خواطر مرساة كيف نربح أوقاتنا؟ من قديم أوراق الأديب الراحل عبدالله بن إبراهيم الجلهم رحمه الله
|
موضوع؛ يجود به لسان القلم ويستجيب له داعي الخيال؛ يتحدث عن مصير الأوقات عندنا اخترت أين أكتب هذه المرور عنه؛ لأنه ويبدو لي ولغيري من ذوي التجربة والإحاطة في مركز الدائرة من حياتنا الاجتماعية الراهنة والمستقبلة، وهو ميزان الحرارة والجدوى الذي يعكس تحضرنا ويشخِّص سلوكنا وتأهيلنا بين الأمم..!!
لا جَرَم بأن حياتنا هذه التي نحياها ما هي في ملتقى العقل إلا تلك الأيام التي تمرّ بهذا الكون البشري فتكتب في جبين عالمه دروساً خالدة من التجارب والعظات؛ تنير له بيقين المسالك والدروب، وترفع له معالم الرشد والصلاح جلية وضاءة ؛ يتعلم منها عيش السراء والضراء ويتلقى منها مواعظ في القيم والعلاقات والسلوك العام.. فما الحياة في التصور الاجتماعي الحديث إلا جد وعمل وسعي ودأب ومصالح مشتركة وغايات منظورة مرتقبة..
الإنسان في هذا الفلك الدائر جندي مخلص تخفق بيده رايات العمل وتنشر أجنحتها فوقه ألوية السعي والعطاء. وكفى به موئلاً للرغائب وفارساً بارعاً في خضم الكتائب.. وإنه بمواهبه لم يوجد في المجتمع ا لبشري ليتراجع ويتثاءب ولا ليلهو ويجبن، ولكنه وُجد ليسبح في محيطات العمل، ويباشر بنفسه وسواعده بناء شركة الحياة التي يتكون رأس مالها الضخم من الأوقات والأزمنة المتاحة لنصونها بالعمل ونزرعها بالبذل والنماء..
ولا شك بأن الأوقات والأزمنة التي تضمنا وتؤوينا؛ قد بسطت لنا رحباتها، وفتحت لنا بفضل الله نوافذها وأبوابها لتغرينا بمدخراتها وأثمانها، وتستجلبنا بكنوزها وطاقاتها فهل لببنا نداءها؟ ودعوتها؟ وهل طلبنا عطاءها وربحها..؟ إن الواقع يجيب عنا بصدق بأننا في غفلة من الأمور وتغافل، وأننا في تجاهل لتلكم النفائس المهجورة من الوقت والزمان تندب حظها بين أهلها، وتبكي غربتها وهجرها..!
إن حُبّنا المفرط للذة والراحة، وجُنوحنا المسرف لمنادمة النديم الذميم «الكسل» أبيا أن نغيِّر من حياتنا ما ألفته من دعة وخمول، وأن نسلك بها ومنها سبل الجد واستغلال الأوقات وبهذا وما أمرَّ هذا ضاعت الفرص الحبيسة من أيدينا، وانفرط عقد الزمن في أعناقنا، وقبرنا على أنقاضهما وبأيدينا وإهمالنا مواهب ومعطيات جزلة ما كانت لتموت وتذهب في مهاب الرياح لو قدرناها حق قدرها وجنينا ثمارها وحصادها.. وكان خليقاً بنا ونحن نعيش في عصر تسير فيه الأمم والشعوب وراء اكتساب الوقت واستغلاله سيرَ النفاثة في الفضاء أن ننتفع به ونستفيد قدرَ الطاقة والسعة في تنمية مواردنا وتربية نفوسنا وأجيالنا وإصلاح مجتمعاتنا وشؤوننا غير مسوِّفين في ذلك ولا مترددين.. نريد من الفلاح في حقله ومزرعته أن يزرع ويحرث ويبدع ويطور، ونريد من المربي أن يوجه ويصلح، ومن العالم أن يدأب ويجرب ويختبر ويعلم ويثقف، ومن الصانع أن ينتج ويبذل، ومن كل مُلِمٍّ بنظرية أو تجربة أن يحققها ويثبتها ليخدم بها مجتمعه وأمته وموطنه وأجياله اللاحقين. نريد من الطالب في مدرسته ومعهده وجامعته، أن يصبر ويصابر ويُجدَّ ويثابر ويجني من الوقت ويربح لكي يحقق لنفسه ولأمته ما تطمح إليه وتصبو.. وهكذا نريد من كل فرد في هذا المجتمع ذكراً أو أنثى أن يبذل المزيد وأن يحقق لمجتمعه الكثير.
وعلى هذا النحو والنمو تُبنى دور العلم وتقام منشآت المصانع وتشيد مرافق الطرق والمزارع والحدائق والمشافي وكل ما يخدم المجتمع والإنسان في هذه الحياة بأمانة ونزاهة وإخلاص وبتلك الصفات والنعوت تسعد الأمة وينهض الوطن لأن أبناءها أخذوا بأيديهم وسواعدهم زمام الوقت والزمن يستغلونه في الإنتاج والعمل ويستثمرونه في موارد الكسب والنمو.. وهي صفات تقود مجتمعها والعاملين فيها إلى حياة كريمة وأمة واعية، وعيشة محمودة راضية.
تلكم يا مجتمعنا الحبيب ويا أمتنا المجيدة مجالات من البقاء والنماء؛ متى نبرز فيها؟ ومتى نقيم الدليل تلو الدليل على أننا جديرون بها..!
إن في دنيا الأوقات عندنا متسعاً ورحابة للعمل والسعي، فأين العاملون؟ وعلى صفحات الزمن ميادين للخلود والنبوغ فأين الخالدون؟..
إنه ليجمل بنا ألا ندع أعمارنا في عداء مع الزمن وصراع مع الفراغ، فإن الزمن غالي الثمن والقدر لا يكفي أن نقول فيه ما قال الأولون: «إنه كالسيف» فحسب ولكنه بيقين وإيمان أعظم فتكاً مما اخترعه الفكر الحديث من الأسلحة المبيدة؛ فإن لم نحاول مكافحته بسلاح العمل والمثابرة فسيقضى على كل موهبة فينا متقدة وسيقبر كل إدراك ونبوغ دفين..!
إن مفتاح الزمن يا قومنا بأيدينا، وخزائنه الثرية الغنية بين أسماعنا وأبصارنا فينبغي لنا أن نستخدمها لمصلحتنا، وأن نستعذب كل مشقة في سبيل استثمارها ونمائها لنا فما الحياة في ميزان الحقيقة إلا طيف منام تجلوه معالم الصباح وتذهب به أصداء اليقظة ولكن الحياة الباقية بما تبقيه وراءها من آثار مجيدة وعمل قيم وذكر خالد رفيع..
إن الزمان بأرضنا متربعُ
فعلام نجبن عن لقاه ونرجعُ
ليس البقاء مواتياً إن لم يكن
كأسٌ على شطيه مرٌّ مترعُ
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|