افتتاح أكبر شبكة لدور العرض الرقمية في العالم هذا العام دور ريادي للبرازيل على طريق التحول للسينما الرقمية
|
* إعداد : اسلام السعدني
لم يكن المهتمون بصناعة السينما ممن شاهدوا فيلم (العاديون) في إحدى دور العرض بمدينة (ساوباولو) البرازيلية خلال شهر أكتوبر الماضي يدركون أنهم يرصدون ملامح تاريخ جديد في صناعة السينما يتشكل أمام أنظارهم.
كما أن المشاهدين العاديين لم يلحظوا وهم يجلسون في استرخاء لمتابعة أحداث هذا الفيلم المأخوذ عن إحدى المسرحيات البرازيلية الساخرة أن هناك اختلافا كبيرا بينه وبين غيره من الأعمال السينمائية الأخرى. وعلى الرغم من ذلك إلا أن الفيلم مثل نقطة فاصلة شكلت بداية مرحلة جديدة واعدة بالكثير والكثير ليس للبرازيل فحسب وإنما للعالم بأسره.
فلم يتم اللجوء إلى المواد التقليدية في صنع نسخ الفيلم، ولم يتم أيضا استخدام آلة العرض المعتادة التي يتم وضع بكرات الفيلم عليها حتى يتسنى عرضه للمشاهدين في دار السينما، وبدلا من ذلك تم القيام بكل العمليات المتعلقة بهذا الفيلم بدءا من مرحلة الإنتاج مرورا بالتوزيع نهاية بعرضه على الجماهير من خلال تقنيات السينما الرقمية وحدها .
الغريب في الأمر أن البرازيل التي لم يكن لها سابق خبرة في مجال السينما الرقمية تربعت بغتة على قمة هذه الموجة الجديدة من موجات صناعة الفن السابع من خلال التقنيات التي تم اتباعها في فيلم (العاديون) والتي ربما تعد الأكثر تطورا على الإطلاق.ويقول (فابيو ليما) كبير مسئولي الإنتاج في شركة (شبكات راين) التي أنتجت الفيلم إن أهمية (العاديون) تكمن في إنه يشكل دليلا على أنه يمكن تنفيذ كل شيء في صناعة السينما باستخدام التقنيات الرقمية دون أن يؤثر ذلك بالسلب على جودة العمل.
وأضاف (ليما) الذي يقع مقر شركته في ساوباولو : إن جمهور المشاهدين أعجب بما شاهده على الشاشة كما أن الفيلم اعتبر مكسبا لصناعة السينما إذ أنه قدم حلولا لمشكلات تتعلق بالتوزيع أو بعمليات القرصنة.. وهو ما يجعله إحدى علامات السينما البرازيلية.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر لم يقتصر على السينما البرازيلية وحدها، بل شاركت فيه مدينة السينما الأمريكية (هوليوود) بمحاولات لم تتسم بالجدية الكافية، وذلك في ضوء المخاوف المتعلقة بتكاليف تحويل دور السينما العادية إلى دور سينما تعمل بالنظام الرقمي، إضافة إلى الهواجس الخاصة بإمكانية حدوث عمليات قرصنة وهو ما أبطأ كثيرا من الإيقاع الذي تتحرك به السينما الأمريكية باتجاه السينما الرقمية، إلا أننا سنجد أيضا على سبيل المثال المخرج الأمريكي (جورج لوكاس) مخرج سلسلة أفلام (حرب النجوم الشهيرة) يعلن أنه يعتزم عرض الجزء القادم من السلسلة خلال العام المقبل في دور عرض تعمل فقط بنظام السينما الرقمية.
أما في البرازيل فالمسألة تختلف كثيرا ربما جريا على المثل القائل (الحاجة أم الاختراع) فمن الصعوبة بمكان الوصول إلى العديد من المناطق في تلك الدولة التي تعد أكبر بلدان أمريكا الجنوبية قاطبة من حيث المساحة، وهو ما يجعل تكلفة عمل نسخ متعددة للفيلم ونقلها إلى المدن البرازيلية النائية أمرا باهظ الثمن.
والآن قدمت شركة (راين) نظام توزيع للأفلام السينمائية يتميز بانخفاض التكاليف، ويشتمل على إجراءات تستهدف التصدي لعمليات القرصنة، وهو ما يعني أن البرازيل تستعد للمضي قدما بخطوات هي الأكثر جراءة من نوعها حتى الآن على طريق السينما الرقمية من خلال هذا المشروع الذي سيتم من خلاله افتتاح نحو مائة دار سينما تعمل بالنظام الرقمي.
