*إعداد - اشرف البربري
على مدى عشرات السنين ظلت قضية الرعاية الصحية وخطط النهوض بها بندا أساسيا في أي برنامج انتخابي لأي مرشح سياسي في الولايات المتحدة. وفي مجال الأعمال أيضا أصبحت خطط الرعاية الصحية محورا للتنافس بين شركتي مايكروسوفت وجوجل اللتين تتنافسان على الانفراد بمركز القوة العظمى في عالم الإنترنت والكمبيوتر. وتراهن كلا الشركتين على قدرتيهما على تمكين الناس من تحديد أفضل الخيارات فيما يتعلق بالعادات الصحية والرعاية الطبية انطلاقا من أدوات البحث الجيدة على الإنترنت والموارد الهائلة التي تتمتع بها الشبكة العنكبوتية والسجلات الشخصية الصحية على الإنترنت.
يقول الدكتور ديفيد برايلر المنسق السابق لتكنولوجيا المعلومات في مجال الصحة في إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش والذي يرأس حاليا شركة للاستثمار في المشروعات الصحية إن جوجل التي تدير أشهر محرك بحث على الإنترنت ومايكروسوفت أكبر منتج لبرامج الكمبيوتر في العالم تسعيان إلى تحويل المعلومات الصحية إلى سلعة استهلاكية.
ومن السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت تحركات جوجل ومايكروسوفت سوف تنجح أم لا في هذا المجال. يقول الخبراء إن مجال الرعاية الصحية من المجالات التي تزداد فيها القيود القانونية والسياسية وتعارض المصالح مما يقلل سرعة أي تغيير في حين أن التجارب تقول إن الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا تفتقد الصبر بسرعة ولا تميل إلى العمل في مجالات يحتاج فيها التغيير إلى وقت طويل.
كما أن كتابة اسم مرض في محرك للبحث على الإنترنت بالنسبة لأغلب الناس أمر يختلف تماما عن تقديم معلومات شخصية جدا عن الحالة الصحية للفرد إلى كيان عملاق كشبكة الإنترنت.
وتعترف مايكروسوفت وجوجل بوجود عقبات مهمة في الطريق وتعترفان بأن تغيير طريقة الناس في التعامل مع قضية الرعاية الصحية سوف يحتاج إلى وقت طويل. ولكن الشركتين تريان إمكانية تحقيق ذلك من خلال جذب أعداد كبيرة من عملاء إعلانات الأدوية والخدمات الصحية على الإنترنت. كما أن الشركات تقدم مزايا كبيرة للعملاء الذين سيستخدمون مثل هذه التكنولوجيا.
المعلومات الصحية
المعروف أن برامج مايكروسوفت تشغل حوالي 90% من إجمالي أجهزة الكمبيوتر الشخصي في العالم في حين أن محرك بحث جوجل هو نقطة الانطلاق الأساسية لأي شخص يريد البحث عن معلومة صحية أو طبية على الإنترنت. كما تزايد اعتماد الناس على الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر من أجل الحصول على معلومات ونصائح طبية. وقد أجرت مؤسسة هاريس للدراسات استطلاعا للرأي الشهر الماضي حيث قال 52% من البالغين الذين شملهم المسح إنهم يلجؤون إلى الإنترنت بصورة منتظمة للحصول على معلومات صحية وهو ما يزيد عن النسبة المسجلة عام 2001 التي كانت 29% فقط.
وإذا ما نجحت جهود جوجل ومايكروسوفت في جعل الإنترنت المصدر الرئيس للحصول على الرعاية الصحية فإن ذلك سيعجل بانتقال مركز الثقل في مجال الرعاية الصحية إلى جانب المستهلكين وليس مقدمي الخدمات كما حدث في العديد من القطاعات بفضل الإنترنت.
وفي الولايات المتحدة يمتلك حوالي 20% من المرضى الأمريكيين سجلات طبية مسجلة على أجهزة الكمبيوتر وليس في سجلات ورقية. وتضغط إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش على قطاع الرعاية الصحية من أجل التحول بسرعة الى التسجيل الإلكتروني وليس الورقي لبيانات المرضى. ولكن مازالت السيطرة على هذه البيانات الإلكترونية للمرضى قاصرة على الأطباء أو المستشفيات أو شركات التأمين الصحي. ولذلك فإن المريض قد ينتقل بالفعل من مستشفى إلى آخر أو من شركة تأمين صحي إلى أخرى لكن سجلاته الصحية الإلكترونية تظل لدى الشركة أو المستشفى الأولى ليبدأ التسجيل له لدى الشركة أو المستشفى الجديد من البداية. ولكن مبادرة جوجل ومايكروسوفت سوف تعطي للأفراد المزيد من السيطرة على بياناتهم الصحية وهو ما يعتبره الكثير من الخبراء أمرا حيويا من أجل الحصول على أفضل رعاية صحية.
