوق في وقت تكوّن فيه بعض الأسواق القليلة للقيام بذلك، وتقوم بهذه الجهود في ضوء حبها للبشرية.
وقال علي حب الله، مدير مايكروسوفت العام لغرب وشرق ووسط إفريقيا: نشاطنا في إفريقيا يتجاوز العمل التجاري البحت؛ فنشاطات الشركة الواسعة تنجم جزئيا عن اهتمام بيل جيتس بالمنطقة؛ فقد ظهر رئيس مايكروسوفت في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (سويسرا) الأسبوع الماضي، حيث حضر حلقة مناقشة تتعلق بتقديم المساعدة المتزايدة إلى إفريقيا. وفي وجود رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، والرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون ورؤساء جنوب إفريقيا ونيجيريا، تحدث جيتس عن عاطفته تجاه المنطقة.
وقال إن الوقت الذي تم قضاؤه في إفريقيا سيجعل الشركات على جانب العمل وجانب العطاء مشاركين بشكل أكبر. وقد قامت مايكروسوفت بتسجيل 10 حكومات إفريقية مع شركائها لتعليم البرامج التي تدوم لمدة سنة، مع عرض التدريب وتطوير المناهج، والدعم التقني، ومنح نقدية وبرمجيّات مايكروسوفت المجانية إلى المدارس. وبموجب البرنامج، تتوقع مايكروسوفت الوصول إلى 8.000 مدرسة إفريقية ونحو 500.000 طالب.
ومن الجدير بالذكر أن الشركة استثمرت مبالغ ضخمة أيضا لإقامة تقنية الاتصال والمعلومات (آي سي تي) ومراكز التدريب والتطوير لنسخ اللغة المحليّة من برمجيّاتها بلغة الزولو والسواحيلي، على سبيل المثال.
وقد رفض كورتويس تخمين المبالغ التي قامت مايكروسوفت باستثمارها في إفريقيا مؤخرا، وقال فقط إنّه العديد من الملايين. وأضاف أنّه لا يتوقّع البدء في رؤية التنمية الحقيقية والعائد على استثمار الشركة قبل خمس إلى عشر سنوات.
وقد أمضت مايكروسوفت أكثر من عقد في إفريقيا، بعد أن بدأت العمليات في المنطقة الأكثر تقدّما في جنوب إفريقيا قبل نحو 12 سنة. وجنوب إفريقيا هي الآن إحدى أسواق الشركة متزايدة النمو، وعلاوة على ذلك، فإن كورتيس يرى ذلك نموذجا لكيفية استطاعة مايكروسوفت تبنّي النمو من خلال مبادراتها التعليمية المختلفة واستثماراتها؛ فقد زادت الوظائف المتعلقة بتكنولوجيا المعلومات في الدولة بمعدل يبدأ من 40 في المائة سنويا للسنوات العشر الأخيرة، وبالنسبة لوظائف تقنية المعلومات الحالية، فإن نصفها تقريبا ذو علاقة بمايكروسوفت.
ولا تعتبر جنوب إفريقيا الوحيدة في جهودها، وذلك لأن هناك حكومات في تونس والجزائر والغابون وكينيا، من ضمن آخرين، تعمل على الإسراع في تطوير التقنية؛ فالغابون، على سبيل المثال، تتمنّى أن تصبح محورا لخدمات تكنولوجيا المعلومات.
وقد اعتمد على الإيراد النفطي تاريخيا، لكن الانخفاضات الأخيرة في الأسعار دفعت الحكومة للنظر إلى الصناعات البديلة لتوظيف سكانها من الشباب، كما أنّ الحكومة السنغالية تنظر أيضا للاستثمار في تطوير التقنية لمساعدتها على الوصول إلى هدفها لكي تصبح مكانا سياحيا. وتعمل مايكروسوفت مع هذه الحكومات وغيرها من الحكومات في المنطقة لمحاولة دعم مجالات الاهتمام لديهم.
