علماء الحاسوب ينعون أنفسهم.. الكومبيوتر يهدد المهندسين بالجلوس على أرصفة البطالة آلات المستقبل لديها قدرة الحاسوب وذاكرة البشر
|
إعداد: محمد الزواوي
منذ وقت ليس بالبعيد صعد الناس إلى سطح القمر ورسموا طريقهم بواسطة المساطر المنزلقة وأقلام الرصاص والرسومات البيانية، أما الآن فنحن نعيش في ذلك العصر المعقد الذي لا تعتمد فيه حياتنا فقط على الحاسبات، ولكن فقط الحاسبات هي التي تستطيع تصميم الحاسبات. معطيات كثيرة تغيرت طوال هذه المدة وحدث الكثير من النجاحات التقنية ومن أبرز تلك المتغيرات ظهور أجهزة الحاسوب بمختلف أنواعها وتحسن قدراتها يوما بعد يوم. وما من شك في أن الحاسبات ربما كانت أكثر التطورات التقنية تأثيرا، غير أن السؤال الآن يتعلق بما يمكن لهذه الحاسبات أن تقوم به من المهام التي كان يقوم بها المهندسون في السابق، وما هو أكثر الأشياء إثارة في هذا المجال؟
الرجوع عشرين عاما إلى الوراء، عندما كان يتم تطوير معالجات من طراز 4bit لشركة موتورولا، ربما كان جزءا من الإجابة فقد عكف المهندسون لما يقرب من اثنتي عشر شهرا فقط لوضع الخطوط الأساسية لهذا المعالج. أما اليوم فيمكنك فعل ذلك في أقل من عشر دقائق، لذا فإن الحاسب اليوم قد استطاع أن يقوم بكل العمل الممل والمضني، مثل الرسومات والتخطيطات الأولية وكل تلك الأعمال الشاقة. أما الشيء الأكثر إثارة في عالم اليوم في مجال تصميم الحاسبات فهو أننا بصدد تقديم ثورة في مجال السيارات، فسيارات الغد سوف تكون أكثر ذكاء، وسيارة مثل BMW في غضون خمس سنوات سوف تحتوي على ما يقرب من مائة وخمسين معالجا بداخلها.
حاسبات تسمع وتحس
إنجاز آخر في عالم الحاسبات هو ما يتعلق بالأفلام فبغض النظر عن رأيك في آخر جزء من أجزاء فيلم حرب النجوم، فإن كل إطار من ذلك الفيلم يعد عملا فنيا مرئيا، ولكنه أكثر من مجرد فن، إنه نافذة تحتوي على عدد هائل من الحسابات والابتكارات الهندسية والمواهب الفذة، وكل تلك الأشياء كان يتم عملها يدويا في الماضي وبجهد مضن للغاية.
أما الشيء الأكثر إثارة فهو أن الصور المتحركة استطاعت أن تجبر الآلات على أن تجعل العين تفهم الصوت والصورة معا، فالصور المتحركة استطاعت أن تدفع حاستي السمع والبصر إلى مجال الحاسبات. غير أن سؤالا آخر يطرح نفسه في هذا المجال وهو عما إذا كان سيقوم الحاسب في يوم ما باستبدال أصابعنا ولماذا يجب علينا أن نقلق على أناس مبدعين يستطيعون استخدام أصابعهم بمهارة وإتقان وينتجون إبداعات رائعة من أن تأخذ أجهزة الحاسوب مكانهم؟
وقد حاول بالفعل أناس في الماضي استبدال أنامل العازفين على البيانو بأجهزة مبرمجة على الحاسب وليس غريبا أن تأتي المحاولات من أناس عازفين فهم يودون أن ينعوا أنفسهم.
إن كل ما عليك هو أن تضغط على الزر المناسب في الوقت المناسب، لذا فإنها عملية محسوبة وتتكرر.
التصميم المعماري
ومن الإنجازات التي أثرت في حياتنا على مر العشرين عاما الأخيرة هو استخدام الحاسب في التصميم المعماري، ففي اليابان يمكنك أن تظل في بناية ولا تقلق بشأن الزلازل، فتصميمهم للمنازل الآمنة أصبح بجودة عالية، والفضل يرجع من بعد الله للحاسبات، والبعض يحاول تجريب مقدرته على استكشاف ال DNA والحامض النووي والبروتينات بالحاسبات وهذا أمر مذهل بالفعل، كما أن البشرية على وشك الوصول إلى كشف علمي جديد في الهندسة الحيوية، والتي سوف تكون المستقبل في العشر سنوات القادمة.
