أنظمة تخطيط موارد الأعمال (Enterprise Resource Planning - ERP) بوابة إلى تطوير بنية التجارة والحكومة الإلكترونية
|
* بقلم: د. ماجد بن عبدالله المشاري آل سعود *
لطالما كان حلم كثير من المنشآت الربحية وغير الربحية في نواحي العالم المختلفة توفير بيئة معلوماتية متكاملة لأداء وظائفها المتعددة بشكل يتيح انتقالاً شفافاً وسريعاً للمعلومات فيما بين الإدارات المختلفة وفيما بين المنشأة والأطراف التي تتعامل معها. ويستحث توفير تلك البيئة في كثير من تلك المنشآت ما تعانيه من اعتمادها على أنظمة معلوماتية متقادمة (legacy systems) لا تتوافق مع التغييرات السريعة والمعايير المعمول بها، كما أنها لا تدعم البنية الاجرائية (process architecture) الفعالة لأداء الأعمال والتي من شأنها ازالة العوائق ونقاط الاختناق (bottlenecks) واستثمار وسائط انتقال المعلومات (disintermediation) وتدفقها (information flow) واستبعاد الوظائف التي لا تحقق فائدة إضافية للعمل (non-value added activities) في سلسلة الإجراءات (process chain) التي يمر فيها المنتج (product) أو الخدمة (service) حتى يصلا في النهاية إلى العميل (customer) في أسرع وقت وبأقل تكلفة مع تحقيق مستوى عال في الجودة.
ولا شك أن كثيراً من المنشآت بدأت تدرك التغير في موازين ومعايير التنافس (competition standards) التجاري والخدمي التي أصبحت ترى في فعالية بنيات الأعمال التحتية (business infrastructure) ونظم المعلومات المساندة لها قوة جوهرية لتحقيق مواقع تنافسية متميزة ترتكز على الإبداع في استخدام تقنيات المعلومات الحديثة لتحقيق خدمات أفضل للعميل سواء كان داخلياً ضمن اطار المنظمة (organizational boundaries) كالادارات التي يخدم بعضها البعض الآخر أو خارجياً كالموردين والمنشآت الحليفة الذين قد يكونون جزءا من سلسلة التزويد والامدادات (logistics and supply chain).
وهذا التغيير -ولاشك- له أثره المهم في تنمية كفاءات المنشأة الأساسية (core competencies) وتقويتها (empowerment) في استخدام واستيعاب التقنيات المتجددة على نحو مستمر.
وتمشياً مع هذه النقلة النوعية في أسلوب تنظيم البنى التحتية للأعمال المتمثل في اعادة هندسة الاجراءات (أو ما يُسمّى بالهندرة) (Business Process Re-engineering) باستخدام تقنيات المعلومات الحديثة، واستثمارا للتطبيقات المتزايدة لبيئة الخادم-العميل (Client-Server)، فقد نشأت أنظمة تخطيط موارد الأعمال ( Enterprise Resource Planning - ERP).
وتعتبر هذه الأنظمة التي ظهرت في التسعينيات الميلادية تحسينا (بزيادة الكثير من الوظائف المكتبية الخلفية (back-office functions) لكل من أنظمة تخطيط متطلبات التصنيع (Manufacturing Requirement Planning-MRPII) التي ظهرت خلال الثمانينيات ومن قبلها أنظمة تخطيط متطلبات المواد (Material Requirement Planning-MRP) التي كان ظهورها في السبعينيات، وكان غالب استخداماتهما محصور في القطاعات الصناعية.
وفي الوقت الحاضر انتشرت تطبيقات أنظمة الERP انتشارا مذهلا في أنحاء العالم المتفرقة حتى بلغ عدد المنتجات البرمجية التي تصنف من هذه الأنظمة أكثر من 500 برنامج تتفاوت في شموليتها وأحجامها ومجالات تطبيقها.
وبقدر ما نشط التطوير لهذه الأنظمة البرمجية فقد شهدت خلال السنوات الخمس الماضية وفي الوقت الحاضر بالتحديد ذيوعا واقبالا متزايدا من كثير من المنشآت في قطاعاتها المختلفة التي رأت فيها خيارا أمثل لتحديث بنياتها التقنية وحل مشكلة عام 2000 (Y2K) تبعاً لذلك.
واليوم، أصبحت العديد من الشركات الكبرى كمايكروسوفت، آي بي ام، جنرال موتورز، نستل، لوسنت تكنولوجيز وبوينج تنسب وتعرف بنظام الERP الذي تستخدمه كتقنية معلوماتية معيارية (IT standard).
ويتوقع بعض المحللين الاقتصاديين أن تقفز سوق أنظمة تخطيط موارد الأعمال من 15.68 بليون دولار أمريكي عما كانت عليه في عام 1997م الى أكثر من 100بليون.