وقال حب الله: كلهمّ يريدون أن يكونوا الهند، وإسرائيل، وآيرلندا القادمة، وهو يشير إلى نجاح تلك الدول في تحويل أنفسها إلى بلدان تعاقد خارجي مزدهرة أو مراكز تطوير.
وليست مايكروسوفت موردة البرمجيّات الرئيسية الوحيدة التي تستطيع تخطي مشاكل إفريقيا ورؤية إمكانياتها؛ فشركة صن مايكروسيستمز المحدودة المنافسة لها وجود أيضا في القارة، بمكتب واحد في جنوب إفريقيا يخدم منطقة جنوب الصحراء الكبرى والمكتب الآخر في مصر. ولكن صن ليست نشطة كمايكروسوفت في المشاركة مع الحكومات الإفريقية، وذلك لتركيزها على الاستثمار في سوق تطوير البرمجيّات وترويج لغة برمجتها (جافا)، وذلك طبقا لدوميساني متوبا، كبير مهندسي الأنظمة في مكتب جنوب إفريقيا التابع لشركة صن. وقال متوبا: نحن نعمل لكسب التعرّض وهناك نظام متزايد لاستخدام بيئة جافا في المنطقة وهو الأمر الذي يبهجنا.
ويذكر أن السوق الإفريقية نمت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وهناك الكثير من الاهتمام لتطوير البرمجيّات، طبقا لمتوبا. وينطوي التحدّي الذي تواجهه شركة صن على التأكّد أنّ المطوّرين المحليّين يتم تعليمهم لغة (جافا) وذلك لأنهم يواصلون البرمجة عادة باللغة التي يتعلّمونها في المدرسة.
مايكروسوفت، من الناحية الأخرى، قادرة على كسب التعرّض للغتها Net الخاصة بالبرمجة خلال عملها الواسع مع الحكومات والاستثمار في مراكز التدريب؛ فشركة صن لديها مركز واحد للغة برمجة (جافا) في جامعة في جنوب إفريقية، لكنها ركزت نشاطاتها بشكل رئيسي على الوصول إلى مجتمع المطورين.
وقال متوبا: نحن لا نحاول التحرّك بشكل نشط ضدّ مايكروسوفت لكنّنا نروّج لغة البرمجة جافا بالتأكيد ومنتجاتنا. وهناك الكثير من الاهتمام بين المطوّرين الإفريقيين بالبرمجيّات ذات المصدر المفتوح، بينما هناك تبنٍّ واسع النطاق لبرنامج صن OpenOffice المفتوح المصدر. وأضاف متوبا أن الدول النامية على الأغلب هي التي تتبنى برامج المصدر المجّانية والمفتوحة، وتوقّع مواصلة الاهتمام ببرنامج OpenOffice. وأضاف أنّه يتوقّع رؤية نمو أكبر لاستخدام برنامج OpenOffice مع اهتمام الدول الإفريقية بمهاجمة مشكلات القرصنة التي تواجههم. ومع وجود أقلية قادرة على تحمّل رسوم الترخيص، فإن المشترين الإفريقيين سيبدون اهتماما أعظم بالبدائل المجّانية. وبينما أقر كورتويس من مايكروسوفت بالمنافسة من برمجيّات المصدر المفتوح، إلا أنه أراد تبديد الفرضية بأن تلك الحكومات الإفريقية ستختارها على الأرجح لأنها الأرخص أو مجانية.
وقال كورتيس إن الحكومات تعلّمت أنه ليس هناك شيء مثل الغداء المجّاني وأنه يتعين عليك أن تدفع ثمن التركيب والتدريب، وأضاف أن الأكثر أهميّة للحكومات هي أن تشارك مع موردي تكنولوجية المعلومات واستحداث الوظائف واقتصاد نشط وقوي. وليس هناك قلق بين أنصار برمجيّات المصدر المفتوح بشكل خاص الآن حول شنّ حرب على استعمال المصدر المفتوح مقابل البرمجيّات الامتلاكية عندما يكون السوق عموما متخلّفا للغاية.
