المدونة السعودية ّهيفاء التميمي : التدوين على الإنترنت ... ظاهرة جديدة على الشبكات العربية
|
* أجرى الحوار : منال آل عثمان
مازال المدوّنون العرب في أول نشأتهم، فالفترة الزمنية التي بدأ التدوين بالانتشار في العالم العربي قصيرة نسبياً ومقارنةً بظهوره على المستوى العالمي. لذلك لا يسعنا أن نحدد الآن مكانة المدوّن العربي في شبكة الإنترنت العالمية، وإن كان الظهور مشرّفاً ورافعاً للآمال، إلا أنه يبقى التدوين في طور النشأة الأولى لدينا عربياً. مع ذلك، نجد البعض قد استطاع بعزمه أن يطرح الموضوعات والمشكلات التي تجعل باب الحوار مفتوحاً ما بين العالمين.. الشرق والغرب. حول هذا الموضوع كان لنا هذا الحوار مع الأستاذة هيفاء عبدالله التميمي المدونة السعودية والمهتمة بشؤون المدونين العرب والسعوديون على وجه الخصوص.
* هل يمكن لأي شخص أن يصبح مدوناً على شبكة الإنترنت؟
- نعم، بكل سهولة. فمن أهم مميزات التدوين التي وصل إليها بالوقت الحالي هي ميزة السهولة الفائقة، حيث أصبح من الممكن لأي شخص مهما كانت خبرته بالإنترنت والحاسب قليلة أن يفتتح مدوّنة ويسجّل أفكاره، حتى أن البعض أصبح يقارن سهولة التدوين بسهولة إرسال البريد الإلكتروني. وأي شخص لديه حب الكتابة، سيتمكّن من التدوين بكل سهولة.
* كيف تعود المدونات بالفائدة على أصحابها؟
- لا شك أن الكثير من المدونين تطوّرت أساليب الكتابة لديهم من الممارسة، والعديد أيضا تطوّر فكرهم وطريقة تحليلهم للأمور. كما أن المدوّنات وفّرت للكثيرين فرصاً رائعة، من الوظائف وغيرها. فعلى سبيل المثال بعض المدونين تمكنّوا بمقدرتهم الكتابية من الحصول على إعجاب المحررين بالصحف، فجعلوا منهم كتّاباً للأعمدة. والبعض الآخر تميّز بمعرفته بالتقنية والبرمجة والشبكات، فحصل على فرصة وظيفية بإحدى الشركات التي تبحث عن موظف بهذا المجال.
* المدونات ساعدت على إظهار الطاقات الإبداعية والفكرية الكامنة لدى الشعب العربي، فما هي المهارات التي ساعدت المدونات ظهورها على أصحاب المدونات؟
- ما قد لا يعرفه البعض، هو الشغف الكبير بالمعلومات والأخبار لدينا نحن العرب، وبأننا حالما وضعنا اهتمامنا على أمر حتى أعطيناه من وقتنا الشيء الكثير، ومن جهدنا أيضاً. وإلى جانب ذلك، يتمتّع أفراد شعبنا بالكثير من المواهب الفذّة وغير الظاهرة تحت سلبيات حاصلة بالحياة اليومية، منها عدم تقدير الموهبة والاهتمام، ومنها شعور الفرد نفسه بالخجل من طرح أفكاره ومواهبه خوفاً من عدم القبول المُعتاد عليه لغير المهتمين بنفس اهتمامه. كل هذه السلبيات قضى عليها التدوين، فأصبحت المدونات مجالاً حرّاً للتعبير، وبحسب مسار مدونتك سيزورك من يهتم بنفس اهتمامك، مايجعلك تلقى القبول لهذا الاهتمام، بل وربما طلب المزيد من خبرتك. ومناقشتك في أمرٍ أنت تهواه.
فأعتقد بأن أحد أهم الأمور التي جلبتها لنا المدونات هو خروج ما لدى الأشخاص بدون أي حواجز خوف أو خجل.
