تجعل السيارة أكثر ذكاءً والقيادة أكثر متعة..
تكنولوجيا التليماتيك تغزو عالم السيارات
|
* إعداد: محمد مجيد العادلي:
تغرقنا شركات السيارات يومياً بالعديد من الإعلانات حول سياراتها الفارهة والمتطورة لكي تبهرنا وتشجعنا على شرائها، في وقت يعاني سائقو بعض الدول من كثرة الزحام على الطرقات عند الصباح والمساء، وهو زحام كان سيخف لو كان هناك من يدلك على الطرق البديلة الأقل زحاماً.
والسؤال المطروح الآن هو ماذا لو كانت سيارتك القادمة أكثر عناية بك (سيارة تبحث عن سلامتك، وذكية بما يكفي لتراقب جدول أعمالك، فيما تخطط لأقل الطرق زحاماً التي يتوجب عليك سلوكها عندما تتوجه الى مكتبك أو منزلك، أو حتى المتجر الذي تتسوق منه)؟ ماذا لو كانت السيارة قادرة على تحديد الوقت الذي ستعطل فيه، لا بل وتكون قادرة على إخبارك وإخبار المصنع بذلك؟
قد تبدو هذه السيناريوهات خيالية للبعض، لكن يبدو إن ذلك هو الهدف الذي تسعى إليه صناعة السيارات هذه الأيام. إذ يقول أيد شليزينجر مدير المختبر التعاوني لشركة جنرال موتورز في جامعة كارنيجي ميلون: «إنني أتخيل سيناريوهات أكثر من ذلك بعد عشر سنوات من الآن، ومنها مثلاً، أنك بينما تقود سيارتك باتجاه مدينة جديدة تقول لسيارتك أين يوجد أقرب كراج عمومي؟، أو كيف أصل إليه؟ أو هل يمكن تحديد مطعم جيد للوجبات الإيطالية»؟ وعندها فإن السيارة سترد عليك بأنه بعد ثالث بناية على يمينك ستجد فراغاً لوضع السيارة فيه وهو يحتوي على مطعم أيضاً».
وقد يقول قائل إننا قد سمعنا مثل هذا الكلام من قبل. ولكننا لم نر سوى القليل من الإنجاز في هذا الاتجاه. ومع ذلك فإن المحللين والباحثين يؤكدون أن أوان ظهور السيارة الذكية التي تعتني بكل ما يهتم به مالكها، قد حان.
باقة من المعلومات
وعلى ما يبدو فإن التكنولوجيا وعالم الأعمال هما من يدفعان بهذا الاتجاه. ففي سوق السيارات العالمية تسعى شركات السيارات باستمرار ومن دون توقف لامتلاك قلوب سواق العالم الذين يبلغ عددهم 400 مليون سائق. ومع التطورات التي تحصل في تكنولوجيا الهواتف الخلوية ومنظومات تحديد الموقع ومنظومات التحكم بأجهزة السيارات (بما فيها المحرك ووحدة نقل الحركة والفرامل) ربما يكون مصنعو السيارات قد كونوا بالفعل تصوراً لسيارة تبلغ صاحبها بما يحدث لها من خلل. وعلى ما يبدو فقد تسببت التطورات المتواصلة في مجال المعلوماتية والاتصالات الى اختراع عالم السيارات لمبدأ جديد يطلق عليه التليماتيك (Telematics). والفكرة الموجودة خلف التليماتيك هو إحاطة السائقين بغلاف من المعلومات التي تجعل حياتهم أكثر إبداعاً وسياراتهم أكثر أمناً أما القيادة فستكون تجربة أكثر متعةً. كذلك فإن الفكرة ستكون طريقة لزيادة حصة مصنعي السيارات في هذه السوق وبالتالي زيادة أرباحهم وزيادة الروابط بينهم وبين المستهلكين.
وفي الوقت الحاضر فإن الخدمات من هذا القبيل تقدم من قبل شركتي أون ستار (OnStar) وأي تي أكس تيكنولوجيز (ATX Technologies) اللتين تستعملان اتصالات الهاتف الخلوي والإنترنت لنقل المعلومات بين السيارة ومركز الخدمة المحلي للشركة المصنعة . ومقابل مبلغ 199 دولار سنوياً يمكنك استخدام منظومة هاتف خلوي مثبتة في سيارتك للاتصال بمركز الخدمة الذي يعمل 24 ساعة في اليوم طلباً للنصح حول موقع ما تود الوصول إليه، أو إذا لم تستطع فتح باب سيارتك عن بعد، أو حتى أن يأمروا سيارتك بالصياح كالأوز إذا ما نسيت موقعها في منطقة تجارية تعج بالسيارات المشابهة. أما الخدمة الإدارية فهي قادرة على تسجيل حجوزات المطاعم والفنادق وكذلك توفير معلومات حول رحلات الطائرات. فبالدخول على الإنترنت وتحويل النص المكتوب الى كلام مسموع يمكنك الوصول الى أسعار الأسهم والبريد الإلكتروني ونتائج كرة القدم. كذلك بإمكان كلا الخدمتين طلب سيارات الطوارئ إذا ما ضغطت على زر الطوارئ. ووفقاً لمجموعة بحوث التليماتيك بمدينة مينيابوليس الأميركية فإن خدمات التليماتيك تمنح في الوقت الحاضر عن طريق معدات اختيارية في 90 نموذجا من نماذج السيارات حول العالم وهي في ازدياد مستمر.