ويعتقد جيدو سون، وهو عضو مؤسّس في مؤسسة المصدر الحر والمفتوح لإفريقيا وهو الآن مطوّر ومستشار برمجيّات مستقل، أنهّ إذا عملت الحكومات الإفريقية على تحديث سمات الحكومة والصناعة بالعمل مع الشركاء مثل مايكروسوفت، سوف يؤدي ذلك في النهاية إلى القدرة التي يمكن استخدامها في النهاية بواسطة مجتمع تكنولوجيا المعلومات بشكل واسع النطاق؛ فأولئك الذين تم تلقينهم بواسطة مايكروسوفت قد يكونون منخفضي المستوى في تقنية الشركة، لكن عندما يتم تدريبهم سيكون أسهل تعليمهم تطوير لغة لينكس، مقارنة بأولئك الذين لم يحصلوا على أي تدريب.
وأضاف سون أن الحرب الحقيقية ليست على المستوى الحكومي ولكن على المستوى الجذري، ولكن حتى يتم إنشاء البنية التحتية، فإن أي مشاركة من أي مورد لتطوير القارة سوف يتم الترحيب بها.
***
حكايةBusyinternet ومليونير الإنترنت في إفريقيا
مارك دافيز، المليونير الأمريكي الذي حقق ثروته من المواقع على شبكة الإنترنت، يعشق تجارب الجبهات، فبعد أن بدأ عدة مشاريع أثناء سنوات ازدهار الإنترنت، يقوم الآن بريادة ظاهرة تكنولوجية جديدة وهذه المرة في إفريقيا. ومنذ سنة قام بإنشاء busyinternet وهو مركز إنترنت للأعمال التجارية التي تركز على التكنولوجيا الحديثة.
وفي هذا الإطار يقول دافيز: نحن نتعامل مع فتح أبواب للتكنولوجيا الجديدة، وأشار إلى الانطلاقة التكنولوجية التي تغمر بعض أجزاء من إفريقيا الآن. ويقوم busyinternet في مدينة أكرا الذي يستضيف العشرات من الشركات الناشئة إضافة إلى تسهيلات لعقد المؤتمرات ومطعم ومركز نسخ مستندات يعمل على مدار الـ 24 ساعة ومقهى للإنترنت يزوره نحو 1500 زائر في المتوسط يوميا، ويقدم أسرع دخول للإنترنت في أي مقهى في المدينة.
وقد برزت فكرة إنشاء busyinternet في ذهن دافيز بعد أن قام بجولة امتدت ثلاثة أشهر في السنغال ومالي وبوركينا فاسو وغانا، وذلك بعد أن خاض في مجال تكنولوجيا المعلومات 15 سنة.
وعن الحافز لإنشاء busyinternet يقول: أردت إنشاء نفس الفرصة التي منحت لي في نيويورك في مجال أجهزة الكمبيوتر والتكنولوجيا. كما أن دافيز معتاد على التعامل مع الأمور التي تحيط بالشركات الناشئة، فبعد السنوات التأسيسية لازدهار المواقع على الشبكة في الولايات المتحدة، بدأت شركة إنترنت يطلق عليها Metrobeat تزويد معلومات ومحتويات عملية، ثم قامت بالاندماج مع CitySearch التي أصبحت الآن Ticketmaster Online-CitySearchInc.
وفي عام 1996 بدأ مجال جديد في المملكة المتحدة بتأسيس شركة First Tuesday وهي مؤسسة لربط الشركات تجمع بين المقاولين والشركاء الماليين، ثم انتشرت First Tuesday إلى مدن أخرى حول العالم. وبمقارنة تجربته السابقة مع busyinternet يقول دافيز إن الأفراد في إفريقيا يستجيبون على نحو سريع بحماس تجاه التكنولوجيا الحديثة بنفس الطريقة التي استجاب بها البشر للتكنولوجيا في أي مكان آخر، فقد قاموا بالاستجابة مع الخيال.
