من الرسم إلى الجيوش مروراً بتحليل مباريات كرة القدم..
الكومبيوتر ينتشر ببطء ليحل محل الإنسان
|
* ابراهيم الماجد
بدأت الكومبيوترات الحلول مكان البشر، وعلى اكثر من جبهة حقق جهاز الكومبيوتر تقدماً على الإنسان فيما لم يكن يستطيع القيام به غيره. وفي هذا الجو من التنافس غير المتكافئ تبدو ملامح مستقبلية غير مطمئنة، فالكومبيوتر في طريقه إلى الهيمنة علينا وطردنا من وظائفنا ووضعنا في خانة لا نُحسد عليها. وربما أخطر ما بدأ الكومبيوتر بفعله هو تقديم الاعمال الفنية والتحليلات العسكرية وصولاً إلى توقع نتائج مباريات كرة القدم وغيرها من الوظائف التي بقيت وقفاً على البشر وصفة ملازمة لهم لآلاف السنين. فهل يأتي يوم تصبح فيه أجهزة الكومبيوتر قادرة على التأليف الموسيقي، أو التحول إلى فلاسفة أو علماء فيزياء أو فنانين وما إليه من النشاطات البشرية؟
تقوم حالياً مشاريع علمية عدة تهدف إلى تطوير ما يعرف بالذكاء الاصطناعي لجعل الكومبيوترات قادرة على تحقيق ما يمكن تسميته الابداع الرقمي في المجالات المختلفة. ومن المتحمسين لهذا المشروع هارولد كوهين، الذي امضى حياته المهنية في تصميم برنامج يعرف باسم (آرون) يملك القدرة على رسم لوحات تشكيلية فنية أصيلة لا تقلد شيئاً مما هو معروف. ويقول هذا الباحث: (لقد بدأنا للتو تلمس القشرة الخارجية للذكاء الاصطناعي للأجهزة).
وتمكّن هذا العالم من تأسيس قاعدة معلوماتية في برنامجه تؤهله لتكوين درجة من الذكاء المستقل نسبياً حول الأشكال البشرية وكيفية تحركها وسيرها، وكيفية تحريكها فرشاة الرسم، وكيفية الرسم. ويعمل برنامج آرون من خلال استخدام آلاف البرامج الفرعية وربطها والتفاعل بينها من أجل إبداع أعمال فنية تشكيلية (جميلة). ويقول خبراء ان من شأن هذا التفاعل في برنامج آرون إيصاله إلى حدود الإبداع التي يحتكرها الكائن البشري، وهو ما يمكّنه من صنع اعمال فنية مريحة للعين، وفيها ملامح عاطفية، حتى إن بعضها صار معروضا في بعض الصالات والأروقة الفنية.
إلا أن صاحب البرنامج يقول إن آرون يمكن أن يعتبر مبدعاً من الطراز الثالث لا أكثر، ولا يستطيع أن يكون مبدعاً إلى حدود نسج سلة من الخيوط مثلا، وليس له الذكاء الكافي لصنع شمعة. ومن الأشياء التي تنظّم برنامج آرون بعض الانظمة المتطورة التي تسهّل عمله، لكن صاحبه ترك له بعض التعليمات العشوائية كي يتمكن من الخروج بعض الشيء عن سلطة تلك الأحكام. ولكن هل يجعل هذا من برنامج آرون أكثر قدرة على الإبداع من بعض البرامج الكومبيوترية الأخرى التي يمكنها القيام ببعض النشاطات التي يمكن أن يطلق عليها صفة إبداع بتحفظ شديد؟ يقول كوهين إنه يصمم البرنامج ويكتبه، والكومبيوتر هو الذي يقوم بالرسم وليس هو (أما من هو الفنان أنا أم آرون فهذا شيء لا أعرفه).
