الجيش الإسرائيلي يعرض تقنياته المعلوماتية التي نجحت في قتل المدنيين أنظمة (الواقع المعزّز) لا تميّز بين المدني والعسكري
|
* إعداد - إبراهيم الماجد:
تناقلت أخيراً بعض وكالات الأنباء معلومات عن استخدام الجيش الإسرائيلي لمنظومة جغرافية - هندسية - معلوماتية تتيح استكشاف مرافق عسكرية ومدنية فوق الأرض وتحتها وتدميرها، سواء ل(حزب الله) أو الدولة اللبنانية من دون التعرض للمدنيين. إلا أن هذه المعلومات غير دقيقة وأحياناً تدمج بين المعلومات التكنولوجية الصحيحة والمعلومات الخاطئة، عمداً أو نتيجة جهل. والأرجح أن تكون كل هذه الاستعراضات التكنولوجية موجهة إلى الرأي العام الدولي لتظهر الجيش الإسرائيلي كجرّاح وفنّان في تحديد العسكري من المدني.
ونظراً إلى زيف ادعاءات المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، وخصوصا منهم الذين ظهروا في الإعلام المرئي، يجب التوقف عند مجموعة من الحقائق المعلوماتية المعروفة.
في هذا التقرير نلقي الضوء على بعض التقنيات المستخدمة حالياً لدى الجيش الإسرائيلي محاولين تحليلها واستكشاف مدى (تحييدها المدنيين عن اعتداءات سلاح الطيران الإسرائيلي).
ادعاءات إسرائيلية
تقول إحدى الخبيرات العسكرية الإسرائيلية في مركز خاص بتحليل المعطيات الجغرافية وتحديد مراكز (حزب الله) لمراسلة محطة CNN في إطار نشرة للأخبار مساء السبت 29 يوليو الماضي ما معناه: (نحن نعمل في مركز معلوماتي فائق التطور مهمته مسح الأراضي اللبنانية عبر الخرائط المتداولة وصور طائرات التجسس MK وطائرات سلاح الجو ومحطات المسح والتصوير الأخرى. ومع حصولنا على المعلومات الاستخباراتية من مصادرنا المختلفة نقوم بإعادة بناء الواقع (الأبنية والمراكز السكنية) في برامج خاصة بتقنية الأبعاد الثلاثة (3D). الخطوة الأخرى هي تحديد المراكز التي يستخدمها (حزب الله) من خلال مصادر أخرى ثم نجمع كل هذه المعلومات في صور ثلاثية الأبعاد ونبدأ بدراستها واستخلاص المعلومات منها. وفي النهاية ننقل النتائج إلى سلاح الجو وننصحه بالأهداف الواجب ضربها).
وأثناء المقابلات التي أجرتها مراسلة CNN في هذا المركز ظهر حوالي 10 إلى 15 عسكرياً يلبسون النظارات الخاصة برؤية الأبعاد الثلاثة على شاشات الكومبيوتر، يحدقون إلى الصور التي تلتقطها طائرات التجسس الإسرائيلية في لبنان وبدا المشهد كأنه للضاحية الجنوبية نظرا إلى كثافة الأبنية الموجودة في الصورة.
وأشار أحد العسكريين في حديثه إلى المحطة إلى أن إصابات سلاح الجو أصبحت أدق بكثير من الماضي نتيجة استخدام البرامج المعلوماتية، وهو ما طبق في الأراضي الفلسطينية أيضاً.
خداع إعلامي
تستند أنظمة المعلوماتية التي تعتمد تكنولوجيا الأبعاد الثلاثة 3D و(الواقع المعزز) Augmented reality في بعض استخداماتها العسكرية إلى معطيات جوية وأرضية وخرائط مختلفة. وقد بدأ استخدام هذه الأنظمة منذ أكثر من 15 عاماً في الأعمال الهندسية المختلفة. إلا أن كل هذه الأنظمة لا قدرة لديها على تحديد العسكري من غير العسكري، فضلاً عن إخفاقها في تحديد ما هو موجود تحت الأبنية.
ربما يقال ان طائرات الاستطلاع تتمكن من رصد دخول كثيف للسيارات والآليات والشاحنات وخروجها إلى بعض الأبنية في صور أو بعلبك أو الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، ولذلك تم ضربها.