ومن المقرر أن يتم الافتتاح الرسمي لهذه الدور خلال شهر مايو القادم لتشكل الشبكة الأكبر من نوعها في العالم بأسره.
وقد يبدو هذا التقدم التقني الذي تحفل به البرازيل أمرا مفاجئا لهؤلاء ممن لا يعرفون عن هذه الدولة سوى أنها مرتع لأشياء ترتبط بالتسلية واللهو مثل الاستمتاع بحمامات الشمس، والرقص وكرة القدم، هؤلاء الذين ربما لا يدركون مدى عشق البرازيليين للتكنولوجيا الحديثة، فبالرغم من أن البرازيل تعد من بين الدول النامية إلا أن التقاليد الراسخة في البلاد إزاء الانفتاح على الآخر إضافة إلى حجمها السكاني الكبير يعني أن هناك عشرات الملايين من المواطنين قد تلقوا تعليما عاليا ولديهم شوق جارف للتقنيات الحديثة.
ويمكن لنا هنا ضرب العديد من الأمثلة على ذلك الأمر، فمعدلات استخدام الإنترنت في البرازيل تعد من بين أعلى المعدلات في العالم النامي، فما يقرب من 95% من دافعي الضرائب في البلاد يقدمون إقراراتهم الضريبية السنوية عبر الشبكة العنكبوتية، إلى جانب ذلك تطبق البرازيل نظام تصويت إلكتروني بالكامل، وكذلك يعتبر النظام الإلكتروني الذي يحكم التعاملات المصرفية هناك واحدا من أكثر النظم تقدما في العالم، حتى قراصنة الحاسب الآلي البرازيليين يعدون من أمهر القراصنة في هذا الميدان، وهو ما دفع أحد الخبراء المرموقين في هذا المجال للتحذير من خطر هؤلاء القراصنة للقول إن البرازيل تعد موطنا للجرائم المتعلقة بشبكة الإنترنت وكذلك المُصدر الأول لها على مستوى العالم.
إلا أن البرازيل تعتبر أيضا مهدا لشرارة إبداع جرى تطويعها من خلال شركة (راين) لإيجاد حلول عملية مكنت الشركة في النهاية من تطوير نظام رقمي لتوزيع وعرض الأفلام السينمائية، فباستخدام برنامج (ميديا 9) الذي يعمل في إطار نظام (ويندوز) على الحاسب الآلي، استطاع مهندسو الشركة استخدام برنامج (إم.بي.إي.جي 4) لضغط أفلام الفيديو، ويتميز هذا البرنامج بسرعته وانخفاض تكاليفه عن البرنامج المستخدم حاليا.
ويمكن من خلال البرنامج الجديد ضغط الفيلم وتحميله على ملف لا تتجاوز سعته خمسة جيجابايت وهي مساحة تقدر بواحد على خمس عشرة من المساحة التي يمكن تحميل الفيلم المضغوط عليها باستخدام البرنامج الحالي.. وبعد ضغط الفيلم سيتم بثه عبر الأقمار الصناعية من الكمبيوتر المركزي للشركة في ساوباولو إلى دور العرض الرقمية في مختلف أنحاء البلاد، ومن الممكن أن تستغرق هذه العملية نحو عشرين دقيقة لإرسال فيلم مدته 90 دقيقة من المركز حتى دار العرض.
وتكفل هذه التقنية عرض الفيلم في دور السينما حتى في المدن النائية بالبرازيل في نفس لحظة عرضها في الولايات المتحدة وبريطانيا، كما أنها توفر الكثير من النفقات فيما يتعلق بتكاليف نقل وتوزيع نسخ الفيلم وكذلك تكاليف المواد الخام.
بالإضافة إلى ذلك تتيح التقنية الجديدة توسيع النطاق الجغرافي الذي يمكن خلاله توزيع الأفلام، كما أنها تتيح أيضا إمكانية البث المباشر على الهواء.
