هناك العديد من العوامل التي تحكم على نجاح التقنية في حياتنا، من أهمها الثقافة وعادات الشعوب. ومؤخرًا فشل نظام i-mode الخاص بخدمات المحمول في جذب انتباه السوق في الغرب، بعد أن تخلت عنه شركتا الهاتف المحمول البريطانية O2 والأسترالية Telstra.

وقد وعدت تلك الخدمة في أولى سنواتها بأن توصل خدمات الهاتف المحمول التجارية إلى الجميع، واستطاعت أن تجمع أكثر من 40 مليون عميل في وطنها الأم في اليابان، ولكن لماذا فشلت خارج اليابان بعد أن وعدت بإحداث ثورة في عالم الهواتف المحمولة؟

فقد حقق هذا النظام نجاحاً ملحوظاً في اليابان، وبناء على ذلك قامت شركة Telstra بإطلاق خدمة i-mode في نوفمبر عام 2004 وكانت مقتنعة تمامًا بهذه الخدمة لدرجة أنها حصلت على رخصة حصرية لمدة خمس سنوات في أستراليا، وتبعتها شركة O2 بعام تقريبًا في بريطانيا، وعرضت 4 أجهزة محمول جديدة تعمل بنظام i- mode في سبتمبر عام 2005، وأنفقت 20 مليون جنيه إسترليني على تلك التقنية.

وتقنية i-mode هي الأكثر شمولاً، فهي تشتمل على أنظمة فواتير تسمح لطرف ثالث بتحصيل أموال من المستخدمين نظير الدخول إلى محتوياتها وتحصل على نسبة من جراء ذلك، كما أدت إلى تسريع عملية تطوير التطبيقات الأخرى في عالم الهاتف الجوال. وقد كانت الصور الجميلة والأصوات الرائعة هي التي جذبت الشركات لتلك الخدمة، في حين كانت لا تزال خدمة الواب تمثل الصورة الصامتة أحادية الألوان.

ولكن نجاح i-mode في اليابان يمكن عزوه للبيئة والتقاليد أكثر من الأشكال الجميلة وأنظمة التحصيل: ففي الثقافة اليابانية لا توجد غرف خاصة للأطفال، كما لا يوجد ترفيه داخل المنازل، فالنشاطات الاجتماعية تؤدى في المطاعم والنوادي والمقاهي، لذا حظي الدخول على الإنترنت من الهواتف المحمولة بشعبية كبيرة.

وعلى الجانب الآخر استحوذ البث التلفازي عن طريق الموبايل في إسبانيا على نسبة كبيرة وذلك لعدم انتشار أجهزة التلفاز في غرف المراهقين، فقد أثبتت الإحصاءات أن أكثر من 40% من مشاهدة التلفاز عبر الموبايل يتم في غرف المراهقين، أما في بريطانيا فتنتشر التلفازات في غرفهم، لذا لم يحظ البث التلفازي عبر الموبايل بتلك الشعبية.

فالتقنية الجديدة والألوان الرائعة والبث التلفازي لا تحقق نجاحًا بمفردها، ولكن يجب إجراء مسح ثقافي للسوق أيضًا قبل الخوض في تجارب تقنية جديدة تكلف ملايين الدولارات، فعادات الشعوب أصبحت محددًا مهمًا في معادلات الربح والخسارة في عالم التقنية الجديد.