السلع الرخيصة تجتاح شبكة الإنترنت
|
* إعداد : إسلام السعدني
في البدء كان الورق ثم تلته المواد المصنوعة من اللدائن، وأخيراً حلت محل الاثنين الوسائل الرقمية عذراً عزيزي القارئ نحن لا نتحدث عن تطور حقائب التسوق ولكننا في الحقيقة نتحدث عن تطور النقود.
لقد اعتاد الكثيرون من المتسوقين عبر الإنترنت استخدام بطاقات الائتمان وخدمات التجارة الإليكترونية مثل تلك التي يقدمها الكثير من الشركات لشراء الكثير والكثير من الأشياء من خلال الشبكة العنكبوتية بدءاً من السيارات. . مروراً بأجهزة الحاسب الآلي، حتى يصل الأمر إلى تذاكر الطيران.
ولكن المشكلة التي قد تحول دون انتشار نمط الدفع عبر الإنترنت أو ما يعرف ب(الدفع الرقمي) هو ما يمكن أن نطلق عليه السلع أو المعروضات الزهيدة الثمن والتي يبلغ سعرها خمسة دولارات أو أقل.
وتكمن المشكلة هنا في أن الشركات التي تقدم خدمة بطاقات الائتمان تتقاضى رسوماً تصل إلى 25 سنتاً مقابل إتمام كل صفقة تجرى من خلال بطاقاتها، بالإضافة إلى حصولها على نسبة مئوية من المبلغ الذي يتم دفعه في هذه الصفقة، وهو ما يؤثر كثيرا على معدلات نمو وانتشار السلع الزهيدة الثمن على الشبكة العنكبوتية، فعلى سبيل المثال إذا تم شراء سلعة يبلغ ثمنها دولاراً واحداً عبر الإنترنت فإن الشركة البائعة لهذه السلعة سيصبح أمامها هامش ربح محدود للغاية في ضوء تلك العوامل، هذا إن استطاعت تحقيق ربح من الأصل.
يشير هؤلاء ممن يرون أن المستقبل لتلك السلع، إلى التجربة الناجحة التي قام بها موقع www. iTunes. com والذي أتاح للمترددين عليه تحميل الأغنيات مقابل دفع 99 سنتاً للأغنية، وهو ما جعل الموقع يبيع أكثر من 30 مليون أغنية منذ إطلاقه نهاية شهر إبريل الماضي، وقد أدى هذا النجاح الباهر إلى ظهور الكثير من الموقع المماثلة.
وقد أكد تقرير اتحاد الناشرين الإليكترونيين الذي صدر في شهر سبتمبر أن النمو الذي شهده مجال شراء المنتجات الزهيدة الثمن عبر الإنترنت خلال الثمانية عشر شهرا الماضية يعد مثيراً ومفاجئاً في الوقت نفسه، حيث ارتفعت نسبة هذا النوع من التعاملات من 2.6 % من إجمالي الصفقات على الإنترنت خلال الربع الأول من عام 2002 إلى 8% في الربع الثاني من العام الماضي.
وقد أدى هذا النمو إلى تشجيع الكثير من الشركات إلى الدخول إلى هذا الميدان على أمل الاستفادة من الازدهار الذي يشهده في الفترة الحالية، وهو ما جعل تلك الشركات تطرح نظماً جديدة للتعامل مع السلع الزهيدة الثمن من خلال الشبكة العنكبوتية.
وربما ترجع إلى أن كافة الجوانب المتعلقة بالتجارة الإليكترونية تشهد حاليا انخفاضا في تكلفتها جراء انخفاض تكلفة التعامل من خلال الحواسب الآلية بشكل عام.
أما (روبرت كيبورز) رئيس مجلس إدارة شركة (بيبركوين) الأمريكية للبرمجيات فقد أكد أنه ما إن تنخفض تكاليف الصفقات عبر الإنترنت وتصبح أكثر سهولة حتى تسيطر الابتكارات الجديدة بخصوص السلع الزهيدة الثمن على الأمر برمته.
وأضاف (كيبورز) الذي طرحت شركته منظومة خاصة بها لبيع تلك السلع قائلاً (إننا سنرى الناس في هذه الحالة يقومون بكل ما نتوقعه وما لا نتوقعه للاستفادة من مثل هذه الأنظمة ). وتفرض الشركة التي يديرها (كيبورز) رسوماً تتراوح ما بين سبعة إلى تسعة سنتات على كل صفقة قيمتها دولار واحد، فيما تتقاضى شركة أخرى وهي (بيت باس) 15% من قيمة أي صفقة تبلغ قيمتها خمسة دولارات أو أقل، أما (باي بال) وهو نظام دفع عبر الإنترنت تابع لموقع (إي باي) الشهير الذي يستخدمه نحو أربعين مليون شخص فقد أعلن مؤخرا أنه سيخفض الرسوم التي يفرضها على الصفقات التي تتم من خلال المواقع الموسيقية الكبرى من 2.2% من سعر السلعة مضافا إليها ما بين 20 و30 سنتاً عن كل صفقة ، لتصبح 2.5% من السعر مضافاً إليها تسعة سنتات فقط عن كل صفقة.
