محاولاً صنع أشياء معمرة... دونالد نورمان: الكومبيوترات تحتاج مثلنا إلى العاطفة! * إعداد: محمد العادلي:
|
يعاني الكثيرون من صعوبة في استخدام الأجهزة والمعدات والأدوات في بداية الأمر ومنها مثلاً فتح باب مكتبهم عندما يدخلونه لأول مرة أو تمييز أجهزة السيطرة في لوحة مقاييس السيارة الجديدة أو حتى استخدام الكومبيوتر الجديد. هذا هو حالنا جميعاً، كما يقول دونالد نورمان أستاذ علوم الكومبيوتر في جامعة نورث ويسترن بشيكاغو. وقد ولج نورمان في الكثير من أعمال التصميم المشترك بدءاً من منظومات التعلم عن بعد وانتهاءً بالتلفاز الرقمي المتقدم. وقد أنشأ مجموعته الاستشارية الخاصة لمساعدة الشركات على صنع منتجات صالحة للاستخدام. كذلك هو عضو في العديد من المنظمات والجمعيات منها أكاديمية الفنون والعلوم الأمريكية. ومن بين كتبه الشهيرة (أشياء تجعلنا أذكياء) و (الكومبيوتر الخفي) و(تصميم أشيائنا اليومية) وهو يعمل حالياً على تأليف كتاب حول مستقبل الأشياء اليومية.
ولكي نفهم السبب الذي يجعل الكثير من الأشياء صعبة الاستخدام في عالمنا، ولماذا تحتاج الكومبيوترات الى عواطف كان هذا الحوار:
*هل أنت مصاب بخيبة أمل من بطء التقدم في عملية جعل الكومبيوترات والأدوات يسيرة الاستخدام؟
لقد كنت قلقاً حول ذلك لبعض الوقت.
*لماذا يوجد لدينا الكثير من الأشياء صعبة الاستخدام رغم كوننا نعلم كيفية جعلها صالحة للاستعمال؟
أعتقد إن السبب هو كون دعاة صلاحية الاستعمال لا يفهمون عالم الأعمال.
وإلى أن يفهموه ويفهموا كيفية صنع المنتجات، سيكون لدينا تقدم قليل.
ففي مجال التصميم، يأتي الناس من ثلاث خلفيات مختلفة جداً. فهم قد يأتون من مدارس الفن والمعمار وهؤلاء يعرفون كيفية صنع الأشياء الجذابة.
أو إنهم قد تدربوا على علوم الكومبيوتر وعلم النفس وهؤلاء يعرفون كيفية صنع الأشياء الصالحة للاستعمال ولكنهم لا يعرفون كيفية إنشاء أي شيء، وهم جيدون في اكتشاف الأخطاء فقط.
أو أنهم درسوا علم المجتمعات البدائية وهؤلاء جيدون في فهم ما يحتاجه الناس فعلاً، ولكنهم لا يعرفون كيفية ترجمة ذلك الى منتجات.
ولذلك يجب تجميع كل هؤلاء معاً وإلا فلن يكون هنالك منتج مرضي.
لقد كنت أحاول فهم السبب في جعل الناس المتخصصين في صلاحية استخدام الأجهزة خارج اللعبة وأعتقد إن السبب يعود لعدم تشارك هؤلاء في خبراتهم.