* نجحت الكثير من المدونات العربية في الشبكة وأصبح للعديد من المدونات صدى واسع، ما هي أسباب نجاح هذه المدونات وما سبب فشل البعض منها؟
- هناك خطأ كبير يقع به الكثيرون في التفريق مابين الناجح أو الأفضل والمشهور. فلا يعني بالضرورة أن كل شخص مشهور أنه الأفضل في مجاله، وربما كان العكس تماماً، فتجدون الكثير من الممتازين في مجالاتهم لكنهم مبتعدين عن أضواء الشهرة. وفي مجال المدونات، مازال الأمر في بدايته حيث ترون بعض المدونات مشهورة لمجرد كونها بدأت مسبقاً، بينما طرح المواضيع فيها لا يصل للمستوى العالي. وهناك نوع آخر من المدونات لا أحبذه إطلاقاً، وهي المدونات الباحثة عن الشهرة. وهي التي تطرح المواضيع المحظورة أو الاستفزازية لمجرد الحصول على أكبر عدد من الزوار والمعلّقين. وبهذه الطريقة اكتسبت شهرتها.
ولا أعمم هنا بالطبع، فيوجد العديد من المدونات الرائعة بكتّابها وكاتباتها، والذين استطاعوا الحصول على احترام الزوار بجودة الطرح وعقلانية المواضيع وفائدتها الكبرى.
هذا من ناحية، أما إذا أردنا تعداد أسباب نجاح المدونة، فبرأيي أن أهم الأسباب هي متابعة المدوّن لكل جديد في المجال الذي تُطرح المواضيع حوله. وعدم نسيان المدوّنة، وذلك بتجديدها كلما استطاع ذلك وسمح له الوقت. وأيضاً مراعاته في الطرح أن يستقطب المواضيع التي تهم الزوار وألا يكرر نفسه أو غيره، وأن يستفيد من تجارب الآخرين كذلك.
أما أسباب الفشل فهي عكس أسباب النجاح تماماً، ومنها عدم تحديث المدوّنة، مما يجعل الزائر يملّ من زيارتها مع عدم وجود الجديد. وعدم وجود مواضيع مفيدة، وإن كانت تجارب شخصية قد تهمّ الزوار. وبالتأكيد نوع المواضيع المطروحة وأسلوب صياغتها، وأن يراعى حُسن الاختيار بهذين الأمرين. فلا كاتب بلا أسلوب، ولا مفكّر بلا أفكار. والمدوّن بدون تدوينات تحوي الأسلوب والأفكار لن يجد القبول إطلاقاً.
* وكيف نحمي الحقوق الفكرية والعلمية للمدونين على الشبكة وهل هناك جهات رسمية لذلك؟
- للأسف الشديد، بالوقت الحالي ورغم تطوّر هذا الأمر بالغرب، مازالت الحماية الفكرية ضعيفة في العالم العربي. وخير مثال لذلك السرقات غير القانونية لأفكار الآخرين ومقالاتهم بالصحف والكتب. وإن كانت حجّة ضعف الحماية الفكرية هي صعوبة الملاحقة القانونية، فما بالك بصعوبة الأمر على الشبكة العنكبوتية، مع ملايين المستخدمين لها. ولا أود أن أصيبكم بالإحباط، فأمر الحقوق الفكرية للمدونين مازال قيد النقاش والتطوير، ويوجد جهات تبحث حول هذا الأمر من المهتمين بالتدوين. مثل جمعية المدونين السعوديين (اوكساب) والتي وضعت نصب أعينها خدمة المدوّن السعودي.
* المدونات ساعدت على توثيق الاحداث على الشبكة، فهل يتم التأريخ والتوثيق للأحداث الجارية بصدق وواقعية؟
- هذا الأمر يعود للمدوّن ومدى مصداقيته مع نفسه أولاً، ومع زواره ثانياً. فلا قدرة لنا على ملاحقة كل كاذب، لكن عموماً تميزّت المدونات بمصداقية كبيرة، لم تحصل عليها الصحف نفسها. فأصبحت بديلاً ممتازاً للوسائل الإعلامية في العالم الغربي. بعيداً عن التنمّق والمبالغة.. وفي الواقع فإن من أوائل المدونات العربية كان يوجد مدوّنة باسم (رائد بالوسط). واهتمامها الأول كان منصباً على ذكر وقائع حرب العراق، بما أن صاحبها كان من المعايشين للظروف الصعبة آنذاك. فأخذ يدوّن أحداث أيامه أثناء الحرب، حتى أصبحت المدوّنة من الوسائل المهمة للتعرف على آخر أخبار الحرب لما امتازت بالواقعية الشديدة والمصداقية العالية من أرض الحدث.
