قد تجعل الكتاب شيئاً من الماضي الإنترنت تشعل ثورة في عالم القراءة
|
* إعداد - إسلام السعدني:
هل يمكن أن يفقد الكتاب عرشه الذي تربع عليه منذ أن ظهر إلى الوجود كوسيلة لا غنى عنها للمعرفة؟ وهل تستطيع شبكة الإنترنت أن تشكل بديلا مقنعا عنه، بل وربما بديلا أكثر كفاءة؟.. تلك هي الأسئلة التي يسعى الباحثون في مركز (بالو ألتو) بولاية كاليفورنيا الأمريكية إلى العثور على إجابات واضحة لها، من خلال تجربة مثيرة يشهدها المركز حاليا، وحرصت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) على متابعتها، وتلمس أبعادها من خلال تقرير مفصل. ويأخذنا التقرير إلى داخل إحدى القاعات البحثية في المركز لنجد د. إد تشي وهو يجلس وسط ست من شاشات الكمبيوتر، خصص الرجل كل منها لمطالعة نوعية معينة من المواد التي يرغب في قراءتها.
ويقول (تشي) إن النظرية التي يحاول وزملاؤه اختبارها من خلال هذه التجربة تتمثل في ما إذا كان زيادة حجم مكتب المرء الافتراضي - يقصد شاشة الحاسب الآلي - إلى ما يماثل في الحجم مكتبه التقليدي سيؤثر على سلوكه فيما يتعلق بالقراءة، أم لا؟ ولذا فقد زاد عدد شاشات الكمبيوتر كي يوفر مناخا أقرب ما يمكن إلى ذاك الذي يوفره المكتب التقليدي الذي يتسع ليضع الإنسان عليه صحفا ومجلات وكتب ورسائل واردة إليه وغير ذلك.
جزيرة الكنوز
وفي هذا الإطار، أشار الرجل - حسبما تنقل عنه (كريستيان ساينس مونيتور) - إلى أنه اكتشف من خلال تجربته تلك أن كل المواد تقريبا التي يرغب في قراءتها، سواء كانت موضوعات صحفية، رسائل، أو حتى كتب، يمكن مطالعتها على شاشة الكمبيوتر بلا أدنى مشكلة، وكأنه يطالعها بالطريقة التقليدية التي ألفها الناس منذ قرون طويلة.
وتعد الرؤية التي يعبر عنها هذا الباحث تجسيدا لحقيقة بات من العسير إنكارها، ألا وهي أن الكمبيوتر والإنترنت غيرا الطريقة التي بات يقرأ من خلالها البشر، إلى جانب أن محركات البحث والوصلات المرفقة بالموضوعات المنشورة على مواقع الإنترنت - التي تجعل بوسع المرء الانتقال إلى مواقع أخرى تحتوي على تفاصيل أكثر عن الموضوع الذي يطالعه - حولت تصفح الشبكة العنكبوتية الهائلة إلى ما يشبه رحلة في أرجاء جزيرة مليئة بالكنوز التي تستطيع أن تتنقل بينها وبين بعضها في سلاسة وهدوء وسرعة.
حكاية هاملت
وتضرب الصحيفة الأمريكية مثالا على ما أتاحه الإنترنت من إمكانيات هائلة فيما يتعلق بالقراءة بالقول، إنه إلى ما قبل عقد فقط من الزمان كان الطلاب الذين يدرسون مسرحية (هاملت) الشهيرة لشكسبير في مدارسهم وجامعاتهم، يضطرون لقراءة نص المسرحية أولا ثم يبدؤون بعد ذلك البحث في أضابير المراجع والكتب عن الكتابات النقدية الأدبية الخاصة بكل فصل منها، والشروح التي قدمها المتخصصون في هذا الشأن. ولكن يمكن الآن بزيارة بسيطة إلى أحد مواقع الإنترنت، الذي يحمل عنوان (hamletworks.org)، أن يستطيع المرء مطالعة طبعات مختلفة من المسرحية، إلى جانب حصيلة 300 عام من الشروح الأدبية والكتابات النقدية التي وضعها عدد لا حصر له من النقاد حول المسرحية.