*في كتابك المشهور (تصميم أشيائنا اليومية) قلت إننا عندما كنا نؤجر الهواتف فقد كان من مصلحة شركة الهاتف جعل هذه الهواتف معمرة ويعتمد عليها. نحن الآن نشتريها، ولم يعد من مصلحة هذه الشركات جعلها معمرة. فهل يكون مفهوم الفائدة الاقتصادية هو المحرك الرئيس للتصميم؟
إنه إحداها، إضافة إلى الاندفاع المجنون لإطلاق المنتجات. فالمنتج الذي يطلق كل ستة أشهر لا يعطيك فرصة للتصميم. ولذلك أعتقد إن الحل ان على الناس الذين يعملون في مضمار صلاحية الاستخدام يجب أن يفهموا كلاً من التصميم وعالم الأعمال بشكل أفضل. يجب أن نكون جزءاً من الحل، لا أن نكون منتقدين نعثر على المشاكل فحسب. والدرس الذي نتعلمه من صناعة البرمجيات هو ان من المهم جداً أن يكون هناك أخطاء في البرنامج لنحصل على سبب لتحديثه وشراء نسخة أحدث، بالرغم من أن زملائي في عالم البرمجيات سينكرون قيامهم بهذا العمل.
*هل تعتقد ان هناك الكثير من (افتعال النسيان) في عال التصميم؟ ففي عالم الكومبيوتر، مثلاً، يبدو إنه فور مباشرة الشركات في عمل جديد فإنها لا تنظر الى ما تم إنجازه في الحقول الأخرى.
واحد من الأشياء التي لاحظتها هي إنه في عالم الكومبيوتر هناك أناس كثيرين يعرفون كيفية جعل الأشياء صالحة للاستعمال، لكن الآن وبينما بدأت تكنولوجيا الكومبيوتر تتحرك باتجاه حقول أخرى فإنهم باتوا يكررون ذات الأخطاء. ففي كل مرة يعتقد فيها الناس إن كل شيء في هذا المنتج هو جديد يتطلب الأمر حوالي خمس سنوات لاستبعاده لتتحاور الحقول المختلفة مع بعضها.
*هل يمكن لبرامج (المصدر المفتوح) ان تحل جزءاً من المشكلة، على الأقل في صناعة الكومبيوتر؟
أنت لا تستطيع تصميم برنامج جيد بواسطة مجموعة من الناس. لكن يمكنك القيام بذلك بالحصول على شخص مستبد. فمن وجهة نظر المستخدم يجب أن يكون لديك فلسفة تصميم مفهومة، وأنا لا أفهم كيف يمكن تحقيق ذلك بواسطة برنامج للمصدر المفتوح. وأفضل شخص يقوم بعمله من خلال الفلسفة السابقة هو ستيف جوبز فهو معروف بكونه أفضل مستبد.
*ومع ذلك فإن الإنترنت كانت قد أنشأت على المعايير المفتوحة وهي صالحة للاستخدام من قبل جميع الناس....
لقد كانت الإنترنت ناجحة، ولكنها ربما كانت ستكون أفضل تصميماً. فأنا أعتقد إنه سيتبين إن توفير المعلومات من خلال الهاتف الخلوي سيكون أكثر أهمية من توفيرها عبر الكومبيوتر، ولكن يجب أن تتوفر عبر نسق (format) مختلف. وإن الموقف الذي سنستخدمه فيها سيكون مختلفاً أيضاً.
*من المذهل ان الرسائل النصية القصيرة عبر الهاتف النقال عدت نجاحاً بالرغم من أنها تعد تداخلاً تعيساً مقارنة بلوحة مفاتيح الكومبيوتر ....
إن الهواتف النقالة ابتكار مثير جداً وهي في الحقيقة ماكنة مشاعر. والنجاح الأكبر للرسائل النصية القصيرة بالرغم من صعوبة استخدامها هي في كونها سمحت بنوع من التواصل بين الناس واستمرار هذا التواصل طوال اليوم. ولا علاقة بإرسال معلومات حقيقية بنجاحها، فالأمر له علاقة بالبنية الاجتماعية.