إلى جانب كل ذلك يستطيع موزعو الأفلام السينمائية من خلال تقنيات السينما الرقمية سحب الأفلام التي لم تحقق الإيرادات المطلوبة من دور العرض بشكل فوري دون أن يذرفوا دمعة واحدة على اتخاذ مثل هذه الخطوة، لأنهم لم يتحملوا من الأساس نفقات عمل نسخ الفيلم التي قد تصل في بعض الأحيان إلى 500 نسخة بالنسبة للأفلام الضخمة مثل (ماتريكس) و(ملك الخواتم). وربما توضح كل هذه النفقات التي يتكبدها موزعو الأفلام في البرازيل لماذا يعد معدل انتشار دور العرض السينمائي هناك من أقل المعدلات في العالم بأسره فالإحصائيات تشير إلى أنه توجد دار عرض لكل 105 ألف برازيلي، وهو معدل يقل كثيرا ليس فقط عن مثيله في الولايات المتحدة والذي يبلغ دار سينما لكل تسعة آلاف أمريكي بل أيضا عن مثيله في المكسيك والذي يصل إلى دار عرض سينمائي لكل 35 ألف مواطن.
وتفسر هذه النفقات الباهظة أيضا أسباب إقبال موزعي الأفلام المحليين في البلاد على استخدام تقنيات السينما الرقمية الجديدة، وقد يكون ذلك ما دفع المخرج البرازيلي (فالمير فرناندز) الذي يرأس أيضا شركة (سينمارك برازيل) وهي الفرع البرازيلي لسلسلة دور عرض سينمائي أمريكية تمتلك 272 دار عرض في مختلف أنحاء البلاد للقول بأن تقنيات السينما الرقمية تعد الواقع الجديد الذي قدمته لنا التكنولوجيا، محذرا من أن هذه التقنية ستستغرق وقتا حتى تبسط سيطرتها على مجريات الأمور.
ويتزامن هذا التطور التقني مع عام فريد من نوعه بالنسبة للسينما البرازيلية .. المشكلة هنا أن كلا من الموزعين وأصحاب دور السينما وأصحاب الاستوديوهات كلا من هؤلاء يريد أن يتحمل الآخرون تكاليف التقنية الجديدة، إضافة إلى أنه حتى يتم البدء في إنتاج أفلام تعرض خصيصا في دور السينما الرقمية، لن يكون هناك عدد كاف من الأفلام لتبرير التخلي عن التقنية الحالية في العرض السينمائي.
أكثر من هذا وذاك أن برامج الحاسب الآلي المستخدمة في ضغط الأفلام التي سيتم عرضها بهذه الطريقة، تعد أسهل في التعامل معها من البرامج السابقة، وهو ما يثير مخاوف شتى حيال إمكانية الحصول عليها بصورة غير مشروعة.
ويعد المستفيد الأكبر من استخدام تقنيات السينما الرقمية هم هؤلاء الموزعون المستقلون إلى جانب المنتجين الذين لا يرصدون مبالغ كبيرة لتصوير أفلامهم ممن لا يستطيعون في بعض الأحيان تدبير خمسين ألف دولار لعمل النسخة الأصلية من الفيلم، والذين يعدون في الوقت نفسه أقل تعرضا لخطر القرصنة.
وفي النهاية يؤكد (فالمير فرناندز) الذي عمل من قبل كمخرج مع موزعين ومنتجين من بين هؤلاء (إنه بغض النظر عن أية تداعيات قد تحدث إلا أن التقنية التي توصلت إليها شركة (راين) قد ولدت لتبقى)، مضيفا أن هوليود قد تعارض تعميم مثل هذه التقنية لمبررات تتعلق بالخوف من عمليات القرصنة أو خشية من أن تفقد مدينة السينما الأمريكية هيمنتها على العالم في هذا المضمار، إلا أنه لا يمكن أن يتم إيقاف العجلة بعد أن بدأت في الدوران.
وتأمل شركة راين من خلال عدة اتفاقات أبرمتها مع شركاء أمريكيين وبريطانيين أن تبدأ في نشر التقنية التي توصلت إليها في مجال السينما الرقمية على الصعيد الدولي.
ويقول (فرنانديز) ثانية (إننا هنا لأن ما نحن بصدده أمر لا يمكن التراجع عنه)، مضيفا (أن لدينا تقنيات هي الأكثر كفاءة من تلك التي كانت تستخدم في السابق، (وفي المستقبل) لن تكون هذه التقنيات على نفس النمط الذي حددته راين بل إنه سيكون لها نمطها الخاص.. المسألة مسألة وقت لا أكثر).
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|