ويجد زائر الموقع أيضا أنه بات بوسعه مطالعة تحليلات النقاد لكل سطر من سطور المسرحية الشهيرة التي خلبت لب العالم منذ أن أبدعتها قريحة شكسبير منذ قرون طويلة. وتشير الصحيفة إلى أن كل ذلك يعني أن الإنترنت، بالنسبة لمن يرغبون في دراسة (هاملت) يعد كنزا ثمينا يقدم لهم مجموعة هائلة من المعلومات والتحليلات والآراء النقدية بشكل لا يستطيع كتاب واحد مهما بلغ حجمه أن يقدمه.
تتبع الشذى
وتوضح الصحيفة الأمريكية أن هذه الفوائد الكبيرة ليست سوى قطرة في بحر ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا الحديثة - عبر الإنترنت - للمرء الراغب في المعرفة، من منطلق أنه لا يوجد أي مبرر لعدم السعي لاستغلال التقنيات الحديثة لجعل عملية القراءة أكثر كفاءة. وفي هذا الصدد، يقول د. إد. تشي إنه من الضروري العمل على أن تكون القراءة عبر الإنترنت أفضل بكثير من القراءة التقليدية في الكتب والصحف. ويعد تشي واحدا من ضمن الباحثين المشاركين في تطوير برنامج متطور يطلق عليه اسم (تتبع الشذى)، وهو برنامج للبحث على الإنترنت، تتجاوز إمكانياته قدرات محركات البحث العادية.
إذ إن دور هذا البرنامج لا يقتصر فقط على مجرد العثور على كلمة أو عبارة يسعى متصفح الشبكة للعثور عليها، وإنما يمتد هذا الدور إلى تحديد الفقرات والكلمات الأخرى التي يرى البرنامج - من خلال تقنيات الذكاء الاصطناعي الملحقة به- أن لها صلة بموضوع البحث الأصلي، أو أنه من الواجب على المتصفح مطالعتها باعتبار أنها ستكون مفيدة له.
ويعلق تشي على ذلك البرنامج المتطور بقوله إن مثل هذا الابتكار يقدم خدمة من المستحيل أن تقدمها الكتب التقليدية فيما يتعلق بالبحث عن المعلومات.
أما (كريستيان ساينس مونيتور) فتشير من جانبها إلى أنه في الوقت الذي قد لا يشكل فيه مثل هذا التطور أهمية كبيرة بالنسبة للقارئ العادي، الذي ربما يهتم أكثر بمطالعة آخر روايات سلسلة (هاري بوتر) الشهيرة، فإن البرنامج يعد ذا فائدة عظيمة بالنسبة للطلاب والباحثين ورجال الأعمال، حيث يوفر لهم الوقت والجهد، ويمنحهم الفرصة لتركيز اهتمامهم على ما يجب عليهم الاهتمام به من فقرات وعبارات ومعلومات، بدلا من إهدار وقتهم وجهدهم في مطالعة صفحات وصفحات قد لا يكونون في حاجة إليها.
أصل التسمية
وقد تم إطلاق اسم (تتبع الشذى) على هذا البرنامج، تبعا لنظرية تقول إن البشر في بحثهم عن المعلومات يستخدمون سبلا مشابهة لتلك التي تستخدمها الحيوانات في البحث عن طعامها في البرية! ويشير تشي إلى أن النباتات تصدر روائح لجذب الطيور والنحل حتى تتوافد عليها، وموضحا أنه من هذا المنظور أيضا يسعى برنامج (تتبع الشذى)، لتلمس ما يمكن أن نعتبره الروائح التي تصدر عن المعلومات والعبارات المختلفة المنتشرة على الإنترنت، التي تجذب متصفحي الشبكة إليها، وذلك حتى يتسنى العثور عليها والاستفادة منها.
فعلى سبيل المثال إذا كتب مستخدم البرنامج في خانة البحث كلمتي (ويمبلدون للتنس) - تلك البطولة الشهيرة التي تقام في بريطانيا سنويا في هذه اللعبة المعروفة - فإن برنامج (تتبع الشذى) لن يقدم له وصلات مواقع الإنترنت، التي تحتوي على هاتين الكلمتين مثلما يفعل أي محرك بحث عادي فقط، وإنما سيقدم له أيضا مواقع أخرى استنتجت تقنيات الذكاء الاصطناعي الموجودة في الجهاز، أن مستخدم البرنامج سيكون مهتما بها، مثل (بطولة أمريكا المفتوحة للتنس) أو (أندي روديك) لاعب التنس المشهور. إلى جانب ذلك سيقدم البرنامج لمستخدمه كافة المواقع التي تحتوي على مضامين يرى البرنامج أنها ذات صلة بموضوع البحث وهو بطولة ويمبلدون.
