منسيّاتنا .. الليالي
|
شعر: فيصل أكرم
كيف انتبهتُ إلى اعترافات الهواء،
من المساء إلى المساء،
على مفارق رحلةٍ فُرضتْ على عمرٍ يطولْ؟
كيف انتبهتُ إلى المغبّةِ، في احتمالٍ سوف يأتي
بالنزول إلى النزولْ؟
كانوا معي، ستقولْ
وتقولُ: كانوا يتركون صغيرهم
يجري وراء سحابةٍ كانت ستمطر فوقهم
ولأنهم كانوا حُفاةً..
كيف كانوا يركضون؟
وكيف كنتُ أظنّهم يستصغرون متاعب الرمل الذي
ساروا عليه، وقد تبعثر في العيون؟
لم أكن منهم إذاً..
هل قلتُ يوماً: لن أكون..؟
***
كانت الأوراقُ مقفلةً على بعض الرسوم المنتقاة.
وكان فيهم من يساوم
كان فيهم من يقاوم
كان فيهم من يقوم إلى مكانٍ يستحقُ قيامةً؟
كلُّ الأماكن تستحقُّ..
وكلُّ ثانيةٍ تحقُّ لأجلها الدنيا
إذا انتهت الحياةُ إلى حياة..
فالكلّ قال: الوقت قد فاتْ.
ولأنني كنتُ انتبهتُ إلى هواءٍ كان يأتي
من ليالينا القديمة،
ثم يذهب في مسابقةٍ سيكسبها مع الأوقاتْ
قدَّرتُ أنّي قد خسرتُ
وسوف أخسرُ
ثم سوف أسائل الأيام: من كُتبت على كفيه
لائحةٌ لبعض مسافةٍ يمشي لها..
وربما: يمشي عليها
لكنْ: لن يمشي الذي..
كُتبتْ على أجفانه كلُّ المسافات التي خرجتْ عن التلويح، وانفجرتْ على الطرقاتْ؟
***
هل أنت مثل الناس؟ لا
لا ناسَ لي..
(قال الذي قالت لياليه القديمةُ: أنتَ لي.
والناسُ للناسْ)
فالناس: لا أحدٌ، إذا لعنتهم الأضواءْ
يبستْ على أطرافهم كلُّ الدماءْ
ضاقت بهم كلُّ المفازات التي اتسعتْ بها الصحراءْ
فقضوا عليها
وقضوا على كل الشجيرات التي كانت ستنبتُ في الخلاءْ
الناسُ: لا قلبٌ
ولا دربُ، لغير شهادةٍ تُنسى
والناسُ: لا أسماءْ.
كم تمنَّينا على الأضواء أن تأتي إليهم
كي نراهم جيداً..
وكم اختلفنا والظلام، إذا رأونا.
كلّهم كانوا هنا..
والكتاباتُ القديمةُ لاتزال تخصّنا
فالأرضُ نسقيها بماء الأرضِ
والشمسُ التي ارتفعت بنا..
كنا نصدّرها لمن سيصدّها
كيما يفتش عن ظلالْ.
كلّ الأصابع، ربما، كانت سترتفع اعترافاً بالذي
كنا نراه، لأننا..
لكننا كنا نخبئها تماماً في الرمالْ.
***
منسيّةُ كلماتنا الأولى
ولم تتفرّق الكلماتُ، كي تُنسى كما يُنسى طريقْ
لا نحضّ عليه إلاّ أوّلاً.
كان الغيابُ مؤجّلاً..
والمشيُ كان يريحنا، حتى التعبْ
حتى إذا سقط الحزامُ إلى الرُّكبْ
ومضتْ على أيامنا الأيامُ، مقلعةً
مضتْ على كلماتنا الكلماتُ: لم يُنسَ الغضبْ
ثم: لن يُنسى كلام سوف يُذكرُ
كالقصائد في الرثاء، وكالبلاغةِ في الأدبْ.
***
منسيّةٌ تلك الفوانيس التي
كنا سنشعلها، إذا احتجنا إلى المرآة ليلاً
لم نكن نخشى المناظر في النهارْ.
لم نكن نخشى طريقاً..
لا يجودُ بغير أشواطِ سيتبعها الغبارْ
لكننا كنا نريد الصبر حتى في مؤخرة الحياة،
مع التأخّر في القيام،
كأننا كنا نجيد الانتظارْ.
***
منسيَّةً دمعاتنا..؟
كلّ البراءات التي افتقدت حنان الأهل والأبوين؟
لم نعتدْ على النسيانِ..
لم نُخلق على أرضٍ يدحدرها الزمانُ، إذا تمسّكنا بها
حتى نفتش في السدود عن المكانة والأمانْ.
منسيَّةٌ صيحاتنا، منسيّةٌ صحواتنا، منسيّةٌ أصواتنا أيضاً..
وأكفانُ على أمواتنا منسيّةً فينا، بمن فيها
ومنسيّاتنا منسيّةٌ..
نرمي بها في زحمة الأوراق،
نكتبها، ونحفظها، ونحياها، ونحيا.
كم سنحياها ونحيا..؟
faakram@maktoob.com2003 الرياض
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|