وقد بدأت Busyinternet في تحقيق الأرباح خلال الأشهر الأربعة الأولى وهو على ثقة بأنه وشركاءه يمكنهم تسديد مبلغ 1.6مليون دولار أمريكي تم استثمارها خلال السنوات الخمس القادمة. ويقول دافيز إن هناك عدة أسباب وراء نجاح مركز الإنترنت. وفي البداية يقول إن ذلك يعود إلى نظام العائلة الممتدة في غانا وظاهرة العمال الخارجيين؛ ولذلك يقوم معظم الأشخاص بالاتصال مع عائلاتهم وأصدقائهم خارج غانا من خلال البريد الإلكتروني، كما أنه يعتقد كذلك أن مصلحة الجماهير للتحسين من أنفسهم تسهم بشكل كبير. وبجانب ملاحظة العملاء الذين يقومون بتسلم وإرسال رسائل البريد الإلكتروني، يمكنك أيضا مشاهدتهم يبحثون عن مدارس وبرامج دراسية عبر الإنترنت، كما أن مقهى الإنترنت ليس هو فقط الذي يحقق عملا جيدا، فهو يقوم بعرض AV International AVI وهي شراكة ناشئة مع Data Management Internationale Inc، ومقرها ديلاوير، التي تقوم بتقديم خدمات الولوج إلى البيانات وإدارة المعلومات إلى الشركات والوكالات الحكومية حول العالم. وقد استغرق الأمر نحو 4 أسابيع لإنشاء الشركة. وقال دافيز إن هذا الأمر بالغ الصعوبة في مثل هذه البيئة وهو يتحدث عن إنشاء شركة جديدة في غانا. وتقوم الشركات الناشئة في busyinternet بدفع إيجار شهري يبلغ 400 دولار أمريكي مقابل مساحة 18 متراً مربعاً و250 دولار شهريا للخدمات الأخرى مثل وسائل الاستقبال، الهواتف، والكهرباء، والاتصال بالإنترنت والأمن واسع النطاق.
وقد استعملت AVI شركة أخرى في busyinternet، وهي إكوباند المحدودة، لربط شبكاتها. ويتم تشجيع دافيز من خلال التآزر بين الشركات الناشئة؛ (فالفكرة تتعلق بالتآزر والسرعة والخدمة والتكلفة).
ولم يكن موضوع إنشاء busyinternet خاليا من المشكلات، فهناك الكثير من الصعوبات في العمل اليومي للمشروع، لأن الشركات لا تستطيع الاعتماد على مورديها، بما في ذلك الكهرباء، وشركات الخدمات التقنية والهاتف. وعلى سبيل المثال، يقول دافيز إنّ هناك موردا استغرق 10 أيام لإيجاد شاحنة لنقل طابعة معطلة لكي يتم إصلاحها في مركز الصيانة.
ويقول دافيز: الأمر 10 أضعاف أكثر صعوبة لنفس المشروع هنا (غانا) مقارنة بالولايات المتحدة، وأعتقد أنه ليس هناك نقص في قوّة المعالجة الخام، لكن هناك قلة كبيرة في مهارات إدارة المشاريع، وخدمات زبائن. وهناك ثقافة مختلفة من الخدمة التي تشكّل التحدّي الأعظم.
بالرغم من كلّ الصعوبات، يفكّر دافيز أن التجربة تستحقّ القيام بها، فأنت تتعامل مع بيئة ممتعة، ومع قيم المجتمع ومع روح الفكاهة التي تعتبر أكثر إلهاما مقارنة بتجاربي في الولايات المتحدة.
وقد شجعته فكرة Busyinternet في غانا على أن يقوم بإعادة نفس الفكرة في مدن إفريقية أخرى. ويخطط دافيز وشركاؤه لاستثمار نحو 3 ملايين دولار في خمس دول إفريقية غربية خلال السنوات الثلاث القادمة. ويقول إن العديد من الدول النامية يمكنها الاستفادة بشكل كبير من الفاعلية التي تقدمها تكنولوجيا المعلومات.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|