*كيف دخلت في مجال التصميم وصلاحية الاستخدام؟
عندما كنت صبياً، كنت أعمل سمكرياً أفك بعض الأجزاء وأعيد تجميعها. وذلك جعلني أهتم بالإلكترونيات، ولذلك فقد درست في معهد أم آي تي حتى حصلت على الهندسة الكهربائية. وقد اهتممت بالكومبيوترات،وفي تلك الأيام (1957) لم يكن هنالك جامعة أو قسم متخصص بتلك التكنولوجيا، ولذلك فقد ذهبت الى جامعة بنسلفانيا لأنه المكان الذي اخترع فيه الكومبيوتر في الولايات المتحدة وحصلت على شهادة الماجستير في الهندسة الكهربائية. وبمرور الأيام اتجهت نحو دراسة الدراية أو الإدراك وكيف يقوم الناس بالأعمال والأخطاء والحوادث.
*في كتبك دعيت الى أن يكون المسجل الفيديوي (الفيديو) قابلاً للبرمجة من خلال الشاشة وقد تم ذلك بالفعل بعد زمن غير قليل، ولو عدنا الى العام 1993 فإنك كنت تصف شيئاً شبيهاً بالشبكة، كما هي معروفة الآن، فهل أخبرك أناس إنهم قد تأثروا مباشرة بأفكارك هذه؟
لقد جاء إليّ مصمم مسجل الفيديو وقال ذلك، ولكني كنت مسروراً جداً بردود الأفعال على الكتاب آنذاك. وعادة فأنا لم أكن أعلم بها حتى أذهب الى مؤتمر لألتقي بشخص كان قد صمم منتجاً اشتريته واستخدمته، ليخبرني بإنه قد تأثر بي. وفي خارج الولايات المتحدة فإن البلدين الأكثر تأثراً بي هما اليابان وإيطاليا.
*ما هي أولوياتك الكبرى في صلاحية الاستخدام الآن؟
إنها العواطف أي محاولة بناء العواطف في المنظومات. لقد قمت ببعض الأعمال لشركة من كاليفورنيا تدعى إيفوليوشن روبوتيكس تقوم بتصنيع روبوت منزلي وتحاول فهم كيفية منعه من البقاء في زوايا الغرف أو السقوط من فوق السلم. وقد بدا لي إن أفضل شيء هو إن نجعل الروبوت محبطاً في زاوية الغرفة وأن يتوقف عن القيام بالعمل وعمل شيء آخر، وكذلك جعله خائفاً من الارتفاعات العالية.
*لماذ لم نعط الاهتمام الكافي بالعواطف حتى الآن؟
لقد أخذنا دروسنا حول هذا الموضوع من دراسات الادراك البشري لأننا نعتقد إن الادراك (فهم ومحاولة عقلنة العالم) كأعلى درجات السلوك البشري وإن العواطف يجب أن تكون بعض البقايا من عملية تطور الإنسان السابقة. ولكن الحقيقة هي ان العواطف جاءت بشكل دقيق في البداية لأنها لها علاقة بالبقاء. وبالنسبة لكومبيوتراتنا المعاصرة فإنها مؤتمنة بشكل جيد وتعمل على مدار الساعة منجزة الكثير من المهام. ولذلك فإن وجود آلية حب البقاء لدى هذه الآلات القوية مهم جداً وهو شيء منطقي.
*العديد من الناس يتحدثون عن تقنية تمييز الوجه وقزحية العين كمعيار أمني، فهل يمكن الاعتماد عليها؟
إن تقنية تمييز الوجوه لا تعاني من أخطاء تقنية فقط ولكنه قد تغير كل الطريقة التي نعيش بها حياتنا. والمخيف أكثر هو إن شخصاً ما قد يأخذ هذه البيانات ويتنكر على إنه شخص آخر. إن عملية المسح الضوئي لقزحية العين شيء فريد، ولكن بياناتها موجودة في قاعدة بيانات الكومبيوتر وكل ما عليّ هو أن أجعل قزحية عيني موجودة بدلاً من المعلومات الخاصة بقزحيتك لأكون عندها مسجلاً على انني أنت وعند ذلك لن يستطيع أحد أن ينفي هويتي. وهذا هو المخيف في الأمر، لأن الناس سيظنون أنها آمنة تماماً وهو شيء غير صحيح.
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|