الأديب والمؤرخ سعد بن جنيدل لـ مجلة الثقافية تنازعتني حرفتا التجارة والأدب وانتصرت الأخيرة بجدارة تنقلت بين مناطق المملكة من أجل معجم البلاد نعم كنت أدرس الطلاب وأختبر معهم نهاية العام
|
* حوار عبدالحفيظ الشمري:
للأديب والمؤرخ سعد بن عبدالله الجنيدل سيرة متميزة في المجال الثقافي، بل انه مع قلة من الأدباء أخذوا على عاتقهم مهمة بناء منجزات حضارية وثقافية ربما يأتي أبرزها جهد هذا الرجل في مجال معاجم الأماكن في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية حيث شاطره في هذه المرحلة العلمية عدد من الأدباء والمثقفين المتخصصين في مجال جغرافية هذه المنطقة؛ فحول هذه المسيرة وقضايا أخرى كان لنا معه هذا الحوار الذي جاء على هذا النحو:
* بداية نود شيخنا الجليل أن تحدثنا عن أولى التجارب ومدى تأثركم بما كان يطرح في بداية انطلاقتكم في مجال الأدب..؟
تجاربي الأولى في مجال الثقافة والأدب والتعليم كانت منذ نعومة أظافري فقد تنقلت بين قريتي وبعض المدن منها مكة وجدة والرياض وفي هذه الرحلات كنت مولعاً في تطبيق ما أقرأه وأحفظه من شعر على بعض الأماكن لتتكون لدي طاقة هائلة من المخزون الثقافي المرتبط بالأماكن والأحداث العظيمة.
وقبل هذا وذاك كانت بداياتي في القرية منصبة على تعلم القرآن الكريم والحديث والتفسير في وقت كنت أكابد مع والدي واخوتي عناء البحث عن الرزق منذ ساعات الفجر الأولى وحتى الغروب إلا أن ساعات المساء المسموح لنا فيها نقوم بقراءة تفسير ابن كثير، والسيرة، والأدب والحديث.
* قلتم إنكم تنقلتم بين مدن المملكة كيف كانت هذه الرحلات..؟ وهل طابعها علمي أم بحثاً عن الرزق..؟
ربما كانت بدايات رحلاتي قبل عام 1376هـ نحو الرياض ومنها انطلقت إلى مكة وجدة لأغراض التجارة التي تحددت بجلب الذرة، والأرز والسكر وبعض الأقمشة إلا أن هذه الرحلات تتخللها فترات أطلب فيها العلم على يد بعض العلماء لاسيما علماء الحرم المكين الذي ترددت على حلقات الذكر والدراسة لديهم فقد كنت أذهب بعد صلاة العشاء إلى الشيخ سعد أبو معطي وهو في تلك الآونة يطلب العلم ومعه زميله سعد الحصين في منزلهما قرب الحرم وأتزود منهما ببعض المعلومات وأكتب بعض المذكرات، وأحياناً أذهب إلى الشيخ عبدالعزيز المويش وكذلك الشيخ عبدالرحمن الشعلان إلا أن زياراتي متقطعة نظراً لارتباطي بالتجارة إلا أن هذه اللقاءات عرفتني بشعراء وأدباء من مناطق أخرى فزادت معارفي واتسعت دائرة اهتمامي..
* عندما تعود إلى العاصمة الرياض وتسلم حمولة الطعام والكساء إلى التاجر ما الذي تفعله..؟.. هل تنصرف للعلم أم تراك تذهب في مهام أخرى..؟
عندما أعود إلى الرياض أتردد على أهل العلم وأخالط العلماء وطلبة الكليات والمعاهد الشرعية فقد تعرفت على أدباء وشعراء من أمثال عثمان الأحمد، وحمد المنصور وحمد الحجي، وأقتني بعض الكتب من بعض الباعة ومن أبرز هؤلاء «حنيشل» وهو رجل لا شأن له بالكتاب والأدب إلا أنه يبيعها في سوق بين دخنة والصفاة عرف بالجفرة.
و«حنيشل» هذا شيخ صعب الممارسة ولا يبيع الكتاب إلا بصعوبة، فهو يحضرها من الشام ومصر والعراق ولبنان وهي ذات طابع تاريخي و فقهي.