ويمكن اعتبار أنظمة تخطيط موارد الأعمال على أنها برمجيات جاهزة قابلة للتشكيل (configurable packaged software) صممت بناء على مسح لاجراءات الأعمال في أحسن التطبيقات (best practices) لتعمل على تكامل المعلومات والاجراءات على مستوى وظائف وادارات المنشأة مهما كانت جغرافيتها لتتمكن من استخدام وادارة مواردها المعلوماتية والمادية والبشرية بفعالية وكفاءة عن طريق توفير حل شامل متكامل لكافة حاجات المنشأة المتعلقة بمعالجة المعلومات.
وتتكون أنظمة تخطيط موارد الأعمال من أنظمة فرعية تخدم وظائف كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر المبيعات والتوزيع، المالية، المشتريات والمخازن، الموارد البشرية، تخطيط ومراقبة الانتاج، المواد، الصيانة، الامدادات، العوائد والتكاليف، الجودة النوعية، الميزانية، وغيرها كثير جدا.
وتطبق أنظمة الERP في قطاعات مختلفة كالمصانع وشركات البتروكيميائيات وشركات البترول والمؤسسات العسكرية والقطاعات الخدمية وشركات الطيران والمؤسسات الأكاديمية كالجامعات وغير ذلك كثير.
وفي المنشآت المطبقة بها، تعتبر أنظمة تخطيط موارد الأعمال بمثابة العمود الفقري (backbone) لتطبيقات عديدة كالتجارة الالكترونية (e-commerce)، أنظمة تعدين البيانات واستيداعها (data mining and warehousing)، تطبيقات المعالجة التحليلية الآنية (online analytical processing - OLAP)، ادارة سلسلة التزويد (supply chain management) وأنظمة ادارة علاقات العملاء (customer relationship management).
وتدعم أنظمة تخطيط موارد الأعمال التنظيم الاجرائي (process organization) لأعمال المنشأة ووظائفها والذي يعمل على ربط الوظائف أفقيا، بدلا عن التنظيم الوظيفي(functional organization) الذي يكتنف على كثير من عوامل اضعاف مستويات الجودة الشاملة (total quality) في الأداء، كما أنه لا يخدم الاتجاهات الأساسية الحديثة في اسثمار تطبيقات أنظمة المعلومات.
ومن المزايا البارزة لأنظمة الERP قدرتها على تأمين بيئة متكاملة تتوفر فيها المعلومة بشكل آني ودقيق لكل الأطراف مهما تباعدت أمكنتهم واختلفت وظائفهم.
فمثلا، يقوم مسئول المبيعات من مكتبه بادخال طلب العميل الذي يتم لحظيا العلم به من الادارات الأخرى، حيث تتجدد تلقائيا قوائم المخازن والقطع على مستوى قطاعات الشركة عالميا، بينما ينعكس ذلك آنياً على جدول الانتاج، ويصبح بيد كل موظف معني المعلومات التي يحتاجها لاتمام العملية.
فلا عجب إذن أن يصبح مسئول المبيعات في اللحظة التي يدخل فيها طلب عميله قادرا على تحديد مواعيد دقيقة لتسليم الطلب، ويصبح لدى المديرين في اللحظة نفسها القدرة على صنع قرارت سريعة بشأن المخازن وبرامج التخفيضات وتحديد أنجح الأساليب لادارة سلسلة التزويد.
ومن أبرز برمجيات تخطيط موارد الأعمال نظام ساب آر ثري (SAP R-3)، نظام أوراكل (Oracle)، نظام بأن (Baan)، نظام بيبول سوفت (PeopleSoft)، نظام جي دي ادواردز (JD Edwards)، نظام مارشال (Marshal)، ونظام كونترول (Control).
وبالنظر الى نظام (SAP R-3) على سبيل المثال وهو أكبر هذه الأنظمة وأكثرها شيوعا نجد أنه يعمل على تكامل كثير من الوظائف الأساسية الموجودة في أغلب المنشآت في نموذج بياني (data model) واحد يتيح ادخال البيانات مرة واحدة لتصبح شائعة الاستخدام (shareable) على مستوى المنشأة يمكن الوصول اليها بسرعة.
ويتكون نظام ساب آر ثري من ثلاثة مستويات هي مستوى العرض (presentation layer)، مستوى التطبيق (application layer) ومستوى قاعدة البيانات (database layer) (.
وتعتبر طريقة اختيار وجلب (software aquisition) المنشأة لنظام تخطيط موارد الأعمال خطوة بالغة الأهمية تؤثر على نجاح تطبيق النظام الذي يكتنف تكاليفا باهظة تحتم الدقة في الاختيار لضمان بداية سليمة نحو مشروع ناجح يتوافق مع استراتيجات المنشأة (business strategies). ولابد عندئذ من تقييم الموردين (ERP vendors) على أسس كثيرة من على سبيل المثال تاريخهم في تسويق النظام ودعمه محليا، مدى توفر نسخة محلية (localized version) والخطط المستقبلية للمورد لتطوير واضافة وظائف جديدة الى البرنامج.