السوق هو الحكم
وبالرغم من ذلك فإن محللي هذه الصناعة يتفقون مع الرأي الذي يقول أن التليماتيك لم ترتق بعد الى ما يتوقعه منها خيال مشتري السيارات . وتشير شركة جنرال موتورز الى أن مشتركي خدمة أونستار يزيد عددهم حالياً عن 2,5 مليون مشترك، غير إن تقرير هانسن المتعلق بالأجهزة الإلكترونية للسيارات أشار الى أن 42% فقط ممن اشتركوا في السنة الأولى (2001) من إطلاق الخدمة قد استمروا باشتراكهم في السنة التالية ويبدو إن سعر هذه الخدمة وقيمتها هي التحدي الأكبر أمام انتشار تقنيات التليماتيك. ويقول دان هولت المحرر التقني لمجلة(Society of Automotive Engineers) «إن السؤال المطروح الآن هو هل إن التليماتيك ستجعل شخصاً ما يفضل شراء الكاديلاك على المرسيدس؟».
نعم ستفعل ذلك، هذا ما يقوله شليزينجر، إذا ما كانت الخدمات التي تقدمها تجعل الحياة وقيادة السيارة أسهل «أما إذا كان هم المصنعين إضافة آلة جديدة من دون أن تكون فعالة فأعتقد أن سوق السيارات سيصيبهم بخيبة أمل كبيرة».
ولكي تتفادى جنرال موتورز الوقوع بالفخ فقد كان هذا أحد الأسباب التي جعلتها تمول منظومة تجريبية أسمتها كومبانيون (Companion) كجزء من تعاونها مع جامعة كارنيجي ميلون.
ويدمج في منظومة كومبانيون كلاً من منظومة تحديد الموقع وإشارات الطرق ومنظومة تمييز الأصوات والوجوه وذلك عن طريق شاشة أمام السائق مرتبطة بمنظومة تحديد الموقع ويديرها برنامج كومبيوتر ذكي يقوم بجمع معلومات من جهاز المساعد الرقمي الشخصي (PDA) وكل ما يتعلق بجدول أعمال السائق. ويستخدم كومبانيون برنامجي كومبيوتر ذكيين، كما يقول دان سيويرك العالم الذي يترأس المشروع. وكل برنامج يجمع المعلومات الشخصية عنك بذكائه الخاص ليقلل عنك الجهد اليومي الذي تبذله. فأحد هذين البرنامجين يعلم بما تريد أن تفعله وأين موقعك الجغرافي وكم هو الوقت لديك، بينما يقوم البرنامج الآخر ب « مراقبة» وتعلم كيفية قيامك بأداء أعمالك.
إن السيارات التي ستستعمل كومبانيون لن تعلمك بمواعيدك فقط ( أي مساعد رقمي شخصي يفعل ذلك حالياً ) ولكن بإمكانها أن تحذرك من وجود حادث على الطريق الفلاني لتدلك على الطريق البديل الذي يغنيك عن الزحام الناجم عن الحادث . لذلك فإن المنظومة قد صممت لتساعدك على إتمام أعمالك التي تريد إتمامها بكفاءة ومتعة بينما تقوم بقيادة السيارة.
ويقول شليزينجر إن التفاعل بين السائق والسيارة ليس سوى جزء مما تستطيع عمله تكنولوجيا التليماتيك في المستقبل. وهو يقول، تخيل سيارة تتفاعل معك بينما تقوم بمهام متنوعة أخرى بدءاً من تحريك سيارتك في الشارع ومروراً بتشغيل الموسيقى للسائق والأفلام للأطفال. وتخيل أن خللاً ما حصل للمحرك، فعندها ستكون السيارة ذكية بما يكفي للتضحية بالترفيه وإرسال الطاقة للمنظومة التي تضمن وصولك الى أقرب محطة صيانة بأمان . أو إنها قد تصلح نفسها ذاتياً خلال الرحلة عن طريق تحميل برنامج جديد لاسلكياً من الشركة المصنعة.
وبالرغم من كون ذلك، إذا ما تحقق، سيعقد السيارة كثيراً فإن الأمر لا يبدو قاتماً الى هذه الدرجة. فسيارات اليوم تحوي الكومبيوترات في كثير منها ولذلك فإن مسألة تحميل البرنامج المناسب لسيارات المستقبل سيكون بسهولة تنظيم المحرك في السيارات العادية حالياً. ويقول هولت « تخيل أنك تقود السيارة في الشارع ثم تسمع السيارة وهي تصدر صوتاً غريباً، وعندها تضغط زراً من الأزرار ليتم تحميل كل البيانات الخاصة بسيارتك الى المهندس أو الفني المختص ليقوم بتحديد نوع العطل والعلاج المناسب له . لذلك فما إن يعرف الناس فائدة ( بعض الخدمات ) فإني أعتقد أن تكنولوجيا التليماتيك ستنتشر في كل مكان. ومن المؤكد أن هذا ما يتمناه مصنعو السيارات أيضاً، ولعل مستقبلهم يعتمد الآن على سيارات تعتني بمالكها أكثر من سابقاتها اللواتي سيصبحن مجرد خردة لا غير، فهل أنت مستعد لهذا اليوم الذي بات قريباً؟
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 