قصة قصيرة عيسى مشعوف الألمعي
|
طرق أبواباً للرزق كثيرة، دخل مكاتب أنيقة، لا يُسمح فيها بالجلوس، أو الكلام الكثير، رسم ألوانا ممزوجة على وجهه، لكي يكون مقبولا، ضحك مُجاملا حتى لمن يسخر منه..
قابل (محمد قفال) وجوها منتشية، لا تعرف الهم والغم، ولا ضياع الأشياء العزيزة.. لم تذق طعم الفقر، ولا مذاق الجوع، لم تقرصها برودة الحرمان، سأل رجالا قساة الملامح والألفاظ، يتناوبون حراسة المصالح والعيش، مد يده، اعتقدوا أنه يصافحهم، فضحكوا!
استحى.. خجل.. تحرك.. ثم ذاب مثل مادة غريبة بلا نكهة ولا رائحة، كأنه سمكة طرية تسقط في جوف حوت هائل، أصبح مثل أغنية مهزومة تنطفئ في ضجيج أسود، تمتم مع نفسه بألم.
تَمرُّغ لكنهم لم يسمعوا صوتي الهزيل .. وربما ظنوا أني أودُّ الاحتيال عليهم،
وسرعان ما رأى الأحلام والأماني تنهار أمامه مثل جدار من حجر، وعندئذ اختلط ضحكه بالبكاء، ثم عاودته الوساوس، كلم نفسه: هم لا يعلمون أن أطفالي أصبحوا في عدد الذباب .. فمن أين يأكلون؟ إن أعماقي تمتلئ بالمرارة منذ أربعين سنة، كأن وجهي قدح من فضة أعرضه كل يوم للزملاء والأصدقاء، لكي يضعوا فيه الحسنات لهم واللقيمات لصغاري، أنني أسخر من نفسي ومن هؤلاء، عنجهية غريبة.. حتى الجلوس معهم محرم.. تكبّر على الناس {وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لَّا يَسْتَنقِذُوهُ} لقد سمعت عنهم كثيرا..
تصور محمد.. أن الناس يظلمون بعضهم.. وأن أغلب ما يقال عنهم مجرد تخرصات وإشعاعات كاذبة.. ثم غضب كثيرا على نفسه وهو يرد بأسى: لن أمرّغ وجهي لأحد بعدَ اليوم.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|