ويقول تشي إن (تتبع الشذى) مزود بتقنيات تجعله يحاكي البشر في طريقة استرجاعهم للمعلومات، وهو ما يُمكّن البرنامج من تحديد الطرق المختلفة التي تترتب بها الكلمات في عبارة ما، والاستدلال بأساليب إحصائية على الكلمات التي قد تكون ذات صلة بالكلمات والعبارات التي تم إدخالها إليه للبحث عنها في أرجاء شبكة الإنترنت الفسيحة.
على المحمول
تطور آخر على طريق ابتكار المزيد من البرامج التي تستخدم لما يمكن أن نسميه القراءة الإلكترونية، تستعرضه لنا (كريستيان ساينس مونيتور) من خلال تقريرها، ولكن هذه المرة من جامعة ستانفورد التي يعكف باحثوها على تطوير تقنية جديدة من شأنها جعل القراءة على شاشة الهاتف المحمول أكثر سرعة وسهولة. وتأتي هذه الجهود البحثية في ضوء ما يتوقعه العديد من المحللين من أن المحمول سيتطور من مجرد وسيلة اتصال إلى جهاز متعدد الأغراض، تجعله أشبه بالتليفزيون والكمبيوتر فيما يتعلق بإمكانية استغلال شاشته لعرض الصور والنصوص.
ولكن المشكلة الكأداء التي أعاقت تجسد هذا الاحتمال على أرض الواقع حتى الآن، تكمن في صغر حجم شاشة المحمول، وهو ما يزعج مستخدمي الجهاز الذين يعانون كثيرا وهم يحاولون قراءة الرسائل النصية الواردة إليهم من أصدقائهم.
ولذا يسعى الباحثون في المختبر التابع لجامعة ستانفورد على تطوير تقنية لحل هذه المشكلة من خلال برنامج أطلق عليه اسم (بدي بوز)، وهو برنامج يُظهر النص الموجود على المحمول كلمة تلو أخرى على شاشة الجهاز.
تكنيكات السبعينيات
وتنقل الصحيفة الأمريكية عن مات ماركوفيتش أحد العلماء المشاركين في مشروع تطوير (بدي بوز) قوله إن البرنامج الجديد قائم على تكنيك يسمى (العرض السريع للمحتويات البصرية المتسلسلة)، وهو تكنيك ظهر منذ سبعينيات القرن الماضي، لتدعيم قدرة الناس على قراءة وفهم النصوص المعروضة أمامهم بسرعة وكفاءة في آن واحد، حتى يصبحوا قادرين على قراءة وفهم ما يصل إلى ألف كلمة في الدقيقة. ويقول ماركوفيتش إن (الناس يتصورون للوهلة الأولى أنه من الصعوبة بمكان القراءة بهذا المعدل السريع، إلا أن الأمر يتحسن بمرور الوقت، حيث يجدون أن سرعتهم في القراءة تتزايد، خاصة وأنهم يوجهون انتباههم كله لما يقرؤونه).
ويضيف الرجل أنه اكتشف من واقع تجربته الشخصية أن استخدام هذا التكنيك أدى إلى زيادة كبيرة في قدرته على القراءة السريعة مع فهم ما تطالعه عيناه من كلمات.
وتشير (كريستيان ساينس مونيتور) إلى أنه بوسع مستخدمي برنامج (بدي بوز) تلقي الأخبار على هواتفهم المحمولة، من وكالات أنباء مثل وكالة رويترز، أو مواقع إخبارية على الإنترنت، مثل موقع (سي. نت)، إلى جانب تلقي محتويات بعض المدونات الموجودة على الشبكة العنكبوتية المعروفة باسم (بلوجرز). كما يمكن لمستخدمي هذا البرنامج أن يبثوا النصوص التي يرغبون فيها لهواتفهم المحمولة بطريق غير مباشر، عبر وضعها على الإنترنت ثم تحميلها من هناك بواسطة البرنامج، وكذلك يستطيع هؤلاء أن يتبادلوا تلك النصوص مع غيرهم من مستخدمي البرنامج الآخرين.