وما أفعله «أنا» كل أسبوع هو أن آخذ كتاباً أو كتابين وإن لم أجد عنده ما أريد أذهب إلى مكتبة البابطين في سوق «الزل» ومطابع «النصر» لابن سليم وأستعير ما أحتاجه من بعض طلبة كلية الشريعة وأصول الدين وبعض الذين يسافرون لطلب العلم في بعض البلاد ولاسيما العراق.
* هل شغلتم بالتجارة ولماذا لم تتوجهوا إلى طلب العلم بشكل مبكر شأنكم شأن أقرانكم..؟
التجارة التي عملت بها يا بني كان بعضها لأبي وللتجار الآخرين ولا أخفي عليك أنني لا أميل إلى هذا النوع من النشاط فقد كنت مشغولاً بالعلم والكتاب رغم أعمالي التجارية والدليل على ذلك أنني واصلت تعليمي إضافة إلى ما أقوم به من بيع وشراء، فكانت نتائج هذا التعليم أن أصبحت أستاذاً في مجال الثقافة والعلوم الشرعية حتى أنه عرض عليَّ أن أعمل في التعليم لأكون مديراً أو مشرفاً فما كان مني إلا أن وافقت أخيراً.. ثم انني ما زلت أذكر بدايات تعلقي بالأدب حينما اشتركت في صحيفة البلاد عن طريق أحد معارفي بمنطقة الدوادمي لأنني أقيم في الشعراء وهي مدينة صغيرة ولم تكن هذه هي همومي إنما راسلت العديد من الجهات الثقافية وبدأت أنشر أول مقالاتي في المنهل وهي ذات طابع نقدي حول الأدب.
* شيخنا سعد.. نود أن نتوقف عند بدايتكم في مجال التعليم التي ذكرتها في معرض إجابتكم على سؤالنا السابق؟
في عام 1376هـ تم افتتاح فصل متوسط مع مدرسة الدوادمي الابتدائية فكانت هي البداية التي أقول إنني كنت متردداً فيها ولم أوافق إلا بصعوبة نظراً لمشاغلي ورفض «أبي» فكرة أن أترك التجارة، فما كان مني إلا أن وافقت وخدمت مسيرة التعليم وإضافة إلى امتهاني للتعليم كنت بحاجة إلى شهادة فما كان مني إلا أن أعلم أبنائي الطلبة وأختبر معهم في نهاية العام وهي من المفارقات اللطيفة التي ما زلت أذكرها حتى الآن..
* نود شيخنا أن تذكر للقارئ الكريم بعض تلك الذكريات العطرة والمؤثرة فعلاً..؟
كل رحلتنا نحن أبناء ذلك الجيل كانت مفارقات لا تخلو من كدح وعناء وتضحيات فقد ارتسمت في ذهني أول حالة أطروحة دكتوراه قدمها الدكتور عبدالعزيز الخويطر والتي حازها من بريطانيا فكانت المناقشة على ما ذكر شاقة وقوية إذ تخصصت هذه الأطروحة حول صراع الظاهر بيبرس مع الصليبيين والتي كانت في عام 1380هـ وحينما عاد تولى التعليم فكانت هي المنعطف الجديد في حياتنا التعليمية في المملكة.
* نود أن تحدثونا عن أول إصداراتكم؟.. وما هي طبيعة هذه المؤلفات التي قمتم بها..؟
أول إصداراتي حينما كنت في مرحلة دبلوم التربية عام 1391هـ وهو بحث في مجال التربية الإسلامية حيث قمت بتطوير هذا البحث وجعلت عنوانه «التربية الإسلامية مقابل الفلسفات الحديثة» وأصدرته عن دار العلوم بالرياض وتمت طباعته عدة طبعات لأنه اعتمد كمقرر في كلية التربية وتلا هذا الكتاب كتب أخرى مثل كتاب «محمد بن بليهد» و«صحيح الأخبار» و«المعجم الجغرافي».