وتطلب معظم الأنظمة الخاصة بالترويج للسلع الزهيدة الثمن على الإنترنت من المشترين فتح حسابات لهم على الشبكة الإليكترونية، وذلك من أجل تمويل عمليات الشراء المستقبلية، وهو ما يحذر من أضراره (روبرت كيبورز) قائلا إن (مثل هذه الخطط تؤدي إلى تثبيط همم الراغبين في الشراء، مشيرا إلى أن هؤلاء الأشخاص يكونون عادة غير واثقين مما إذا كانوا بصدد تكرار هذه الصفقات في المستقبل أم لا.
ويضيف (كيبورز) أن شركته (بيبركوين) تطالب المتعاملين معها بتسجيل أرقام بطاقاتهم الائتمانية لمرة واحدة فقط عندما يقومون بالاشتراك في نظام الدفع عبر الإنترنت الذي تقدمه الشركة.
ويؤكد أن هذا النظام الذي يمكن أن نطلق عليه اسم (الدفع حسب الحاجة) يعد وسيلة فعالة لتشجيع المستهلكين على أن يعتادوا شراء المنتجات الرخيصة الثمن من خلال الإنترنت.
وقد أظهرت دراسة مسحية موّلتها
الشركة أن هناك أربعة ملايين أمريكي قاموا بشراء منتجات رقمية يقل سعر كل منها عن دولارين خلال العام الماضي، وأن هناك ثلاثين مليوناً آخرين قد يقومون بالشيء نفسه خلال العام المقبل.
ومن الممكن أن تمتد ظاهرة رواج السلع المنخفضة الثمن على الإنترنت إلى مجال الأفلام السينمائية أيضاً، فقد اتفقت شركة (آيه. أو. إل) الأمريكية الشهيرة مع موقع (موفي لينك) على تقديم عرض لمدة محدودة يقضي بمنح عملاء الشركة الدائمين حق تحميل أفلام هوليوود الحديثة مقابل دفع 99 سنتاً فقط للفيلم الواحد. ولن يقتصر الأمر على الأفلام السينمائية فيما يبدو، بل يمكن القول بأن هناك الكثير من السلع والعروض الأخرى في الطريق ، من بينها محتويات الصحف والمجلات، وغير ذلك من محتويات المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت، والتي قد تسعى إلى الحصول على مقابل لخدماتها سواء تلك المتعلقة بطبعاتها اليومية، أو بالمقالات التي تنشر فيها، أو بالرسوم الكاريكاتورية التي تحملها بين جنباتها أو حتى الأرشيف الخاص بها.
وفي هذا السياق يتوقع (توماس فري) ظهور الكثير من الراغبين في الاستفادة من ظاهرة رواج السلع والمشتريات الزهيدة الثمن في بيع كافة المضامين المعلوماتية من خلال الإنترنت. وقد قامت مؤسسة (دا فينسي) التي يديرها (فري) برعاية مؤتمر عقد خلال الخريف الماضي حول مستقبل النقود، وقد بحث هذا المؤتمر عن كثب مفهوم السلع الزهيدة الثمن عبر الإنترنت.
وأشار (فري) إلى أنه يتصور أحياناً أنه سيظهر في يوم من الأيام من يحاولون بيع أشكال الحروف الطباعية، أو غير ذلك من الأشكال الجرافيكية عبر شبكة الإنترنت مقابل رسوم زهيدة.
وأضاف أنه سيكون بوسع المرء في هذه الحالة أن يقوم ببيع نوتات موسيقية، أو نغمات لأجهزة الهاتف المحمول، أو صور مقابل سنتات معدودة، مضيفا أنه يمكن في هذا الإطار أيضاً أن يستطيع عشاق ألعاب الكمبيوتر (الفيديو جيم) تطوير الأسلحة التي يستخدمونها في تلك الألعاب الرقمية، أو شراء ما يمكن أن يطوروا من خلاله هذه الألعاب من حيث الشكل، من قبيل شراء نظارات شمسية رقمية ليرتديها أبطال اللعبة على سبيل المثال. ولا يتوقف خيال الرجل عند هذا الحد بل يشير إلى أن هناك إمكانية لسن قوانين تأمينية خاصة بالمنتجات الزهيدة الثمن التي تباع عبر الإنترنت تضمن أن هذه المنتجات ستعمل كما ينبغي دون حدوث مشكلات فور وصولها إلى من قاموا بشرائها.