لكن ما الفرق لدى صور طائرات الاستطلاع بين نازحين يدخلون إلى ملجأ في شاحنات وسيارات وآليات كبيرة وبين شاحنات عسكرية؟ وما الفرق بين قاعدة صواريخ مضادة للطائرات وآلة لحفر آبار المياه في الأشرفية؟ هنا تنتهي التكنولوجيا ويبدأ الكذب وخلط الحقيقة بالأوهام.
حدود التكنولوجيا
التكنولوجيا في هذا المجال تستطيع بكل سهولة تعزيز الواقع، لكنها لا تستطيع كشفه كلياً.
القمر الاصطناعي مثلاً يستطيع رصد حركة أدق التفاصيل، حتى انه يستطيع رصد شخص محدد ومتابعته من منزل إلى آخر.
لكن هذا الأمر يحتاج إلى دقة الاستخبارات العسكرية على الأرض، وهذا ما حصل مع انتشار مجموعة من العملاء على الأرض خلال القصف الجوي.
لكن ماذا لو أعطى العميل معلومات غير دقيقة؟ يمكن أن تؤدي المعلومات الخاطئة إلى رصد ومتابعة مدني يدخل إلى ملجأ مدني فماذا ستكون النتيجة؟ على الأرجح أنها ستكون كما حصل في مجازر صور وقانا الثانية ومروحين وغيرها من المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي.
حقيقة (الواقع المعزّز)
نشرنا في هذه الصفحة من فترة تقريراً عن الواقع المعزز الذي تستخدمه إسرائيل اليوم في ضرب الأهداف في لبنان. لكن استعراض الموضوع يومها لم يكن نتيجة الحرب الإسرائيلية على لبنان، بل لتوضيح أبعاد هذه التكنولوجيا المفيدة في الاستخدامات السلمية.
فما هي هذه التكنولوجيا، وما حقيقة استخداماتها؟
يطوّر بعض العلماء منذ أعوام عدة نظماً جديدة تعتمد على ما يسمّى (تكنولوجيا الواقع المعزّز)، توظّف فيها تقنيات التصوير الدقيق وطرق تشكيل صور إضافية تتشكّل عناصرها من البيانات التي ترصدها أنظمة المسح والتشخيص المختلفة.
ويساعد هذا الاكتشاف جميع الذين يحتاجون إلى أن يرصدوا أو أن يروا ما لا تراه العين البشرية، كأن يتمكن مهندس طرق من أن يرى بواسطة جهاز يضعه على عينيه كل ما هو موجود تحت مساحة الأرض التي ينوي حفر طريق فيها، سواء كان ذلك أنبوباً أو كابلات كهرباء.
كذلك يستفيد من هذه التقنية كل من يود أن يستكشف مكان عمله قبل البدء، كأن يستكشف الجرّاح المكان الذي يجب أن يقطع فيه فوق منطقة القلب بواسطة المبضع.
إن هذه التقنية مفيدة في حالات لا حصر لها، لأنها تعزّز الواقع وتجعل من المعلومات التي يحصل عليها الإنسان فائقة الدقة والعمق.
يقول بعض العلماء الذين لهم صلة بمشاريع الواقع المعزّز: (هل تريد أن تحفر في حديقة منزلك أرضية لمسبح؟ إذاً ستستخدم تقنية الواقع المعزّز قبل شروعك في الحفر لئلا تقطع المعاول والحفّارات قسطل مياه الشرب المتصل بمنزلك من طريق الخطأ).
وربما سيستفيد طبيب ما من هذه التقنية لاستكشاف ورم خبيث مختبئ خلف بعض الأنسجة الدقيقة وفي أولى مراحله، الأمر الذي قد ينقذ حياة ملايين المرضى الذين يحملون هذه الأورام. لكن هل يعني هذا أن الجرّاح سيرى من خلال اللحم البشري والمهندس سيرى عبر الأرض ومن خلال المواد الصلبة، ما لا تستطيع رؤيته العين البشرية؟
تضخيم الواقع
يُستخدم مصطلح الواقع المعزّز بشكل عام للدلالة على تكنولوجيا إلكترونية تمكّن الإنسان من رؤية سطح العالم مع وضع كل ما هو تحت السطح، فوقه! وفي بعض تطبيقاته الإلكترونية استخدم الواقع المعزّز في سيارات (كاديلاك دي فيل) DTS و DHS، حيث تم تركيب نظام يُتيح استخدام تكنولوجيا الأشعة ما تحت الحمراء لتكوين صور للعوائق الموجودة أمام السيارة على الطريق بمسافة بعيدة، كأن يكون هناك هر أو كلب مار عرض الطريق ليقف فجأة مبهورا بأضواء السيارة.