إن أول شيء تفعله عندما تحصل على حاسب اليوم؟ هو أن تقوم بربطه بشبكة، فذلك الذي يجعل الحاسبات شيقة وهي أنها تتفاعل مع بعضها البعض، إن أعظم تغييرفي الحاسبات هو أننا نستطيع تحويل العالم إلى قرية كونية؛ فيمكننا أن نجري محادثات فورية عن طريق شبكات الحاسبات اليوم، كما أن الاندماج ما بين الحاسبات والاتصالات هو أعظم انجاز حدث في العقدين الأخيرين.
أما بالنسبة للمستقبل، فإن واحدا من أعظم التساؤلات هو إذا ما كان البشر عبارة عن حاسبات بيولوجية أم لا، وإذا ما كانوا كذلك فربما في يوم من الأيام يمكننا أن نحاكي الناس عن طريق ماكينات العالم Turing، وإذا ما استطاعت نظرية Turing أن تنطبق على البشر، فإننا في يوم من الأيام سوف نعيش في عالم نجد فيه أن الآلات والبشر قابلان للتبادل.
آلات بشرية
وهذا في اعتقاد البعض يعني أن الآلات لن تحل فقط محل المهندسين ولكن ستحل محل البشر أنفسهم ففي العشرين أو الثلاثين عاما القادمة سوف تكون هنالك آلات لديها قدرة الحاسوب وذاكرة البشر، طبقا لقانون مور Moore، ولكننا لا ندري بعد كيف سنقوم ببرمجتها لكي تتفاعل بصورة طبيعية مع البشر، إذن فالمشكلة كلها تتعلق بالبرمجة.
ولكن هناك مشكلة أخرى تستحق الاهتمام، وهي ذلك الكم الهائل من البرمجيات الخاطئة التي تنتج في كل عام، فدعونا نفترض أن هناك عشرة ملايين برنامج في العالم، ويوجد بهم عشرة آلاف سطر من البرامج في كل واحد منهم، فهذا كم هائل من البرمجيات، ولكننا لا ندري كيف ننتج برنامجا خاليا من العيوب، ولذا يجب صيانة تلك البرامج، ولكن من الذي سيقوم بصيانة المليارات من السطور البرمجية التي يتم إنتاجها كل عام؟ وثمة من يأخذ منحى معاكسا لذلك تماما فلا يرى أن الحسابات بحال من الأحوال قريبة من أن تستبدل المهندسين، فالحاسبات تقوم بالعمل الفرعي، أي العمل المضني والكثير فالحاسبات جيدة في التذكر، في فعل الأشياء المتكررة، ولكنها لا تستطيع الابتكار، يجب على شخص ما أن يعطيها التعليمات وكيفية العمل وأين ومتى، أي أنها تبدع في الانجاز وليس في الابتكار.
تعريف الإبداع
وهذا يقودنا إلى طرح السؤال التالي: ما هو الإبداع؟ إن أقرب إجابة إلى الذهن تقول: إن الإبداع هو أن تبتكر شيئا ليس ظاهرا أمامك.
لقد كتب آرثر كوستلر كتابا بعنوان «حركة الإبداع» تطرق فيه إلى ذلك الموضوع.
وقال إنه ذلك الشيء غير المتوقع الذي يأتي من خلال رؤية شيء ما ولكن بمنظور آخر، ذلك التداخل بين شيئين مختلفين أو فكرين مختلفين، والنكتة الكوميدية مثل ذلك، فهناك المقطع الأخير في النكتة، هناك نقلة، ولكني أعتقد أن هناك مرحلة تأتي قبل مرحلة الإبداع، والسيد دوج لانت من مؤسسة Cycorp لديه موقعا على الإنترنت يتحدث عن ذلك.
وقد كان يحاول أن يطور قواعد لإدراك الفكر والاستنتاج، لذا سوف يكون لدى الحاسب تلك القواعد، مثل: يجب عليك أن تحمل كوبا من الماء وتكون فوهته إلى أعلى؛ الجميع يعلم ذلك، ولكن الحاسبات لا تعلم.