* وهل يؤثر التدوين في الرأي العام في العالم العربي كما في العالم الغربي؟
- قد لا يكون التأثير كبيراً جداً على الرأي العام، بما أن المدونات مازالت مصطلحاً مبهماً للبعض من غير مستخدمي الشبكة. وأعني بذلك الرأي العام لغير المستخدمين للإنترنت. ويمكننا القول حالياً بأن المدونات استطاعت التأثير على الرأي العام لزوارها فقط. وحتى يحين الوقت ويصبح التدوين لدينا في العالم العربي معروفاً سنرى الإحداثات التي سيحدثها على الفِكر والمُجتمع.
* وبماذا تميز المدون العربي عن المدون الغربي؟
- قد لا يكون هذا الاختلاف قصراً على المدوِّن، بل هناك اختلافات بين العرب بأجمعهم والغرب، وتتجلّى هذه الاختلافات بالأمور العاطفية أكثر. فنرى المدوِّن العربي بكبرياء عالٍ، فلا يتقبّل النقد بسهولة تقبّل الشخص الغربي له، كما أن المجاملات تنتشر بين المدونين العرب أكثر بكثير من انتشارها بين الغرب. والتمسّك بوجهات النظر أمر مفروغ منه لدينا، فمن النادر أن يتقبل أحدهم الرأي الآخر بسهولة. ولا يعني هذا بأن المدوِّن الغربي أفضل حالاً من المدوِّن العربي. لكن ذكرت بعض الاختلافات الواضحة بينهم. لكن للأمر ايجابيات أيضاً، فهذه العاطفة تعود على المدوِّن بحماسة شديدة تفضي به لمواضيع مؤثرة. وبلا شك توجيه هذه الحماسة لخدمة دينه ومبادئه سيكون أفضل توجيه.
* هل هناك اتحاد وقوة للمدونين العرب؟
- يوجد بعض المجتمعات التي نشأت لخدمة المدونين كما أسلفت بالذكر. وغالباً ما توجد مجتمعات تدوينية بحسب البلدان العربية، فيوجد مجتمع بمختلف الأوطان يجمع المدونين من ذلك البلد.
* هل هناك تفاعل بين القراء أو أصحاب المدونات مع مدونات أخرى؟
- بالتأكيد، وسيلاحظ هذا الأمر أي شخص يزور المدونات مباشرةً. فالتفاعل بين المدونين والمدونات مع بعضهم البعض أكثر من رائع، وهذا الأمر أدى إلى تبادل الخبرات وتطوير كل شخص من نفسه. كذلك القرّاء والزوار، فبوجود ميزة التعليقات بالمدونات، أصبح أمر التفاعل أمراً محلولاً. وأصبح صاحب المدوّنة نفسه يجد بمواضيعه مزيداً من الاهتمام حين يلقى النقاش الملائم.
* ما هي المجالات التي تتطرق لها المدونات العربية والمجالات التي نحن بحاجة اليها؟
- حتى الآن وبما أننا مازلنا في البداية، الطريق مبشّر بالخير. رغم وجود بعض المنغّصات من المدونات التي لا نتمنّى وجودها، وهي تلك المدونات التي لا تسير على طريق واضح، ولا تصبو لهدفٍ يذكر. ويبقى كل محتواها تفاهات لا تقدّم ولا تؤخّر وجلّ ماتفعله هو تضييع وقت القارئ. لكن إن أتينا للمجالات المطلوبة، فأعتقد بأن الخبرات لدينا قد تنوّعت بشكل كبير، مايجعل مجالات التدوين أكبر. والأمر يحتاج فقط لبعض الإرشاد البسيط لمشاركة هذه الخبرات بأفضل وجه ممكن. وربما كان التخصص في المجال هو المطلوب للوقت الحالي، فنجد الكثير من المدونات والتي تحوي فِكر أصحابها الرائع. لكن لا يوجد العديد من المدونات المتخصصة بمجال معيّن بحيث يكون تركيزها بأكمله على هذا المجال.
وإن حدث ذلك فستكون الفائدة أعظم حيث لا يوجد مجالات أخرى تُشغل المدوِّن عن الكتابة المفصّلة والمُنتقاة بعناية.
* ما هي الأخطاء التي وقع فيها المدون العربي؟
- أعتقد بأن أهم الأخطاء هو عدم فهم ماهية التدوين، فحينما يكون المسمّى غير واضح يتوه الشخص فيما يتوجّب عليه عمله. وهكذا ظهرت العديد من المدونات المتخبّطة وغير المفيدة لا للزوار ولا لصاحبها. فالإرشاد التدويني هو الحل لهذه المشكلة، فقط لكي يوجههم في أول الدرب. ثم يفلت بأيديهم ليحلّقوا إلا مالا نهاية.
