الثورة الرقمية
|
تضفي الإنترنت والتقنيات المرتبطة بها طابعا خاصا على الطريقة التي يعيش بها الناس ويعملون ويتصلون فما التأثيرات التي ستحدثها هذه التغيرات البعيدة المدى على حياتنا؟!
وما نوع الحكومات التي يحتاج اليها الناس خلال القرن الحادي والعشرين؟ أو بالأحرى ما نوع أنظمة الإدارة التي يريدها الناس في الألفية الجديدة؟
ربما، كان هذا السؤال ضمن الأسئلة الأكثر جوهرية وهذا هو الوقت الملائم لطرحه.
ولكن ذلك ليس فقط لأننا على مشارف تاريخ خاص في التقويم، تاريخ مشهود، كما هو ملاحظ بعشية العام الجديد، لا، بل السبب أننا نعيش فترة من فترات التغيير الأكثر إثارة في التاريخ.
والواقع، أن كل شيء نقوم به في حياتنا اليومية وفي عملنا وفي كل نواحي هياكل أنظمة إدارتنا، يمرّ الآن أو سرعان ما سيمرّ، بتحوّل أساسي.
وهذا التحول يسمّى بالثورة الرقمية.
إن التقنيات التي تعمل بالإنترنت وترتبط معا، والتي تمثل الإنترنت فيها الشكل الملحوظ بدرجة اكبر على الملأ تقوم الآن بقلب العالم رأساً على عقب.
ومع رسوخ شبكات العمل بصورة متزايدة تعيد هذه التقنيات تشكيل الطريقة التي يعيش بها الناس ويتصلون ويعملون ونفس هذه التغيرات التقنية التي تغير حالياً عالم الأعمال والمجتمع المدني ستضفي ايضا طابعاً خاصاً على الطريقة التي تقوم بها أنظمة الإدارة وطبيعة الحياة العامة نفسها.
وستقوم الثورة الرقمية في سياق تواصلها بإعادة تشكيل علاقات متميزة وإن ظلت متشابكة بين الناس.
ولكي نفهم لماذا وكيف ستتأثر مؤسسات أنظمة إدارتنا بمثل هذا العمق، من المفيد أن نبحث أولاً التأثير الهائل للاقتصاد الرقمي على الأعمال.
إن التقنية المعتمدة على الإنترنت تفرخ أعمالاً جديدة تعلن وفاة شركة العصر الصناعي.
منذ أعوام مضت، طرح الباحث الاقتصادي رونالدكوس سؤالاً ذكياً: لماذا توجد الشركة؟! إذ إنه في عالم رشيد، قائم على النظرية الاقتصادية التقليدية، لماذا لا يستيقظ العمال والموردون والعملاء كل صباح فيشتروا السلع من السوق ويعقدوا الصفقات؟
لماذا هذه البنى الأساسية الضخمة والمصانع الثابتة في حين أنه في عالم مثالي أو على الأقل عالم نظري ستقوم قوانين العرض والطلب بإملاء التسعيرة، وقبل ان يبرد الإفطار نرى العالم يتبدى واضحاً للعيان كما ينبغي له أن يفعل؟!
وكانت إجابة كوس بديهية وتتفق مع الفطرة فالاقتصاد كان معقداً للغاية، والأهم من ذلك أن تكلفة إبرام كل تلك الترتيبات كانت من حيث الوقت والمال على حد سواء أعلى كثيراً من التعامل مع أي شيء آخر سوى هيكل شبه دائم عالي التنظيم يسمى الشركة.
ولكن إذا انتقلنا بسرعة إلى اليوم، يسقط الآن بعض من تلك الحواجز التي كانت تحول دون إبرام ترتيبات أكثر مرونة بكثير بين الموردين، وشركاء البنية الأساسية وحتى العمل وهو يتمثل الآن في الأدمغة، وليس في القوة العضلية.
وتتمثل ميزة الاتصالات المدارة بالإنترنت في أن تكلفة المعاملات لمثل هذا النشاط تنخفض إلى الصفر تقريبا عندما يزيد مدى وسرعة تقنيات الاتصالات زيادة أسّيّة، وعندما تصبح الأدوات أقوى.
وليست التجارة الإليكترونية سوى قمة جبل الجليد: فالاتصال الجديد يدور حول ظاهرة أعمق كثيراً تعيد صنع قواعد الأعمال.
وتظهر الآن اتجاهات رئيسة متعددة، يمكن أن تكون اوصافها الموجزة مفيدة عندما تفكر في التغيرات المقبلة في أنظمة الإدارة.
ومن ذلك:
1 الشركات يتم تحويلها على نطاق واسع: بحيث تخضع لفحص دقيق وإصلاح واسع النطاق.
2 السوق تتعلم كيف تمارس السلطة: حيث تغدو السوق أبرع وأكثر تشدداً.
3 مشروعات الأعمال: حيث تتحرك هذه المشروعات بسرعة هائلة.
4 المعرفة هي الأصول الرئيسة: بحيث يفسح النشاط الاقتصادي الذي يقوم على استخراج وتحويل الموارد النادرة المجال لاقتصاد الوفرة، وفرة المعلومات ووسائل الاتصال ويغدو تأثير المعرفة عبر الابتكار حاسماً.
5 الشفافية والانفتاح: حيث يصبحان عاملي تمكين رئيسين في السوق.
إن العصر الرقمي زمن تحولات كبيرة تزعزع الاستقرار لم يسبق لها مثيل.
ومع انهيار الهياكل القديمة وتآكل القوانين والأعراف القائمة، تحل أخرى محلها، وإذا كانت الاعمال الالكترونية تعلمنا شيئا فهو ان العصر الرقمي يمقت الفراغ.
لذا، فإن هيكل العصر الصناعي، الذي كان عالم الحياة العامة فيه يشتمل على ثلاثة مجالات رئيسة هي الحكومة، والسوق، والمجتمع المدني، يمرّ الآن بتحوّل اساسي مع سيطرة التقنيات.
ومن ثم، تصبح الإنترنت منفذا لأشكال جديدة من التفاعل مع المواطنين تسمح بالمشاركة.
وفي العصر الرقمي، يتحول المواطنون من مجرد مستهلكين إلى وضع يصبحون فيه شركاء نشطين في عملية الإدارة.
يقول دون تاسكوت: في الأعوام القادمة نعتقد أنه سيحدث بون شاسع واسع النطاق لنموذج أنظمة الإدارة.
ومع ذلك فإن هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل إذ إن التقنيات الجديدة والتغيرات الناشئة عن التطبيق الواسع لها سوف تتيح لأنظمة الإدارة في القرن الحادي والعشرين الفرصة، ليس فقط لتعمل بصورة أفضل، بل أيضاً وهو الأهم، لتقوم باشراك المواطنين في الإدارة.
بيد أننا لا ينبغي أن نتجاهل الأخطار أيضاً إذ تبقى قضايا خطيرة دون حل، وفي مختلف انحاء العالم، يشعر الناس بالقلق، عن حق من قدرة التقنيات الجديدة على تقويض خصوصياتهم.
د. زيد بن محمد الرماني
المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|