لذا فإن لديه ما يقرب من 60 شخصا عملهم فقط قراءة الصحف ويفكرون في كل جملة، ويحاولون أن يفطنوا إلى ما يجب معرفته لكي نفسر جملة ما.
وقد قاموا بتطوير ما يقرب من ثلاثة ملايين قاعدة أساسية، ويمكنك أن تذهب إلى موقعهم على الإنترنت لذلك ولديهم قواعد شاملة لهذه المبادئ للإدراك العام، سيكون لديهم في يوم من الأيام كل القواعد، وهم يعملون في ذلك منذ خمسة عشر عاما.
وإذا ما كنت لا تعرف كيف تحمل كوبا من الماء، فإن الأمر أصعب بكثير عندما تريد أن تفكر في الإبداع.
توظيف مثير
إن أكثر شيء مثير في أمر تصميم الحاسوب هو استخدام الحاسبات خارج مجال الحاسبات، وهناك مثال كبير على ذلك وهو الجراحة عن طريق الحاسبات، فأصبح لدينا الآن آلات لا تزيد فقط من تحكم الطبيب عن طريق السيطرة على حركاته وتقليل نطاق أخطاء يده، ولكن أيضا تستطيع التقليل من رعشات يد الجراحين، وبذلك يستطيع الجراح أن يعمل داخل مستوى أدق من التفاصيل عما كان يقوم به في الماضي، مما أدى إلى زيادة قدرات الجراحين ومن ثم مساعدة الآخرين.
ومن المجالات التي تستخدم فيها الحاسبات فيما يتعلق بالتصميم، والتي لم يكن يفعلها في السابق سوى المهندسون إنك لا تستطيع بناء حاسب اليوم بدون الاستعانة بالحاسب، لا يمكنك أن تصمم نظمه، لا تستطيع أن تصمم أجزاءه، ولا تستطيع على الإطلاق أن تصمم برنامجا بدونه، لذا فإنه أداة إنتاجية، لذا فإنه في المستقبل سوف تستمر الحاسبات التي نراها اليوم في التعلم من المجالات الأخرى والأماكن الأخرى، سوف تتعلم منا، سوف تتعلم من العلوم الحية والعلوم البيولوجية: كيف نستطيع وضع كل هذه الأشياء معا، كيف نقوم بترتيبها، كيف نحركها، كيف نجعلها تلقائية، هذه كلها تحديات هامة.
وقد فعلت صناعة الحاسبات بالفعل مثل هذا الخليط المعقد المذهل بأشياء نستطيع بالكاد إدارتها.
حاسبات تبني نفسها
وفي هذه المرحلة، نحن بحاجة إلى بناء أنظمة حاسبات تعني فعليا تركيب نفسها بنفسها، وتشخيص مشاكلها بنفسها، وعلاج نفسها بنفسها، وإذا لم نقم بفعل ذلك، فإننا بذلك نتأخر، والتكنولوجيا سوف تستمر في النمو والازدياد، وعندها لن نستطيع أن نقدر القيمة الاقتصادية لأي شخص.
أما الأشياء التي نستمتع بمشاهدة الحاسب وهو يحل محلها فيما يتعلق بالمهام هي تلك الواجهة الرقمية التي تحاكي الواقع وهي بين العالم الرقمي والعالم الحقيقي، فيمكننا أن نبني سيارات محاكاة على الحاسب، ويمكننا أن نختبرها أيضا بدون أن نقوم ببنائها فعليا أو تحطيمها في حوائط حقيقية.
يتحدث الجميع عن كيفية نقل الحاسبات لنا إلى الأمام، لذا يجب أن نبين كيف نقلتنا الحاسبات إلى الوراء، إن الاختلاف الحقيقي هو أننا منذ عشرين عاما عندما كنا نقوم بعمل رسم بياني لأحد العروض كنا نذهب إلى قسم الرسم بأنفسنا أما الآن فبامكاننا أن نفعل رسوماتنا تلقائيا، كما نستطيع أن نكتب تقاريرنا على الحاسب بأنفسنا، كذلك نقوم بإجراء جميع حجوز السفر إذاً فإن السكرتير قد ارتفع إلى أعلى والآن تقوم بعمل ذهني حقيقي، وهذا ما غير طريقة تفكير وحديث المهندسين؛ فقد بدأنا في التفكير بطريقة النقاط المحددة، وأصبحنا نتحدث عن طريق برنامج «باور بوينت»؛ فكم من الوقت نقضيه الآن في كتابة تقاريرنا والتفكير في طرق تخيلية لاستخدام برنامج باور بوينت في اليوم؟ وهذا ما ينقلنا إلى الوراء.