دور تفاعلي
يقول جون هالامكا الطبيب ومدير إدارة المعلومات في كلية الطب بجامعة هارفارد الأمريكية: (يجب أن يكون المريض هو المتحكم الأول في بياناته الصحية ويكون دور الأطباء هو فقط الاطلاع على تلك البيانات من أجل علاجه.. ففي المستقبل ستكون عملية الرعاية الصحية أكثر تفاعلية وتعاون بين المريض والطبيب).
وتأمل مايكروسوفت وجوجل أن يؤدي ذلك في المستقبل إلى زيادة سيطرة المرضى على سجلاتهم الطبية باستخدام الأدوات التي ستوفرها لهم الشركتان. ولم تكشف أي من جوجل ولا مايكروسوفت عن تفاصيل خططهما في هذا المجال. ولكن من المقرر أن تكشف مايكروسوفت عن ملامح مشروعها الجديد خلال الخريف المقبل في حين قد لا تكشف جوجل عن مشروعها المنافس قبل بداية العام المقبل وفقا لما صرح به أشخاص مقربون من صياغة المشروعين.
يحمل اسم مشروع جوجل الأولي الذي تم طرحه على خبراء في مجال الصحة ومستشارين (جوجل هيلث) وهو يجعل من العميل محور الاهتمام الرئيسي. ففي صفحته الأولى تقرأ: (في جوجل نشعر أن المريض يجب ان يكون مسؤولا عن معلوماته الصحية ويجب أن يكون في مقدوره السماح لموفري الخدمات الصحية وأفراد أسرته وأي شخص يختاره الاطلاع على هذه المعلومات. و(جوجل هيلث) يتم تطويره لتلبية هذه الحاجة.
وبعد صفحتي التقديم يضم الموقع 17 صفحة تشمل (البيانات الصحية الشخصية) مثل الأمراض التي يعاني منها وأنواع الحساسية التي يعاني منها والأدوية التي يتناولها الشخص. ثم صفحة (وصايا طبية) وتقدم معلومات بشأن الأدوية والعلاج الذي يمكن أن يحصل عليه المريض وكذلك النظام الغذائي والتدريبات التي يمكن أن يمارسها. وهناك صفحات تتيح للمريض الحصول على رسائل تذكيرية لزيارة الطبيب أو مراجعة الجرعات الدوائية وصفحة تقدم دليلا بأسماء وعناوين الأطباء الموجودين بالقرب منه.
ولم يعلق مسؤولو جوجل على النموذج الأولي لخدمة (جوجل هيلث) الذي تم تداوله في أوساط الخبراء بأكثر من القول إن الشركة سوف تختبر هذا النموذج لتعرف ما يريده الناس على وجه الدقة. يقول أدام بوسوورث نائب رئيس إدارة الهندسة في جوجل ورئيس فريق تطوير خدمة جوجل هيلث (سوف نرتكب أخطاء وستكون مسيرة طويلة) قبل التوصل إلى الصيغة المثالية لهذه الخدمة. وأضاف (ولكن الحقيقة أن بعض ما قمنا به كان مكلفا جدا ولكنه ليس كذلك بالنسبة لجوجل).
الهدف النهائي
أما في مايكروسوفت فإن الهدف النهائي أيضا طموح بنفس الدرجة حيث يقول ستيف شيهاديه المدير العام لمجموعة الحلول الصحية في مايكروسوفت (الأمر يحتاج إلى وقت طويل لكل مشكلات مثل تخزين البيانات والشبكات التي نحتاج إليها للتعامل مع هذا الكم الكبير من البيانات الخاصة بالحالة الصحية للأشخاص.. لذلك لا يوجد عدد كبير من الشركات يمكنه القيام بهذه المهمة).
وكانت مايكروسوفت قد اشترت في وقت سابق من العام الحالي شركة ميد ستوري وهي شركة تكنولوجيا معلومات متخصصة في إدارة محرك بحث يتعامل مع البيانات الطبية. وفي العام الماضي اشترت مايكروسوفت شركة متخصصة في إنتاج برامج استعادة وعرض بيانات المرضى في المستشفيات وذلك في إطار الاستعداد لإطلاق مشروعها العملاقة في عالم الرعاية الصحية. ويقول ستيف إن برامج مايكروسوفت تستخدم بالفعل في المستشفيات والمعامل والعيادات. كما أن ثلاثة من أشهر برامج إدارة سجلات المرضى لدى الأطباء تعتمد على برامج وأدوات البرمجة التي طورتها مايكروسوفت.
ورغم أن مايكروسوفت لن تعلن قريبا عن خطط إنتاج المشروع الجديد فإن أشخاصاً مقربين من المشروع قالوا إن الشركة سوف تعلن الخطوط العامة له بما في ذلك برنامج العثور على البيانات الطبية الشخصية وتخزينها وعرضها على أجهزة الكمبيوتر الشخصي والهواتف المحمولة وغير ذلك من الأجهزة الرقمية.
