طَرَفَة.. على الجسر..!! محمد بن أحمد الشدي
|
لا أدري ما الذي يجعلني أحاول كتابة مسرحية أو تجسيد حكاية بعنوان «طرفة بن العبد: على الجسر وكأنه فعلاً مر من هنا» بين هجر والبحرين بخطوات وئيدة إنها حكاية أو أمثولة تشي بشيء.. عن حياة طرفة بن العبد.! صاحب قصيدة خولة.. وشاعر العرب الجهير.
لقد أوحت لي الأحداث والحالة الراهنة التي يعيشها العرب في ظل الظلم والقهر سواء من اسرائيل وأمريكا، أو حتى من المجتمع الدولي بعمل شيء مقارب لتلك الحالة التي عاشها ذلك الشاعر المكلوم في ذلك العصر السحيق..!
لقد اردت اسقاط الحاضر على الماضي فهناك الكثير من أوجه الشبه بين الظلم والتجاهل الذي وقع على طرفة بن العبد والظلم والحيف الذي يقع على العرب اليوم.!
طرفة عانى وتشرد وتلاشى تماماً كما تشرد وعانى كل صاحب حق عربي ومسلم وكما كانت هناك مؤامرة لقتل طرفة والخلاص منه ومن عنفوانه.. تجري الآن مؤامرة لقتل الحق العربي والثقافة العربية ربما بمساعدة أناس من أبناء جلدتنا. ولقد قال طرفة ذات يوم:
على المرء من وقع الحسام المهند
ثم أطلق طرفة تنهيدة وهو يستمع إلى ذلك الاعرابي وهو يروي له:
للزمن صوت حار يشتعل في الدم.. يتسلق أغصان القلب باتجاه الذاكرة حيث الوله والفرح القديم..!!
ثم قال: وها انا الآن كهل «مأزوم» ضائع في متاهات السراب والعطش.. ابكي.. وأنزف وأعض أصابع الندم على فعل لم أرتكبه..
أبحث عن قطرة طل.. ألوح للقوافل القادمة من الأعماق.. زادي القصائد وحمحمة الخيول الجريحة.. في أنقى الغبار وخزامى الصحراء والنعناع البري..!!
أقف كالزرقاء على هضاب جديس.. أطلق لبصري العنان.. أرى الشجر يستحيل إلى غابات من الأسمنت .. ومجرات النيون.. والسيارات الفارهة.. تقدح الشرر.. وتعوي في شرايين المدينة فتطوي الناس والقطط وإشارات المرور الحمراء..!
تحضرت القبائل.. رحلت صوب الشواطىء الغربية والشرقية..
وتركت أطفالها في العراء.. للذئاب والقراصنة والوحوش الخرافية..
تحضرت القبائل العاربة المستعربة.. وانطلقت من الشرنقة إلى البناء المسلح.. من الجمل إلى الطائرة.. وها هي تزحف كالديدان إلى فتوحات جديدة مكتوبة بالحبر الأبيض وبالسراب الرقراق!
خولة.. الآن.. مسبية ترعى النوق في ديار الغجر والسوقة والكلاب الضالة.. تقضي رحلة طويلة.. بين البحر واليابسة..!
صوت الذاكرة المذعور يشتعل في دمي كل مساء منذ أدمنت الحزن وملح البحار.. وما بين لحظة وأخرى تتغير الأشياء والأدوار والوجوه.. ويبقى الصوت هو الكتاب الوحيد المفتوح للقراءة والجنون..!
وما زال لدي في عزلتي وخوفي بقايا صغيرة من عناقيد الشوق.. والأمل.. لحياة رحبة.. وتوقعات كبيرة.. أسلحة حادة وفتاكة مخبأة في فراغ القلب ومختزنة لمعركة فاصلة مع المجهول.. مع الزمن سيد المواقف..!
وفي هذا الجو أكتب رواية عجزي واستلابي:
هذا الصباح كانت هناك جلسة خاصة مدعمة بالشاي الأخضر والكافيار.. قال فيها طرفة ما أروع أن تكون مخالفاً الآخرين في الرأي على طريقة «خالف تعرف».. ولِمَ لا.