شكوك وتحفظات
ولكن هناك أيضاً من يعارضون فكرة أن المستقبل يحمل المزيد من إمكانيات رواج مبيعات السلع الرخيصة عبر الإنترنت، ومن بين هؤلاء (كلاي شيركي) الخبير ببرنامج الاتصال التفاعلي التابع لجامعة نيويورك، والذي يؤكد أن هذه الظاهرة محكوم عليها بالفشل في نهاية الأمر، على الرغم من أنها استطاعت جذب المستهلكين ودفعهم إلى عقد صفقات صغيرة الحجم خلال الفترة الماضية ، مضيفا أن المشكلة الحقيقية فيما يتعلق بهذه الظاهرة تكمن في أن مستخدمي الإنترنت لا يميلون لتلك المنتجات كثيرا.
ويضرب الرجل مثالا في هذا الصدد بالفشل الذريع الذي لاقاه نظام دفع تكاليف الاتصالات الهاتفية على أساس الحساب دقيقة بدقيقة نتيجة انصراف المستهلكين عنه وتفضيلهم نظام الدفع على أساس الشرائح الثابتة.
وقد دفع الرواج الذي تشهده شبكة الإنترنت حاليا فيما يتعلق بإجراء صفقات محدودة الحجم والتكلفة البعض للتفكير في استغلال هذا الأمر لمواجهة فيروسات الحاسب الآلي وكذلك طوفان الرسائل الدعائية الذي ينهمر على الكثيرين من خلال البريد الإليكتروني ، ويشغل الحيز الخاص ببريدهم الإليكتروني دون طائل. وفي هذا الإطار اقترح البعض ومن بينهم (بيل جيتس) رئيس شركة (ميكروسوفت) العالمية تطبيق نظام يتيح تقاضي رسوم ممن يقومون بإرسال رسائل بريد إليكتروني غير مرغوب فيها، وذلك على غرار الرسوم التي يدفعها المرء حينما يقوم بإرسال خطاب بالبريد العادي .
وعلى الرغم من أن هذه الرسوم ستكون زهيدة حيث قد تصل إلى بنس واحد لكل رسالة ، إلا أنها ستكون فعالة في ردع هؤلاء ممن يقومون بإرسال ملايين الرسائل غير المرغوب فيها.
ويمكن لمستخدمي مثل هذا النظام اختيار قائمة تضم أسماء من يتبادلون معهم رسائل البريد الإليكتروني بشكل دوري من أصدقاء، أو ممن يرتبطون معهم بعلاقات عمل، حتى يتسنى لهم إرسال رسائل بريد إليكتروني مجانية إلى هؤلاء دون الحاجة إلى دفع رسوم .
وتقول (سونيا أريسون) في تقرير يحمل عنوان السيطرة على رسائل البريد الإليكتروني الدعائية: حل اقتصادي لمواجهة الرسائل غير المرغوب فيها إن مثل هذا النظام يمكن أن يلبي رغبة الكثيرين في توفير آلية تجبر من يرسلون هذه الرسائل على دفع ثمن حماقاتهم.
وتضيف (أريسون) في التقرير الذي أصدره معهد بحوث المحيط الهادي في سان فرانسيسكو خلال الشهر الماضي أن النظام الجديد يمكن أن يحول دون حدوث المشكلات المتعلقة بالتقنيات المستخدمة حاليا لمواجهة الرسائل الدعائية والتي تؤدي إما إلى منع عدد محدود جدا من الرسائل، وإما إلى منع عدد هائل للغاية من الرسائل الواردة والتي قد لا تكون كلها غير مرغوب فيها. ولكن على الرغم من النوايا الحسنة لنظام (الطابع الإليكتروني ) إلا أنه قد ينطوي على أخطار خفية يلفت إليها الانتباه (كلاي شيركي) حيث يقول إن قيام المعلنين بدفع رسوم مقابل إرسال رسائلهم الدعائية سيجعلهم يشعرون أنهم لم يعودوا مستهلكين للإنترنت بل أنهم صاروا يمتلكون الشبكة الإليكترونية ذاتها.
ويوضح (شيركي) أن هذا يعني بكلمات أخرى أن نظام (الطابع الإليكتروني) قد يفيد في الحد من المخاطر الناجمة عن طوفان الرسائل الدعائية وغير المرغوب فيها، ولكن المفارقة الحقيقية تكمن في أنه قد يمهد الطريق نحو سقوط الإنترنت في قبضة مرسلي هذه الرسائل في نهاية الأمر !.
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|