وقد رفض ستيف مناقشة أي ملامح محددة للمشروع ولكنه قال (نحن نبني منصة كبرى للرعاية الصحية ونحن نرى أن التحديات أكبر من مجرد سجل صحي شخصي كالذي يبدو على السطح حاليا).
ومع ذلك فإن السجلات الصحية الشخصية ستكون تحديا كبيرا امام هذا المشروع لأسباب عملية وقانونية تتعلق بالحق في حماية الخصوصية. ولكي تكون تلك السجلات مفيدة يجب أن تتضمن أيضا سجلات الادوية التي يحصل عليها المريض من الأطباء والمستشفيات وشركات التأمين ومعامل التحاليل. ووفقا للقانون الاتحادي الأمريكي فإنه من حق المرضى طلب والحصول على بيانات حالاتهم الصحية من موفري خدمات الرعاية خلال 90 يوما من تاريخ توقيع الكشف الطبي أو إجراء التحليل. ولكن عملية الحصول على هذه البيانات معقدة للغاية وغالبا ما يتم الحصول على البيانات في صورة ورقية سواء كنسخة مصورة من التقارير أو رسائل فاكس.
والطريقة الأمثل لكي يتم الاستفادة من هذه البيانات في إطار المشروعات الطموحة لجوجل ومايكروسوفت أن يحصل المرضى على البيانات عبر البريد الإلكتروني أو الإنترنت. ولكن هذا يحتاج إلى نوع من الشراكة والثقة بين موفري خدمات الرعاية الصحية وشركات التأمين من ناحية والجهات التي ستتولى حفظ تلك السجلات والبيانات في صورتها الرقمية.
كما أن مشكلة الحماية القانونية للحق في الخصوصية يمثل عقبة كبيرة في طريق طموحات جوجل ومايكروسوفت. وتقول الشركتان إن الثقة سوف تقام تدريجيا بينهما وبين المستخدمين كما أن السجلات الطبية عبر الإنترنت سوف تتضمن الحد الأدنى من البيانات الشخصية الخاصة بكل مستخدم بما يعطي المستخدم شعورا بالراحة والطمأنينة. بالتدريج حتى يتم الوصول إلى سجل دقيق للحالة الصحية للمستخدم.
كما أنه يمكن للمستخدم إلغاء السجل الصحي الخاص به في لحظة بمجرد حركة بسيطة بفأرة الكمبيوتر. أي أن المستخدم يقوم بإنشاء سجله الصحي على موقع الخدمة، فإذا غير رأيه فإنه يستطيع إلغاء ذلك السجل بسهولة. وتؤكد الشركتان أن كل السجلات ستكون خاضعة تماما لسيطرة صاحب السجل.
والحقيقة أن هناك منافسين عديدين في مجال المعلومات الصحية لتشكل ما يمكن أن نطلق عليه تعبير ثورة في عالم الرعاية الصحية منها ريفليوشن هيلث التي يرأسها ستيفن كيس مؤسس شركة أمريكا أون لاين وشركة ويب ميد.
ورغم أن مثل تلك الشركات الصغيرة تدرك تماما حجم التهديد الذي يمثله دخول جوجل ومايكروسوفت المجال فإن الشركات الصغيرة تتمتع بميزة أفضل وهي التركيز الكامل على الخدمة الصحية وليس على عدد كبير من المجالات كما هو الحال بالنسبة للشركتين الأكبر.
تقول ويني جاتينلا الرئيس التنفيذي لشركة ويب ميد: (جوجل ومايكروسوفت شركتان عملاقتان ولكن هذا لا يعني القول إنهما ستكونا خبيرتين في مجال محدد مثل الصحة).
والحقيقة أن الشركات الصغيرة التي تدير محركات بحث متخصصة في مجال البيانات الطبية مثل (هيلث لاين) تتمتع بشعبية كبيرة في هذا القطاع ولها شركاء يعتمد عليهم.
ورغم ذلك فإن 58% من مستخدمي الإنترنت يبدؤون البحث عن المعلومات الطبية من خلال محركات البحث العامة مثل (جوجل) و(ياهوو).
ويقول روني تسايجر خريج كلية الطب جامعة ستانفورد الأمريكية والمتخصص في مجال المعلومات والإحصاء الطبي والذي انضم إلى شركة جوجل العام الماضي إن دخول مايكروسوفت وجوجل إلى مجال المعلومات الطبية يعني الوصول إلى قطاعات بالغة الاتساع مع الجمهور. ويضيف أن جوجل ومايكروسوفت سيقودان ثورة في عالم الرعاية الطبية وبدلا من الانتظار لساعات أمام عيادات الأطباء يمكن للملايين الحصول على الاستشارة الطبية التي يريدونها عبر الإنترنت.
