إبراهيم الشمراني رسالة إلى إنسان يشبهني
|
أكتب لك وأنا حبل مشدود بين جبلين من هم وحياة، متحينا تلك اللحظات التي تهدأ فيها الريح، فلا تتناثر فيها سلال الكلام، وأنا الحريص أن يصلك كل حرف في بوحي مهذباً وأنيقاً يحتفل بكل الإخلاص الذي تحمله لي منذ عرفتك صديقا وحافظا لأسراري!
أكتب لك أيها الأغلى في الصبر، ليس لأنه يجب أن أكتب لك، بل لأني أحسست في عتبك وحنوك الأخيرين شيئا من معروف لم يكن لمثلي إلا أن يقابله باعتذار صادق أشرح لك فيه أنك كنت قريباً مني جداً، لكني أنا الذي كان بعيداً جدا بين صعلكة الشعراء وثورة العاشقين والمتمردين والفلاسفة!
إنها الحقيقة يا صديقي التي وعيتها منذ كبرت وعرفت اللغة والحياة، وأن الإنسان لغة، وأن الحياة معنى، فحاولت أن أكتبها وفشلت، أما الآن فقد تعبت وأريد أن أتخلص من هذا العذاب الذي أنا في سويدائه تحف بي سقطاتي وصور كثيرة أتأملها، فلا أجد فيها إلا ضعف البشر وقسوتهم على صاحبك وأتلو حينها شفقتي عليهم وأدعو لهم ولي!
لقد كنت أمسي وأقول: إني في الغد سأتوب من سمواتي التي أسكنها لكني أستيقظ على جفاف عظيم ينثرونه في المدى وأفر الى حيث المطر والشعر والأنثى، وهنا كان مرتع الوجع حيث فررت من نار الى مجرات من لهيب أحرقت فيها قلبي وتفكيري ولحظات حياتي، وأدفن في كل غروب تاريخ كل يوم من أسئلة عظيمة كأنها غرغرة حزن في حلق أبوة لا تريد أن تنكسر أمام طفلين للتو رشوا الماء على قبر أمهما معه وصافحا في اللحظة يد اليتم والفراغ!
لقد تركت العقل والراحة حين قررت دراسة العشق والبشر والحياة. إنها لحظة الحكمة، وقد ودعت الثلاثين، وليست لحظة العيش أبدا ولا السلام مع الموت، وأنا الذي ترك وراء ظهره حبراً عظيماً كتبته وحبراً أعظم ينتظرني وفررت منهم وأشعلت في تاريخ كل من هؤلاء الثلاثة ... نارا تستعر فيها وأنهيت معاناة الإنسان الذي أردت أن يعيش لكنه كان يموت في تيهه ألف مرة وآن لي أنا أن أكون كما أريد، وكما تريد أنت لا كما لا يريدون!
إنها أيضا لحظة الخلاص من كل القيود، ومن كل صكوك الوفاء كتبتها لكل واحد منهم واخترت أن أعيش دون تاريخ، ومن كل ما هو يمت للهندسة بصلة ورحلت أسافر في تأمل عملاق وأسكن في إنسان لا يهمه أن هناك من يسأل أين ذهب العاشق.
أعرف أني ثرثرت كثيرا لكني رجوت أن تقرأ كل هذا فتسامحني على كل ما صنعت بك، وعلى كل النزوات التي تركتك تحصد آثامها بدلا عني وأنت الوفي والقريب والعالم بكل شيء عندما لم يكن لكل شيء معنى متمنيا أن أستيقظ يوما، وقد احترق هذا العالم، ولم يبق إلا أنا وأنت وأمنية أو يتفرق رمادي على أماكن مخذولة ويسلم العالم وأنت! إني خجل منك، وأنا أغتسل أمامك هكذا لكني أردت أن أتطهر من المعاصي والآثام، وأردتك أن تسامحني ونبدأ موسما مختلفا لزراعة القمح أطلب فيه منك رفع يديك معي عالياً.
كن صديقي الوفي حتى نلتقي مرة أخرى فما أكثر ما يتوب هذا الإنسان ثم يعود لارتكاب ذنوبه العظيمة لكن بربك لا تسألني بعدها عن شيء ولا تعاتبني حينها على شيء، ولا تجعلني أعترف لك بشيء ما استطعت عليه صبراً ولا شعراً، فما أقسى أن يعترف إنسان لنفسه وتعترف به وله ثم يقيمان حفلة للبكاء والعتب والشعر ويسبان الحياة!.
ss999@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|