سقراط وكأسه الأخيرة
|
إبراهيم الناصرالحميدان
نلح كثيراً على تقليب صفحات التاريخ كمرجع دلالي يزخر بالعيون الوامقة لتشدنا تلك الصفحات التي واكبت عزف البشرية نحو عمق التاريخ ودهاليز العلم. ونحن حتما من تلك السلالة بالانتساب كبشر توزعت الأمصار تواجدهم ومصائرهم كما اختلفت أقدارهم وما تحقق على أيديهم لإضفائه إلى ذلك التاريخ الحاشد بجلائل الأعمال. إنها رحلة شاقة بلا شك توقفت فيها المواكب بين الحين والآخر لتتزود بمعدات الرحلة قبل الانطلاقة من جديد فكانت الأمم في شتى ربوع الدنيا تدفع بمخزونها الحضاري نحو تلك الجموع السائرة لتضاف إلى المكاسب التي تحققت عبر قرون مضت. ومن هذه النوافذ التي تمر عبرها مواكب الحضارة بلغت البشرية هذا المستوى العلمي الذي استغلته بعض القوى الظلامية والاستعمارية لتكريسه لمنافعها الذاتية. وكم هو مؤسف أن تسيطر بعض الدول العظمى رغم العهود والمواثيق الدولية على هذه المكاسب عن طريق قواها العسكرية والاقتصادية لتتلاعب بمصائر الشعوب الضعيفة غير ملتفتة إلى التضحيات التي دفعتها الشخصيات العلمية والتفلسفية ثمنا للتمسك بما اكتشفته من قوانين تنسجم مع منطق العلم والحضارة. ولعل سقراط يقف في قمة هذه الشخصيات العالمية عندما اختلف مع الكنيسة التي كانت مسيطرة آنذاك على مقدرات الحكم في عهود مضت فحكمت عليه بأن يتراجع عما يدعو إليه أو يقضي بتناول السم لتأثر الرأي الآخر في سبيل ما يدعو إليه ويعتنقه بتصميم وثقة.. أعرف كم هو كبير ذلك الذي يتنازل عن فكره من أجل حياة بائسة سوف يصعب عليه أن يمارس فيها حريته طالما تنازل طائعا عما يؤمن به ذلك خيار صعب فكيف بالحياة المباعة للشيطان هل ستستفز المشاعر هي بالأخرى أي مقرونة دوما بمشروع يحدث دويا هائلا. إن بلوغ غاية محددة قد يكون من أقسى مراحل العمر الذي يفنى بالضجيج واللهفة. فالأحلام تبقى متطاولة مثل نخلة باسقة تدفع ثمرها دون انتظار من يبثها ترحيبا بما تفرز.
فالانتصار في نهاية المطاف هو الرسالة التي يصعب على المرء أن يحدد الوقت حتى ينالها ولاسيما عندما يعيش بين أناس تضطهدهم الأمنيات الدنيئة والشهوات الليلية.. الإنسان يطرح على امتداد عمره إشارات في ثنايا تفكيره لا تنتعش إلا في وقت محدد ما زال الإنسان يجهل ملامحه رغم مضي كل شيء في درب النهايات البائسة. وقليل من الناس يتذكر كيف بدأت تدب في أوصاله سطوة الانتصار. ولذا تجرع سقراط السم وكان يبتسم في وجوه أعدائه الذين غضبوا من فرحه بالموت المنتصر.
ص.ب6324 الرياض 11442
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|