* كيف كنتم تتابعون جديد الثقافة والأدب ونحن نعرف أن في وقتكم شحاً في الإصدارات وندرة في الأخبار الثقافية والأدبية..؟
كما قلت لك سلفاً كنت أتابع شخصياً جريدة البلاد ومجلة المنهل ثم قمت بمتابعة مجلة العرب التي كان يصدرها حمد الجاسر من لبنان، وكانت تأتي إلى المملكة وكانت هناك موجة من الإصدارات والمؤلفات في بداية التسعينيات الهجرية لكل من حمد الجاسر وعبدالله بن خميس ومحمد العبودي والدكتور عبدالعزيز الخويطر وجميع هؤلاء ومعهم عاتق البلادي وعبدالله حميد، وعبدالله عسيلان، وعبدالرحمن العبيد، ومحمد عقيلي، وأحمد المبارك كانت لنا جميعاً لقاءات ثقافية وأدبية نتدارس من خلالها مشروع معاجم البلاد السعودية والذي تم توزيعه على الجميع.
* نلاحظ شيخنا الجليل أن هناك ثمة تقاطعاً واضحاً بين تجاربك وتجارب الشيخ العلامة حمد الجاسر يرحمه الله .. كيف بدأت علاقتكم وكيف انتهت؟
كانت لي مع حمد الجاسر تجارب عديدة أولها أنني كنت قد نشرت بعض البحوث في مجلته «مجلة العرب» ثم بدأت في إعداد معجم «عالية نجد» قبل أن تنطلق رحلة معاجم البلاد السعودية التي أصبحت كما يعلم الجميع موزعة على عدد من الشخصيات الثقافية المعنية بالتراث والثقافة والجغرافيا والتاريخ فقد كانت الفكرة الأولى في هذا المشروع أن يكون بيني وبين حمد الجاسر إلا أنه تم توسيعها على هؤلاء الذين ذكرتهم فهم كما تعرف يملكون المعلومات والخرائط والمخطوطات عن بلادهم.. بل وتجعل الموضوع أكثر دقة وتخصصا في المواقع لاسيما وأن بلادنا مترامية الأطراف.
* كيف كانت وسائلكم في هذه الرحلات التي جابت مناطق الوطن..؟ وكم استغرقت هذه الرحلة العلمية؟
صدر في هذا الموضوع أمر سام كريم بأن ينظم لحمد الجاسر وزملائه رحلات علمية داخل المملكة من أجل إنجاز المعاجم الجغرافية والتاريخية الخاصة بالبلاد السعودية.. فقد كلفت الجهات المعنية وزارة الإعلام ووزارة المعارف آنذاك ووزارة الداخلية وإمارات المناطق من أجل أن يتم تسهيل مهمة هؤلاء الأشخاص فكانت هذه الرحلات بالنسبة إلي من أروع الرحلات في حياتي حيث وقفنا على الكثير من المواقع الأثرية والهضاب والسهول والجبال والعيون وقابلنا في هذه الرحلات العديد من أعيان البادية والهجر، فقد كانت حصيلة هذه الزيارات العديد من الفواذد العلمية والثقافية والتوثيق الحقيقي للشعر العربي الفصيح منه والنبطي إضافة إلى النواحي الجغرافية والمواقع التاريخية التي تحتاج إلى تطبيق على أرض الواقع.
* شيخ سعد ما هي أحدث إصداراتكم في مجال الثقافة والأدب..؟
لا يخفى عليكم أنني كنت أختزن في ذاكرتي العديد من الأفكار التي أتمنى أن أنفذها لتكون مفيدة ونافعة للقارئ الكريم لكن كما ترى أصبحت شيخاً مسناً إلا أنني جاهدت نفسي وقمت بإصدار كتاب جديد هو «معجم الأمكنة الوارد ذكرها في القرآن الكريم» وهو حصيلة جهد متواصل منذ أعوام قضيتها في البحث والإعداد والتأليف..
ويقع هذا المعجم الذي صدر هذا العام 1424هـ في طبعته الأولى في نحو «434 صفحة» من القطع العادي حيث سبق بمقدمة أشرت فيها إلى أن هذا المعجم هو الأول من نوعه إذ لم يسبق لأحد أن ألف فيه، كما ذيل بخاتمة وثبت بالمراجع والمصادر التي احتجتها لإنجاز هذا المعجم وفي الطريق إن أمدني الله بالعمر والصحة بعض الأعمال الأدبية والبحوث التي لا أخفي عليك أنها تحتاج إلى جهد أتمنى أن أوفق في تقديمها إلى القارئ الكريم..
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|