أبعاد أخرى
وهناك بعد آخر عند تصميم أجهزة معينة أو حتى عدسات حتى لمن لم يقم بذلك من قبل فإن برنامج الحاسوب سيضع التصميم المناسب أمامه، وكثير من التصاميم التي نشاهدها أمامنا والتي تلاقي الإعجاب هي في الأصل من تصميم برامج حاسوبية.
وإذا ما وصلنا إلى المرحلة التي لا يفهم فيها أحد ما يقوم به الحاسب، فإننا إذن في مشكلة عميقة، لأننا وقتها لن نستطيع أن نضيف أية خطوات للأمام، مما يجعل من الضرورة أن يكون لدينا أناس يفهمون الأساسيات الكاملة من البداية.
لذا فإننا بحاجة ماسة إلى المهندسين.. وإذا ما نظرنا في تاريخنا الإنساني، فإننا قد خضنا حروبا، وتعثرنا كثيرا خلال حياتنا الإنسانية، لذا فربما تستطيع الحاسبات أن تنطلق في اتجاه آخر بنوع آخر من الذكاء يمكن التنبؤ به أكثر ويكون أكثر أمانا في الوقت ذاته، فلقد سمح للبشر بالتطور خلال آلاف السنين، فلماذا لا نسمح للحاسبات، بذلك؟ أن هذا نوع من الاستعلاء البشري، فنحن بذلك نقلل من شأن الحاسبات.
أناس من نوع خاص
إننا ندفع بالمهندسين خطوات إلى الأمام وإلى مستويات أعلى على المستوى التجريدي، ولكننا أيضا ندفع في اتجاه العالم الحقيقي، إن الهندسة أصبحت أكثر تقدما في مجالها، وأكثر تقدما على المستوى التجريدي، كما أنها بحاجة إلى أناس يستطيعون أن يتشربوا تلك الأفكار في العالم الحقيقي، فأنت لا تستطيع أن تتعلم كل شيء في الجامعة أو حتى في الدراسات العليا، لذا فنحن بحاجة إلى أناس واسعي الأفق ولديهم عمق فيما يتعلق بالمستقبل، وأناس يستطيعون التعلم بصورة مستمرة.
ولكن ثمة من يرى ان أكثر الأشياء المحيرة عن الحاسبات أنها تقوم بتسطيح كل شيء، وذلك يعني أن الأشخاص الذين يعملون في مجال التكنولوجيا الحيوية يمكن أن يتبادلوا نفس الأكواد البرمجية مع الأشخاص الذين يقومون بتصميم السيارات، لأن كل ذلك يسير من خلال نفس المصفاة الرقمية الواحدة، حقا أن ذلك شيء مذهل، فعلى سبيل المثال منذ خمسة وعشرين عاما مضت عندما تم ابتكار سلسلة حرب النجوم لم يكن هناك برنامج معالج كلمات، فقد كان فقط إصبعان للكتابة على آلة كاتبة من طراز Underwood.
أما الآن فيوجد فيلم رقمي بكامله، والأمر ليس بحاجة إلى تأجير ممثلين حقيقيين، لذا فمن الصعب أن نتنبأ عن المدى الذي سوف نصل إليه في الخمسة وعشرين عاما القادمة، فيما عدا أن ذلك سوف يكون قفزة أكبر بكثير مما كنا عليه منذ خمسة وعشرين عاما مضت.
أعظم تغيير
أما إذا ما رجعنا عشرين عاما إلى الوراء فإن أعظم شيء تغير في حياتنا هو الإنترنت، لقد غيرت حياتنا تماما بالفعل، وأعظم شيء فيه أننا لم نستطع التنبؤ بأي من ذلك.
لنفترض للحظة أن ما ذكر حقيقي بالفعل، وأننا نقوم بتصميم أشياء معقدة للغاية تصعب على أي شخص أن يفهمها، فما تداعيات ذلك؟ أنك تحتاج إلى مزيد من الفهم للآلة.