وعند تصميم البنية الشبكية التحتية (Netwrok Infrastructure) لنظام الERP يجب مراعاة أن يكون متوسط وقت الرجوع الى المستخدم (Mean Response Time -MRT) مقبولا وذلك باعتبار أدوات قياس حجمية (sizing tools) لعاملين مهمين هما: بنية الحسابات (Compute Infrastructure) المتعلقة بتوزيع موارد النظام المختلفة على المستخدمين وبنية شبكات الاتصال (Telecomm.Network Infrastructure) المتعلقة بقياس الطاقة الشبكية حيث يعمل النظام.
وعلى الرغم مما قد يبدو من أول وهلة من تشابه بين أنظمة تخطيط موارد الأعمال والأنظمة الجاهزة التي ألفتها أسواق برامج الحاسب، إلا أن عدم ادراك الفروقات الجوهرية فيما بينها أدى الى ظهور عدد من التجارب الفاشلة في تطبيق تلك الأنظمة على نحو لم يكن متوقعا.
وفي المقابل، نجد على سبيل المثال شركات كشيفرون(Chevron Corp) التي أثمر تطبيقها لأنظمة الERP عن انخفاض تكاليف المشتريات بنسبة 15% مع أمل في أن يصل الى 25% في المستقبل القريب.
ولعل سر النجاح والفشل يكمن في قدرة المنشأة على ادراج التغييرات اللازمة (organizational changes).
ومن خلال اطلاع الكاتب واتصاله بالعديد من البحوث والمؤتمرات والتجارب العالمية في مجال تطبيق أنظمة الERP، يمكن التأكيد باجمال شديد على خمسة مرتكزات عامة لابد أن تتحقق لنجاح تلك المشروعات وهي:
1- تطوير استراتيجية للتغييرات (change strategy) المصاحبة للنظام وتفعيلها (deployment) على وجه مناسب.
2- بناء بنية متكاملة على مستوى المنشأة لادارة المشروع (enterprise-wide project management infrastructure)
3- المعرفة العميقة بوسائل وأدوات وطرق تطبيق برامج الهندرة (Business Process Reengineering) باستخدام تقنية المعلومات.
4- المعرفة العميقة بالنواحي الاستراتيجية (strategical) والتصميمية (architectural) والفنية (technical) للنظام المستخدم.
5- القدرة على التعامل مع أدوات ووسائل ادارة التغيير (change management). ولابد من التأكيد هنا على أن هذه المرتكزات تشتمل على تفصيل كثير جدا لكيفية تطبيقها في الواقع والأدوات المطلوبة لذلك.
وإن بدت هذه المرتكزات مجملة وبسيطة إلا أن مكمن التعقيد والمخاطر التي تصاحب غالب مشاريع تنفيذ أنظمة الERP هو في عدم قدرة المنشأة على استيعاب الأساليب المثلى (best practices) لاحداث انسجام (organizational alignement) بين التركيبات المختلفة التي تتناولها عملية التنفيذ وذلك يتطلب استخدام أدوات ووسائل خاصة لا يتسع المجال لذكرها هنا.
واذا عدت فوائد أنظمة الERP الكثيرة فلابد من التأكيد خصوصا على ما تتمتع به هذه الأنظمة من قدرتها الفائقة على تشكيل الطور الأساس لنماذج الأعمال الرقمية (digital business models) التي أصبحت اليوم هماً لكثير من المنشآت التي تجد نفسها مضطرة للابحار في عالم الأعمال الالكتروني (e-business).
ولعل أول ما يبدر للذهن من هذا المصطلح ارتباطه بالتطبيقات المتزايدة لأنظمة التجارة الالكترونية التي أصبحت أدوات دعمها جزءا لا يتجزأ من كثير من برمجيات الERP.
وتهدف نماذج الأعمال الرقمية تلك الى ايجاد استراتيجية شبكية (networking strategy) موحدة تتكامل من خلالها أربعة أوجه مهمة لبناء أنظمة المعلومات الرقمية (digital information systems) وهي: الاتجاه الاجرائي (transaction perspective) المتمثل في تقنيات التجارة الالكترونية (E-commerce)، والاتجاه التدفقي (flow perspective) المتمثل في ادارة سلسة التزويد (supply chain management) كأنظمة الERP والاتجاه العلائقي (relationship perspective) المتمثل في أنظمة ادارة علاقات العملاء (customer relationship management) والاتجاه المعرفي (knowledge perspective) المتمثل في أنظمة ادارة المعارف (knowledge management systems). وبناء هذا النموذج يعد اللبنة الأساسية لأي مشروع تهدف من خلاله المنشأة أن تحدث تحويلا رقميا (e-transformation) في أعمالها لتستوعب المبادىء الحديثة التنظيمية والفنية التي بنيت على أساسها تقنيات الأعمال الرقمية.
رئيس جمعية الحاسبات السعودية *
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|