التغيرات التقنية
|
يعنى الاقتصاد الدولي بالعلاقات التجارية والمالية بين الاقتصادات الوطنية، وأثر التجارة الدولية والتمويل الدولي في توزيع الإنتاج والدخل والثروة على مستوى العالم وفي داخل كل دولة على حدة.
وفي السنوات الأخيرة ركز الاقتصاد الدولي على سؤال محوري واحد هو: ما الوضع الذي سيكون عليه أداء الاقتصادات الوطنية في ظل العولمة، أي توحد العالم كله تقريباً في سوق عالمية أو كونية واحدة؟!.
حيث تمثل الارتباطات المتزايدة بين الدول ذات الدخل المرتفع والدول منخفضة الدخل أبرز معالم الاقتصاد العالمي الجديد.
كما أن هذا الارتباط يعد - من وجهة نظر المتحمسين للمعلومة - بتحقيق مكاسب متزايدة لكل من جانبي توزيع الدخل العالمي بفضل زيادة التجارة والنمو الاقتصادي الأسرع. أما المتشائمون فيرون أن التكامل بين الأمم الغنية والأمم الفقيرة إنما ينذر بالمزيد من التفاوت في توزيع الدخل في المجموعة الأولى وبالمزيد من الاضطراب في الدول الفقيرة.
إن ارتباط الاقتصادات الوطنية بالنظام الاقتصادي العالمي يتعمق عبر أربع قنوات هي التجارة والتمويل والانتاج والمؤسسات والاتفاقيات الاقتصادية.
لذا تخضع دلالات العولمة بالنسبة لكل من الدول المتقدمة والنامية في وقتنا الراهن لدراسات مكثفة.
فعندما بدأت العولمة في الانطلاق في العقدين الأخيرين ظهرت أشكال كثيرة ومثيرة من تدفقات رأس المال، فنمت بشكل بالغ الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفتحت كل من الدول المتقدمة والنامية اسواقها المالية للمشاركة الأجنبية.
والآن تجتهد كل من المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) ومنظمة التجارة العالمية (WTO) وبنك التسويات الدولية في البحث عن معايير دولية لتحرير تدفقات الاستثمارات الدولية والسيطرة عليها. يقول جيفري ساكس مدير معهد هارفارد للتنمية الدولية: ليس هناك جانب من جوانب العولمة أكثر إثارة للجدل من تأثير نمو التجارة على توزيع الدخل؛ فهناك مجموعة من الزاعمين التي تدعي أن العولمة هي عامل رئيسي من عوامل زيادة التفاوت في توزيع الدخل في كل من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
في الخمسة والعشرين عاماً المنصرمة ركزت نظرية الاقتصاد الدولي على نوعين أو شكلين من التجارة: التجارة بين الصناعة الواحدة والتجارة بين الصناعات المختلفة.
وعلى الرغم من الجهد الشاق الذي يبذله الباحثون لا يزال الاختلاف قائماً حول آثار الاقتصاد المعولم على توزيع الدخل داخل كل من الأسواق المتقدمة والنامية. والأمر الذي لا يشك فيه أحد هو أن فترة العولمة الدرامية خاصة خلال الثمانينات والتسعينات قد أدت إلى تزايد الاختلاف في توزيع الدخل. والحقيقة فإن السبب في اتساع الفجوة بين الدخول له وجوه متعددة، فقد تكون التجارة أحد المتهمين، وقد تكون التغيرات التقنية مثل ثورة الحاسبات هي المسؤولة؛ لأنها قد تحابي العمال المهرة على حساب العمال غير المهرة، وبالتالي المساهمة في تعميق الفجوة الدخلية. ويتفق معظم الباحثين على أن خليطاً من العوامل هو الذي يلعب دوراً في اتساع التفاوت في الدخول. إن بعض الملاحظات المتفرقة توحي بأن التفاوت المتزايد لا يعتبر مشكلة الدول المتقدمة وحدها، بل ومشكلة الاقتصادات النامية، فإذا كانت أجور العمال المهرة تزيد في كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء، فلا مفر من البحث عن أسباب أخرى لها تأثير أكبر وأكثر من مجرد الآثار التي تخلفها التجارة بين الصناعة الواحدة.
وقد تكون التغيرات التقنية واحدة من هذه الأسباب، وسبب آخر محتمل يتمثل في إعطاء العولمة دفعة جديدة لمبدأ انفراد الفائز بكل شيء (winner take all) في أسواق العمل.
ولا جدال في أن للعولمة آثاراً عميقة على السياسة على مستويات كثيرة، وأهم هذه الآثار هو طمس معالم الأسواق الوطنية في تعاملها مع الأسواق العالمية.
إننا نقف الآن وسط صراع بين اربع مجموعات رئيسية من القضايا التي يجري دراستها وتمحيصها: الأولى: هل ستكفل العولمة نمواً اقتصادياً أسرع لثلاثة أرباع البشرية (4.5 مليار نسمة) الذين يعيشون في الدول النامية؟!.
الثانية: هل ستؤدي العولمة إلى تطوير أم تدمير استقرار الاقتصاد الكلي؟!.
الثالثة: هل تشجع العولمة على المزيد من اختلال توزيع الدخل؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل تقتصر المشكلة على العمال قليلي المهارة في الاقتصادات المتقدمة أم انها نتاج تكثيف قوى السوق في جميع أنحاء العالم؟!.
الرابعة: تتمثل في كيفية توفيق المؤسسات الحكومية سلطاتها ومسؤولياتها على مختلف مستوياتها الاقليمية والوطنية والدولية في ضوء انبثاق السوق العالمي (الكوني)؟!.
كل ذلك قضايا جديدة وملحة، سوف تظهر كثيراً على شاشات رادارات البحث العلمي!!.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|