هل لا ينبغي علينا أن نهتم بأنه لا يوجد شخص واحد يعلم ما الذي يجري داخل الآلة؟
إن ذلك كان صحيحا لمدة مائة عام، ومائتي عام، وخمسمائة عام، بمعنى أنه إذا ما نظرت إلى الماضي، فلم يكن أحد يفهم كل شيء على الإطلاق، فانظر إلى الطريقة التي تأكد بها الرومان أن الجسور التي بناها مهندسوهم كانت تعمل على ما يرام، ولنطبق ذلك على مهندسي البرمجيات، فلقد قام الرومان بوضع مهندسيهم تحت الجسر ثم ساروا من فوقه ليتأكدوا أن الجسور قوية، وذلك هو السبب أن جسورهم لا تزال باقية حتى الآن في روما.
البرمجيات الجينية
اليوم نرى الحاسبات يتم تصميمها بطريقة لوغاريتمية غير ثابتة وغير قياسية، فعلى سبيل المثال البرمجيات الجينية أو الشبكات العصبية ومثل تلك الأشياء، والتي ربما لا نفهم ما نقوم بعمله فيها فعليا، والآن نتحدث عن جيل جديد من الحاسبات ـ الحاسبات الكمية ـ والتي لا ندري حتى الحسابات متوسطة التعقيد فيها كيف تحدث، لأننا لا نستطيع أن نعلم. لذا دعونا نستنتج قليلا إلى الأمام في المستقبل، إذا أصبح لدينا نظام لوغاريتمي جديد، هل لن نبدأ في توسيع نطاقه بالطريقة التي تحدث عنها مايكل كريكتون في فيلم حديقة الديناصورات، والتي لا نعلم ماذا لدينا فيها وأين سوف نذهب؟ في كتاب ستيف وولفارم الجديد «نوع جديد من العلم» الذي تبنى فيه فكرة أن برنامجا بسيطا جدا يمكن أن يحتوي على سلوك معقد للغاية، والعاملين في مجال علوم الحاسبات يعلمون ذلك على مر عقود كثيرة، فمن يعلم ما هو القانون الذي يحكم سلوك الكون الذي يدل على أن هناك تعقيدا حادثا وتعقيدا أساسيا، ولنستخدم المصطلحات التي استخدمها فريد بروكس في «الرجل الأسطوري». إن لدينا مستقبلا حافلا في العلم في محاولة اكتشاف العمليات الخلفية التي تحدث في الكواليس، إن النظرية الكلية المتوحدة ربما لا تكون في شكل معادلات رياضية ولكن في الواقع ربما تكون في شكل لوغاريتمي يحاكي البرامج.
الحاسب مصدر القلق
لقد أصبح الإنترنت بالفعل لا يمكن الاستغناء عنه لاقتصادنا، وهو يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الهاتف والكهرباء الآن، لذا فنحن نعتمد الآن على شيء لا نفهمه بالكلية، وهو يزداد تعقيدا، ألا يعد ذلك مصدرا للقلق؟ من يصدق أننا استطعنا الوصول إلى سطح القمر في عام 1969 بدون الحاسبات؟، تخيل أنك تمكنت من الصعود إلى هناك معتمدا على الحاسب، ولكن في لحظة ما ربما يحدث خلل في النظام.
حياة حاسبات المستقبل
ما سبق يشير إلى أننا هندسنا أنواعا جديدة، إن تعريف «الحياة» في معظم كتب علماء البيولوجيا هو شيء يستطيع أن يكرر نفسه، شيء يستطيع أن يدمج الطاقة من العالم الخارجي، شيء يستطيع أن يكون جزيئات دقيقة... إلخ، وهذه الأشياء من العلامات الكبرى فيما يتعلق بالحياة، وانجيلا بيلشر التي تعمل الآن في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا صنعت فيروسا يتكون من مركبات غير عضوية واستطاع أن ينتج سائلا بلوريا، لذا لا يوجد أي بحث يغطي جميع ظروف الحياة، هل ستكون حاسبات المستقبل قادرة على إعادة إنتاج نفسها؟ هل سوف تكون لديها «حياة»؟ وهل تعتقد أن فيروسات الحاسبات حية؟ إن تعريف الحياة ينطبق عليها أيضا، فهم يحصلون على الطاقة من الأجهزة التي تسيطر عليها، وتستطيع تكرار نفسها. ولكن فيروسات الحاسبات لا تستطيع أن تنتج جزيئاتها بنفسها. هنا يجوز التساؤل عما إذا كانت الحاسبات سوف تبدأ في النهاية في تكرار نفسها، وخاصة إذا ما انتقلنا إلى منطقة الحاسبات البيولوجية، وهناك بالفعل تجارب على الـ DNA تستخدم لكي تقوم بإجراء حسابات، وفي خلال ما يقرب من عام سوف نقترب من حاسبات لها نفس القدرة على إجراء الحسابات مثل العقل البشري.