ويعرض النظام صورة هذا الحيوان المار على الزجاج الأمامي للسائق، متيحاً له الانتباه إلى العائق وتحضير السيارة للتوقف قبل الوصول إليه.
ويعد خبراء هذه التقنية أنها تختلف عن نظام (الواقع الافتراضي)، Virtual Reality لأنها ليست عبارة عن اختراع عالم خرافي بل هي تعزيز للحقيقة الموجودة.
وفي العالم الافتراضي يلبس المستخدم نظارات إلكترونية ويضع نفسه في عالم مصطنع يخترعه الكومبيوتر.
أما في الواقع المعزّز فالمستخدم يتعامل مع العالم الحقيقي بإضافة طبقة من المعلومات المصطنعة التي تزيد من جمال العالم.
طب وأفلام
في المستقبل القريب ستسمح النظم التي يصممها العلماء للجرّاحين القيام مثلا بدراسة أنسجة الثدي بدقة، عبر استخدام شاشات تُلبس على الرأس وتسمح برؤية الثدي إضافة إلى صورة معزّزة للواقع يتم استخراجها من داخل الثدي وهي تمثّل الأنسجة والشرايين وغيرها.
وبهذا فإن الطبيب المعاين يستفيد من معلومات عميقة وسريعة ودقيقة لكل ما هو موجود في المنطقة التي تتم معاينتها.
وفعلا تم تطوير نظام في مختبرات جامعية في الولايات المتحدة يسمّى (نظام الرؤية المخترقة).
وفي هذه الحالة يتم وضع كاميرات فيديو أمام العين مرتبطة بجهاز الكومبيوتر الذي يضيف صوراً افتراضية للثدي، وفقاً لبيانات التقنيات فوق الصوتية وصورة الكاميرا ثم يقوم بترتيب الصور الإضافية مع صورة الثدي.
والنتيجة من خلال كل هذه الصور والمعطيات هي تشكيل واحد من الصور التي تأتي كمجموعة واحدة تمثّل شكلاً متناغماً، ويراها المستخدم على شاشة مجهرية من البلورات السائلة أمام عينه.
بين الوهم والحقيقة
كل من شاهد الفيلم Minority Report يعلم بالتحديد ما هو جهاز الواقع المعزّز، وكذلك في أفلام أخرى تتحدّث عن المستقبل سواء في استكشاف الفضاء أو في الرحلات المكوكية في مجموعتنا الشمسية وخارجها.
والجهاز اشتهر بأنه نوع من (خوذة رأس) كالتي يلبسها الطياران في الطائرات الحربية وتلك التي يلبسها رواد الفضاء.
لكن ما تم عرضه في هذه الأفلام كان مبالغاً به إلى حدود كبيرة لأن العلماء لم يتوصلوا إلى النتائج التي تتيح رؤية الواقع وتحليله، كما يتم عرضه في الأفلام، وعلى الأقل لم يحصل هذا بعد. وقد بدأت الاستفادة طبياً من مفهوم الواقع المعزّز في مختبرات علم الأحياء.
ومنذ فترة استخدم فريق لتكنولوجيا الواقع المعزّز أسلوب تصوير ثلاثي الأبعاد لتصميم فك جديد لمريض فقد فكّه بسبب السرطان.
استخدم الفريق بيانات من رسم إلكتروني يعتمد على مسح الصور بالكومبيوتر لتحديد قياسات مفصّلة لفك المريض بما فيه الزوايا بين الأعضاء المختلفة. وقام العلماء بتكوين فك افتراضي ورسموا قلبه على مادة رقيقة، ثم وضعوا القالب على العظم الذي يتم قصّه لتكوين الفك الجديد.
المعلوماتية والأخلاق
تماماً كأي اكتشاف بشري، يمكن أن تستخدم المعلوماتية في اتجاهين، الأول لمساعدة البشر والثاني لقتلهم، إلا أن البعض يستخدم التكنولوجيا بشكل رئيسي في القتل والتدمير والإرهاب. لكن أن يحاول البعض مثل الجيش الإسرائيلي، القتل باستخدام التكنولوجيا ثم يصور نفسه كجرّاح في انتقاء الأهداف وتحييد المدنيين فهذه قمة العري الأخلاقي.
والتكنولوجيا لدى الجيش الإسرائيلي نجحت جداً، لكن فقط في قتل مئات الأطفال والعجزة والنساء وعدد محدود من مقاتلي (حزب الله).
.....
الرجوع
.....
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|