قصة قصيرة توقيع حضور * جار الله العميم
|
يرتب اوراقه منتهزاً انتهاء اللعبة التي قضت على نحبه ولم ينتصر. فبدأ بتقليم اظافره بأسنانه على هذا النحو إلى أن تأتي امرأة من الزمن الآخر لإعادة هيكله. استمر بتدشين جسده المترامي ما بين أن يقول: عفواً لا او ليش لا. يقع في سلطة ارواح كانت تتلبسه حين يضاجع الخوف وهو مستلق على دعاء الجدات. الغرفة تتشكل كالجن الازرق على محياه، يفترش الاغطية البيضاء على ابتلاع ريق مبلل بالجفاف، يدسُّ رأسه بين إبطيه، ينسى كثيراً أن الملابس لا تستر عورات من يتلصصون خلف الابواب. تخلعه البيجاما للتأكيد على أن الأغطية لا تقل أهمية عن الأكفان. يزاول نشاطه مروراً بوضع المنبّه على السابعة صباحاً، يلقّن التاريخ درساً أن لا حاجة للاستيقاظ في زمن المأساة. يستلقي على ظهره وعيناه إلى السقف، يبحلق بتلك الثريا التي تتدلى في زمن العتمة، يتذكّر أنه قد اشتراها سلفة على أن يمتلئ جيباه بالمصابيح. يغمض عينيه إلى رؤوس معلقة على زرنيخ في جسد واحد. يُكمل الكابوس بصدر رحب!
يفزُّ كالإغفاءة على تراتيل منبّه بين اذنيه، يتوسد الذاكرة على تثاؤبه الى حين عودة العصافير. يقلب تلك الرؤوس التي آتت اكلها، يبحث عن زرنيخ واحد قد سقط بجانبه، الفراش لم يكن بذاك الدفء حتى يصلي مع الريح. ينهض مع الماء الى خرير الصنبور على جسده، يتساقط الماء باحتفالية غريبة، الدرن عالق من شر وسواس خنّاس، يدعك الجسد بأحجار جورمانيومية على أن يتطهّر من وسواس خناس عالق بالدرن. يستمتع بمرأى من الهاجوس على قلبه، يلصق لون السيراميك بذاكرته، ويبدأ بكتابة مجرى الماء من على كتفيه. يغنّي بصفير هادئ، يرقص الخرير متغطرساً، يتمايلان معاً ويقلب الصفحة الاخيرة بمسح ما في الذاكرة!
يخرج بانتعال ادخنة البخار على ناصية اخرى من الغرفة، يتهندم ابيضه كالعادة، يضع العطور على اشتمامه ليس كل حين، غترته تلبسه بإتقان، لا احد في المنزل الا مع «سواه»، من عرفهُ وهو لا يعرف إلا «إياه».
«يا لغبائي لم يبق من توقيع الحضور إلا ابتسامة مصطنعة» يبتسم بمصداقية عظماء ويهرول للسيارة!
حيث ادخنة الحيز تلتف كالثعبان على فرائسها، الشمس تُسقط اشعتها من على اشلاء الكون، انحياز الضوء متواطئ مع اشلاء مظلمة. الاشارات حمراء، جميعهن استغرقن اكثر من الوقت المحدد، تتلاعن الابواق على طريقتها الخاصة، الازدحام يجلب الفتور بالعودة إلى حيثُ كان. يقف مبهوراً بعد أن طال امده، تأتي سيارة شرطة تخترق كل الصفوف المدججة بالزفير. تُطفأ اشارات المرور للشوارع الاربعة، الشرطي من امامه واللا بحر من خلفه. ينتظر أن يرفع الشرطي يده اليمنى للعبور، يلتفت على يمينه، متأخر آخر واضعاً كلتا يديه فوق المقود بتشنّج واضح، ونظارات شمسية تعكس حالة الاضطراب. يقرر أن ينطلق مع سيارة اخرى اخترقت كل الصفوف. يُرسل ضحكة إلى عنان السماء وكأنه يقول: وجدتها وجدتها!
يكمل الإسفلت حثه على السرعة، وعيناه على توقيع الحضور والمعاملات المكدسة فوق مكتبه، يتهيأ لتلقين ابتساماته شهادة زور على ملامحه، يقترب من العمل، المواقف خالية من السيارات، يركن وقوفه بالغير المخصص له، يبحث عن موظف آخر حتى لو لم يكن يعرفه. الخلوة مُخيفة، لا يوجد ما يبرر حالة الإضراب عن العمل منذ أن كان الاضراب محظوراً على البسطاء. يجد نفسه مبتور الارادة، ما بين أن يبقى هكذا كالزرنيخ او أن يُعيد ترتيب كابوس البارحة، يرفع الهاتف النقال إلى استغرابه، يتصل بأقرب صديق وقعت عليه الذاكرة، الهاتف مغلق، يعيد الاتصال بصديق آخر مندهش لِمَ لم تقع عليه الذاكرة في بادئ الامر، الهاتف مغلق، يرمي هاتفه بجانبه، يستعد للنزول، وعلى بعد خمسة أمتار. يتذكر أن اكثر الكوابيس لم تنته بعد!
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|