وفجأة صاح:
ألا لا يجهلن أحد علينا..
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ثم قال بضحكة مريرة..!!
ما رأيك يا «أخي» في شجر الطلح.. أليس مثمراً؟
ورد عليه علي «الصماغ»: هل هذا استهزاء بي..!؟
إن طارق بن زياد بعد أن فتح الأندلس عاد ليعمل بيديه في أسواق «دمشق» فلم يعيبه ذلك رحمه الله رحمة واسعة ..! واعتادني الصوت.. قيل لي لابد من استشارة طبيب «صحة نفسية».. قال لي: لا تقلق.. إن أقصى ما سيحدث لك هو الجنون.. ثم سجلني في المفكرة كحالة خاصة علاجها الاعتياد والرضا.. وصفعته.. ثم اعتذرت له كثيراً.!!
وأقسم بالله انني شاهدتهم بعيني يفرغون خمس رصاصات في صدر علوان الشمالي بالقرب من المسجد الاقصى كانوا ملثمين وكانت جريمة علوان الدعوة إلى التوحد لتحرير الأقصى.. كل شيء تم بهدوء.. والصحف الخائنة طالبت بالبحث عن القتلة..؟! وهاهم القتلة والخونة والسماسرة وتجار الجنس ومهربو المخدرات.. هاهم يطلون من شرفات الفنادق الفخمة يتحدثون عن البورصة والوجوه السينمائية الجديدة..!!
وجمع بقايا نفسه وهرب من المدينة وهو يصيح..!
آه يا قلبي عليكم..
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ثم قال: إنني أعمل بكل جد واجتهاد وأنا الذي يبحث عن آثاركم عبر مفاوز التاريخ وأرجو ان تكون مسرحية طرفة بن العبد عملاً مقارباً ومقارناً بين زمن مضى وزمن واقع.. وبين ظلم قديم وامتداد له يتمحور منذ مئات السنين تقوده مطامع وايرادات غير مقبولة تنطلق في مجاهل فجة.. وتستحوذ على العير والنفير..!
إنني أجد عنتاً وصعوبةً في الربط بين زمنين متباعدين.. ولكني مؤمن بأن ذلك الظلم الذي وقع على طرفة من قومه هو نفس الظلم الذي يقع عليَّ اليوم من بعض العرب ومن امريكا واسرائيل..!! ثم شخص ببصره الى السماء وهو يقول: إن هذه المسرحية التي قد تستغرق كثيراً من وقتي هي بلاشك تراجيديا باكية أو مبكية ولكنها لا تخلو مما يسمى بالكوميديا السوداء لأن فيها خيطاً من الكوميديا فيما يتعلق بالمتلمس خال طرفة الذي نجا من الموت بإيحاء من شخص مجذوب كان يقعي على الطريق ويأكل، ويفتش في شعر رأسه..!
تصوروا كل هذه الحاجات دفعة واحدة ألا نجد غرابة في مثل هذه الاحداث التاريخية التي قد تبعث أحياناً على الدهشة والضحك ومع هذا تستمر هذه الفظاعات التي تحدث للعرب..!!
ثم.. أليس هناك شبه بين مجرم الأمس على رمال البحر ومجرم اليوم وجساس.. وبين بني بكر قوم طرفة والعرب هذه الأيام؟ وبين حرب البسوس وحرب المجوس؟!
أليس هناك شبه بين «وردة» أم طرفة وبين الكثير مما نفقده كعرب.. كلاهما ظُلِم، وقُتلت ابناؤه، ونهبت حقوقه من قبل الأهل والأصدقاء قبل اللصوص والأعداء..
أما من هو عمرو بن هند في الزمن الحاضر.. ومن هو قاتل طرفة في هجر في وقته.. فهذا مما تتضمنه هذه الحكاية أو مشروع هذه المسرحية التي لم تكتمل مسرحية الموت على الجسر أو الوقوف عليه أو المرور من فوقه..!! أو المرور من تحته!!
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|