المعضلة الكبرى !
إن المعضلة الكبرى تتمثل في وجود برمجيات تستطيع أن تعيد ضبط نفسها وتخترق الإنترنت والشبكة العنكبوتية وتغير كل البرمجيات على الأرض، وعندها لا تستطيع أن تفعل أي شيء في مجال مكونات الحاسب يمكن أن يؤدي إلى أي تغيير. فمنذ عامين مضيا، سمعنا أن ناثان ميرفولد والذي كان يعمل فــي شركة مايكروسـوفت آنــذاك، قـد صـنع رسـما بيانيا، وكان الرسـم يقول: «هـذا هـو قانـون مـور» مشـيرا إلى أن قـدرات الحاسبات تتضاعف كل ثمانية عشـر شهرا. وقال: «وهذا هو عدد الخطوط للأكواد التي يطورها مطورو البرمجيات حول العالم» وأخذ المنحنى نفس الارتفاع تقريبا. وفي نهاية الحديث سئل «هل تعلم شيئا يا ناثان، لم أرك قد أدرجت رسما بيانيا يشير إلى زيادة عدد المهندسين وأنه يرتفع بصورة ثابتة إلى جوار الحاسبات والبرمجيات، فمن الذي كتب كل هذه الأكواد البرمجية؟» فهل تؤدي آلات مثل الحاسبات إلى الحاجة إلى مزيد من المهندسين أم إلى تقليل عددهم؟ إذا ما كان ينبغي علينا جميعا أن نكون مهندسين وتقنيين في الوقت ذاته، لماذا ينبغي على الشخص العادي والذي ليس تقنيا أن يخشى من شكل الحاسبات وما ستؤول إليه وماذا ستفعل في المستقبل؟ إن الأمر بسيط للغاية، لأن هذه الحاسبات هي التي تدلنا كيف نعمل وكيف نعيش وكيف نلعب.
العالم الافتراضي
وبصورة مبسـطة مثلا عندها لن تكون هنا في ذلك المكان، ولكنك سوف تكون عبارة عن شكل هلامي مجسم، وسوف تستطيع أن تتناول عشاءك في منزلك الليلة لأنك عندئذ سوف تستطيع أن تأتي إلى هنا على شكل هلامي مجسم، ويمكننا أن نطبق ذلك على كافة أشكال الواقع الافتراضي. نعم، نحن بالتأكيد قد دخلنا العالم الافتراضي، كيف نتفاعل مع الأشخاص والمؤسسات، أي القـواعد نسـتخدم... إلخ، كل ذلك لم نستكشفه بعد، نحن سنكون بحاجة إلى المزيد من الأشخاص الذين لديهم فهم أعمق للتكنولوجيا، ربما لن نكون في حاجة إلى تسميتهم بمهندسين، ولكنهم ينبغي عليهم أن يفهموا المعتقدات التكنولوجية لكي يكون لدينا مجتمع خلاق مبدع. أما لماذا ينبغي على الشخص العادي أن يهتم بذلك فهو لأن هذا ما سيفعله من أجل كسب رزقه، فإذا ما انتقل المهندسون إلى مستويات أعلى من الفهم ومن الأعمال، فحينئذ سوف يكون هناك فراغ بالأسفل وعندها سيتحتم على الشخص العادي أن يملأ هذا الفراغ باستخدام الحاسبات. وفي الواقع إذا ما وضعنا في اعتبارنا بأن العلوم الحيوية سوف تكون علوم القرن الحادي والعشرين، إذاً ما قلقت بشأن حياتك المستقبلية، إذن يجب عليك أن تهتم بالحاسبات، فلن تعيش حياة مديدة بدونها.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|