هل يمكن أن تخفف التكنولوجيا من وطأة المعاناة في إفريقيا؟
|
من الصعب تصديق أن 19 شاشة كمبيوتر مسطحة يمكن أن تعالج مشكلات هذا المجتمع الصغير في الشمال القاحل في جنوب إفريقيا الذي يصارع سكانه كل يوم الفقر والإيدز والجوع والأمية. غير أن شركة الكمبيوتر الأمريكية العملاقة هيوليت - باكارد ورئيس جنوب إفريقيا ثابو مبيكي يروجان لمراكز تكنولوجيا المعلومات الجديدة في ديبيتشي كبرنامج لكيفية إطلاق التكنولوجيا لحركة النمو ومعالجة الفقر في أفقر قارات العالم.
وخلال فترة الازدهار التكنولوجي التي بدأت في أواخر التسعينات أصبح تخطي الفجوة الرقمية في إفريقيا مقولة شائعة بين عمال الإغاثة والمسؤولين الحكوميين إلا أنها فقدت حظوتها لعدم الاستفادة من عدد لا يحصى من مراكز تكنولوجيا المعلومات في الريف، إذ أسيء فهم الهدف منها.
ويتساءل مشككون: ما جدوى الكمبيوتر حين يعاني الناس من الجوع ويفتك بهم الإيدز ويمنعهم الفقر من تعليم أطفالهم في المدارس؟
ولكن مع بدء شركات متعددة الجنسيات في الاستثمار في جنوب إفريقيا وأماكن أخرى في القارة فإنها تتعامل مع التكنولوجيا على أنها الدواء لكل أمراض التنمية.
وتقول هيوليت - باكارد: إن مشروع ديبيتشي سوف يساعد في توفير فرص عمل وتحسين الزراعة والتعليم. وقالت روزينا ليدوابا (39 عاماً) التي تعيش في كوخ صغير في القرية مع أطفالها الخمسة وزوجها: (أنقذت شخصاً من لدغة ثعبان سامٍ بعد أن تعلمت الإسعافات الأولية من على الإنترنت).
وبجوار حاوية الشحن التي طليت بألوان زاهية لتكون مقراً للمركز تشير فيفيان ماراكالالا بفخر لحديقة الخضراوات في القرية، حيث ينمو كرنب (ملفوف) مورق بعد أن تعلمت مجموعة من النساء أسلوب الري بالتنقيط من أحد برامج الكمبيوتر.
وقال ماراكالالا (27 عاماً): (لم أكن رأيت كمبيوتراً في حياتي ولكنني الآن أعرف كيف يمكن أن استخدمه.. بحثنا في الكمبيوتر ووجدنا معلومات بلغتنا عن كيفية استغلال الماء بشكل أمثل).
وبدأ الرئيس التنفيذي السابق لهيوليت - باكارد كارلي فيورينا ومبيكي مشروع مجتمع المعلومات وهو أحد مشروعين فقط من هذا النوع في العالم في عام 2002 في القمة العالمية للتنمية المستديمة في جوهانسيرج. ويوجد المشروع الآخر في كوبام بالهند.
وتدير المشروع بلدية موجالاكوينا في إقليم ليمبوبو، حيث يعاني 53 بالمئة من السكان من البطالة ويعيش عدد أكبر تحت خط الفقر.
ويدار المشروع بالتعاون مع الحكومة المحلية ويربط المكتبات والمراكز الثقافية والعيادات والمدارس حول بلدة موكوباني الرئيسية بالإنترنت ويضم مركزاً لتجديد أجهزة الكمبيوتر الشخصي ومركز اتصالات.. كما يشمل مراكز لتكنولوجيا المعلومات في قرى مثل ديبيتشي التي كانت حتى وقت قريب بلا مياه أو كهرباء ويصلها ببقية البلاد طريق واحد مترب.
وفي ديبيتشي وفي كثير من المواقع الأخرى تعمل أجهزة الكمبيوتر باستخدام تكنولوجيا الأقمار الصناعية ويأمل السكان أن يمثل وجودها ضغطاً على السلطات المحلية لربط قراهم بشبكة الكهرباء.
وتعترف ميريام سيجابوتسا إحدى مديرات المشروع بأن تعلم استخدام الكمبيوتر ربما لا يبدو أولوية واضحة في قارة تكابد الجوع والمرض ولكنها أصرت على أن يمكنه أن يحسن نوعية حياة الشخص العادي.
وقال لرويترز: (المسألة لا تتعلق بتعليم الكمبيوتر في حد ذاته، بل إتاحة الفرصة للناس للوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها).
وليست شركة هيوليت - باكارد الوحيدة التي توزع أجهزة كمبيوتر مجاناً. وتمول انتل كورب لصناعة الرقائق مراكز لتكنولوجيا المعلومات في بلدات وتقيم شركة مايكروسوفت العملاقة لبرامج الكمبيوتر (قرى رقمية) للوصول لنصف مليون من فقراء جنوب إفريقيا.
وطوّرت شركات الهاتف المحمول تكنولوجيا اللاسلكي لتستخدم في عدد لا يحصى من أغراض التنمية مثل الأعمال المصرفية منخفضة التكلفة للفقراء وتقديم خدمات بشأن الأسعار للمزارعين ومراقبة مرضى الإيدز في الضواحي مترامية الأطراف.
وأشيد بتكنولوجيا التليفون المحمول بفضل انتشارها السريع في إفريقيا غير أن بعض المعلقين يتساءلون ما إذا كان الكمبيوتر والإنترنت سيحققان نفس الفائدة.. فإذا كانت قلة فقط يمكنهم الاتصال بالإنترنت في أغنى دولة إفريقية أقلية فإن استخدام الإنترنت أكثر ندرة في باقي دول القارة، حيث السكان أكثر تفرقاً والموارد نادرة ولا يجرؤ سوى عدد قليل من الشركات متعددة الجنسيات على المخاطرة. وحتى إذا توافرت أجهزة الكمبيوتر لا يستطيع كثيرون استخدامها في دول بها بعض أعلى نسب الأمية في العالم.
وقال ارثر جولدستوك رئيس وورلد وايد ووركس لأبحاث التكنولوجيا في جنوب إفريقيا: (تخطي الفجوة الرقمية ليس هو نقطة البداية إذا لم نتخط فجوة الأمية.. يكمن الخطر في توصيل التكنولوجيا دون التأكد من قدرة الناس على استغلالها).
وأضاف أن مشروعات منفردة مثل مجتمع المعلومات الذي ساعد حفنة من الناس تفقد مغزاها حين يحرم ارتفاع تكلفة الاتصالات الهاتفية والاتصال بشبكة الإنترنت معظم الناس من وسائل الاتصال.
وتقول هيوليت - باكارد والحكومة: إن مشروع مجتمع المعلومات يهدف لإتاحة فرصة وليس تقديم معونة ويمكن محاكاته بسهولة.. كما تريد الشركة الأمريكية والحكومة المحلية تحويل المشروع لنشاط تجاري ربما يشمل تسليم مراكز تكنولوجيا المعلومات لممولين محليين على أمل أن يجري بعد ذلك إقامة مشروعات أخرى في العالم النامي تحقق الاكتفاء الذاتي في نهاية المطاف.
وقال مبيكي لحشد من القرويين خلال زيارة أخيرة للمشروع: (ديبيتشي تصنع التاريخ.. يمكن أن تبيّن لجنوب إفريقيا ككل كيف تتحقق التنمية).
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|