وفي السياق نفسه وضمن الحقل نفسه يقوم علماء في النمسا بتعليم كومبيوتر كيفية عزف البيانو على نحو قريب من الاسلوب البشري، ويسعون إلى جعله قادراً على تحسس الفروق والميول بين عازف وآخر للقطعة الموسيقية نفسها.
وكذلك.. حروب الكومبيوتر
لكن أن يكون الكومبيوتر فناناً ليس بمشكلة مقارنة مع الدور الذي توليه إياه جيوش العالم، فقد قال الأدميرال كريس باري قائد قوات الدفاع الأسترالية في مؤتمر في سيدني اخيراً ان لدى أكثر من 30 دولة في العالم برامج متقدمة لشن حرب من خلال الكومبيوتر. ويمكن أن تفضي هجمات الكومبيوتر إلى تدمير البنية الأساسية ومعدات الدفاع وتخريب الاتصالات وقوى الطاقة والأنظمة العسكرية في بلدان مختلفة في العالم.
ويضيف باري ان أكثر الدول عرضة للهجوم هي الدول المتطورة تكنولوجيا في مجال المعلوماتية مثل الولايات المتحدة وأستراليا ولذا يجب أن تحمي نفسها، فبرامج شن الحروب بواسطة الكومبيوتر تتسم بتدني تكلفتها وفاعليتها في الهجوم.
وتنبأ باري بأن مثل هذه البرامج قد تصبح جزءاً من أسلحة الدول خلال العقد المقبل وما بعده. وعن الاخطار قال إن ظهور إمكانات الحرب التكنولوجية في العالم وتطوّر أسلحة الدمار الشامل والتهديد المتزايد من المصادر العسكرية غير التقليدية هي جميعاً تحديات خطيرة للمنطقة ويجب مواجهتها.
اجتياح تدريجي
من دون أن يثير الانتباه، يواصل الكومبيوتر تقدمه في ميادين العمل البشرية، ومن يرصد انتشاره يتيقن أنها مسألة وقت قبل ان يصبح هذا الجهاز اكبر تحدٍ للجنس البشري. وقد يعتبر البعض ان ثمة مبالغة في تصوير الوضع، إلا ان الاخبار المتوالية عن الكومبيوتر الروبوت ستغيّر رأيهم. فالعلماء يتوقعون ان تنتشر في المستقبل غير البعيد روبوتات قريبة الشبه بالبشر تعتمد على كومبيوتر فائق السرعة يتضمّن برامج الكترونية خاصة بالذكاء الاصطناعي، تستطيع التحرّك والتعامل مع البشر في العديد من المهمات البشرية اليومية. ويتوقع بعض الخبراء ان يشهد العالم بحلول عام 2050 ظهور روبوتات عسكرية واخرى طبية للعناية بالمرضى والعجزة والاطفال.
ويقول عالم النفس في جامعة غلاسغو الاسكوتلندية، فرانك بوليك الذي يقوم حالياً بدرس حول التفاعل الاجتماعي بين الإنسان وقرينه أو نظيره الآلي الروبوت، انه في وقت ليس ببعيد سنشاهد مباريات كرة قدم لفرق مؤلفة من روبوت يدرّبها مبرمجو كومبيوتر ومهندسو اتصالات بدلا من المدربين الرياضيين! وليس من المستبعد ان تبدأ بعض الدول بعد خمسة عقود بالاعتماد على الروبوتات لقيادة قطارات الانفاق والقطارات السريعة.
لكن الأغرب في كل هذه المعلومات هو بدء الكومبيوتر بتوقع نتائج مباريات كرة القدم في كأس العالم، فقد تناولت بعض وسائل الإعلام أثناء كأس العالم الماضية لكرة القدم أن نظاماً معلوماتياً يعتمد على كومبيوتر مجهّز ببرامج للذكاء الاصطناعي توقع مواجهة البرازيل لإيطاليا في النهائي! إلا أن ذلك لم يحصل لأن ألمانيا كانت الطرف الثاني في مواجهة البرازيل.
.....
الرجوع
.....
| |
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 