* ما هي المشروعات العربية والعالمية والسعودية التي قدمت دعماً للمدونين العرب في الشبكة العالمية الإنترنت؟
- على الصعيد العالمي سيكون دعم المدونين متمثلاً في المواقع التي تقدّم هذه الخدمة مجاناً، وبالمواقع التي أنشئت برامج إدارة المدونات المختلفة. كذلك في العالم العربي، هناك مشروعات عديدة لاستضافة المدونات مثل: (دوِّن، أكتب، الناشر، مكتوب، جيران، تدوين). والأخير يحوي دليلاً وآخر مستجدات المدونات المشتركة به.
أما على مستوى السعودية فنجد مجتمع التدوين السعودي (اوكساب) وهو الآخر به المميزات الموجودة بالمشاريع السابقة من استضافة مجانية ودليل وغير ذلك من الخدمات. كما أنه يركّز على خدمة المدوّن والدعم المعنوي والمادي له على السواء.
ولنا أن نشكر الله على هذه الخدمات الرائعة ونشيد بها وبأعمالهم عليها، فجهودهم مؤثرة حقاً، ولهم جزيل الشكر.
* تتصف المدونات بالمرونة عن المنتديات مستقبلا، هل المدونات ستلغي المنتديات؟
- من المعروف أن لا أحد يأخذ مكان أحد، والمدونات أسلوبها مختلف عن المنتديات، فالمدونات يمتلكها شخص واحد بالغالب، وقد يزيد كتّاب المدونة الواحدة في حال كونها مدوّنة تفاعلية. لكن لا يصل بالتأكيد لعدد أعضاء المنتديات الحوارية. كذلك هو أسلوب طرح المواضيع ومناقشتها، فهو مختلف هنا عن هناك.
ومن أهم الاختلافات الواضحة عدم خضوع كاتب المدوّنة لقوانين المنتديات، فبهذه الحالة هو من يضع قوانينه بنفسه، بما أن المدونة ملك له.
* هل للمرأة العربية نصيب في التدوين وكيف تصفون مشاركتها؟
- بالتأكيد لها نصيب، ومشاركتها ليست أقل أهمية إطلاقاً عن مشاركة الذكور في هذا المجال. كما أنكم لن تجدوا فروقاً تذكر بين المدونات الذكورية والأنثوية في حال التجوّل على عالم التدوين. فالمرأة استطاعت التدوين باحتراف كما استطاع الرجل. ولا فروق الآن بين المدوِّن والمدوِّنة، والأهم هو المواضيع المطروحة.
* تتصف المدونات بالمرونة عن المنتديات، فهل ترين أن المدونات يمكن أن تلغي المنتديات مستقبلاً؟
- من المعروف أن لا أحد يأخذ مكان أحد، والمدونات أسلوبها مختلف عن المنتديات. كذلك فإن أسلوب طرح المواضيع ومناقشتها، فهو مختلف هنا عن هناك. ومن أهم الاختلافات الواضحة عدم خضوع كاتب المدوّنة لقوانين المنتديات، فبهذه الحالة هو من يضع قوانينه بنفسه، بما أن المدونة ملكاً له.
* ما هي توقعاتكم لحجم المدونات في المستقبل؟
- برأيي شخصي، أرى في المدونات الكثير من القوى الكامنة، والمهارات الرائعة.. والتي تحتاج فقط لمن يبحث عنها؛ حتى تتفجّر إبداعاً ما أن ترى إشارة البدء والانطلاق.. وبالتأكيد مع هذه القدرات، سنرى المدونات بعين أخرى مستقبلاً..
* المدونات تطرح فكر ومبادئ أصحابها؟ ما هي النصائح التي تقدمينها لمتابعي المدونات؟
- في تنقلك بين المدونات، سترى شتّى أنواع الاختلاف مابين الأشخاص.. وستجد أفكاراً ليست بأفكارك، ومبادئ تختلف عن مبادئك.. فلا تعتقد أن الناس سواء، واعتد على تقبّل وجهات النظر المختلفة وإن لم توافقها.. فإن لم تجدها من المناسبة لك، يمكنك بكل بساطة عدم معاودة الزيارة.. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يريبك إلا مالا يريبك).
.....
الرجوع
.....
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2002, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|