مزايا جديدة
وتلقي (كريستيان ساينس مونيتور) الضوء على الفريق الذي يشارك في المشروع الخاص بتطوير هذا البرنامج، وهو فريق يضم اثنين من المبرمجين المتطوعين، إلى جانب حفنة من الطلاب الجامعيين في ستانفورد. وتقول الصحيفة إن الفريق يعكف حاليا على العمل من أجل إضافة المزيد من الميزات للبرنامج، مشيرة إلى أن الجهود أثمرت في أن يصبح بمقدور المستخدمين ل(بدي بوز) التحكم في سرعة عرض الكلمات على شاشة المحمول حسبما يكون ملائما لهم. بالإضافة إلى ذلك، أصبح البرنامج مزودا بخاصية تجعله يتوقف عند نهايات العبارات والفواصل التي تفصل ما بين الجمل، تماما مثلما يفعل القارئ عندما يكون بصدد قراءة نص ما سواء بشكل تقليدي أو بشكل إلكتروني. وعلى أي حال يمكن للمستخدم إذا فاتته كلمة ما أن يعيد استعرض العبارة من أولها حتى يتسنى له فهم معناها. ويرغب الفريق البحثي المسؤول عن ابتكار وتطوير برنامج (بدي بوز) في زيادة قدراته لكي يصبح قادرا على تحديد ما إذا كان مستخدمه يواجه صعوبات في قراءة النص أم لا، وهو ما سيجعله يقلل من سرعة عرض كلمات النص، كلما كانت هذه الكلمات غير مألوفة مثل كلمة (أوزبكستان) على سبيل المثال.
أوجه قصور
من جهة أخرى، يقر بي. جى. فوج مدير المعمل الذي يشهد عمليات تطوير برنامج (بدي بوز) بوجود نقاط ضعف في البرنامج، مشيرا إلى أن هذه العيوب تظهر بصفة خاصة عندما يتم التعامل مع أرقام مثل نتائج المباريات أو أسعار الأسهم، ولكن الرجل يستدرك قائلا إن ذلك لا ينفي قيمته في مجال عرض الأخبار وغير ذلك من النصوص التقليدية. ويضيف فوج - وهو من أشار بتبني تكنيك (العرض السريع للمحتويات البصرية المتسلسلة) ليقوم عليه برنامج (بدي بوز) - أن البرنامج الجديد يعد شكلا مختلفا من أشكال الاطلاع على النصوص، إلا أنه لا يلغي دور أي من الأشكال السابقة في هذا الشأن. وعلى أي حال لم يتم حتى الآن البدء في طرح برنامجي (تتبع الشذى) أو (بدي بوز) تجاريا، على الرغم من أن النسخة التجريبية من البرنامج الأخير موجودة على موقع خاص بهذا البرنامج على الإنترنت.
تقدم عالمي
وتختتم الصحيفة الأمريكية تقريرها بالإشارة إلى أن العالم يشهد تقدما ملموسا في مجال التشجيع على القراءة والاطلاع، مؤكدة أن نسبة من يقبلون على القراءة بين أبناء الجيل الحالي في معظم البلدان أكبر من مثيلتها بين أبناء الجيل السابق.
وتوضح الصحيفة أن الدول الخمس والثلاثين الأكثر تقدما في العالم، تصل نسبة معرفة القراءة والكتابة بين سكانها إلى 99% أو أكثر، في وقت تعاني فيه العديد من بلدان العالم الأخرى من مشكلة حقيقية في هذا المجال، وهي دول تقع على الأغلب في إفريقيا. ومن بين هذه البلدان النيجر التي لا تزيد فيها نسبة القادرين على القراءة والكتابة عن 16.5%، إلى جانب بوركينا فاسو ونسبتهم فيها 24.8%، أما في آسيا فهناك بنجلاديش بـ 40.6% ونيبال بنسبة 42.9%.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|