شاعران يُنطقان صمت الحياة
|
(علي أحمد النّعمي) شاعر من الجنوب، في شعره شموخ جبال (فيفا) وأريج سهول جازان وسكونها الوادع.
يُذكرك شعره بأناشيد الرومانسيين الكبار من أمثال (وورد وورث) و(شيللي) و(الشابي) و(الهمشري) و(التيجاني)، وعلى وجه الخصوص في بكائيته هذه.
كان (علي النعمي) بيننا في الرياض، قبل أكثر من ربع قرن يملأ حياتنا بإشراقة وجهه الدائمة. وغنائه الرائع، دائب التنقل في كل مكان بين دور الصحف وتجمعات الكتاب والصحفيين. بجسمه الناحل، كأنه ذلك البلبل الذي لا يكف عن التغريد والطيران.
في قصيدته هذه (الصمت المخيف) التي وصلت إلي عن طريق حبيبنا وقلبنا النابض بالحب أبداً، صاحب (الجداول) أبي بدر الأستاذ (حمد القاضي) ، يبث فيها لواعج وجده على زمن جميل، ولواعج قلبه الذي يسأله عن (صباحه الريان) وحينما لاذ بوحدته الاختيارية بات يسأل قلبه الولهان (أين تفرق الخلان). في الواقع أن هذه الأسئلة هي مفاتيح موضوع هذه القصيدة، التي تذكرك بمناخ (الرياض) الصحفي والأدبي، فترة التسعينات الهجرية، (السبعينات الميلادية) وعبر ذلك المناخ، نتذكر معه تلك الكوكبة من الأسماء اللامعة التي كانت تمثل ذلك المشهد الصحفي والأدبي، ومنهم من لا يزالون يمثلون المشهد نفسه. فأنت مثلاً تتذكر هذه الأسماء التي وردت شعراً في أبيات هذه القصيدة، منهم:
(محمد العجيان، صالح الصويان، أحمد الهوشان، عبد العزيز العمران، عبد الرحيم نصار، محمد الشدي، محمد أبا حسين، عبد الله الماجد، عثمان العمير، تركي السديري، عبد العزيز المنصور، سعد الحميدين، راشد فهد الراشد، إسماعيل كتكت، سلطان البادي، حمد القاضي (صاحب الجداول)، مسافر (أحمد صالح الصالح)، علي العفيصان، عبد الله بن إدريس، (أبو زياد) علي الشهراني، أحمد السفاريني، خالد المالك، سليمان العيسى، عبد العزيز السالم، راشد الحمدان، عبد الله الشهيل، الجبيلي، علي العمير، عبد الله بن عسكر، (شيخ الجزيرة) حمد الجاسر، فهد العيسى، محمد الطيار).
من أجمل ما تُشع به هذه القصيدة الريانة، وصف ذلك الزمن، الذي كانت تحيطه الألفة والحب، الذي صفت به النفوس: (لولا التآلف ما صفت أيامنا، والحب (أغطش ليلها) الحرمان. لولا التقارب كانت الدنيا كما ربع عفا نعقت به الغربان).
لقد أثارت هذه القصيدة قريحة شاعرنا الودود المغرد دائماً بأجمل الشعر أُلفة مع النفس.
وأحد أولئك الفرسان الذين تذكّرهم الشاعر النّعمي في غربته عن الرياض الشاعر (أحمد صالح الصالح) (مسافر).
فعارضها بقصيدة على نفس الروي عنوانها (بين النّعمي والصمت)، وكعادة قصائد الأخوانيات، أو (المعارضات) كما هو معروف في تراث الشعر العربي، تعلو فيها نبرة الخطابة والمباشرة، ليصبح فيها الإبهام الشعري واضحاً مُغللاً بإيماء الشعر، فلا تنغلق على فهم القارئ العادي.
لكن قصيدة شاعرنا (مسافر) جاءت موشاة بمكنون الشعر وسيمائه، فلا تتنازل أبداً إلا أن تكون من ذلك الشعر الراقي الذي يسلمك نفسه وينأى بنفسه عن الكلام العادي المبثوث في أعاريض الشعر العادي.
وهو هنا يبث صديقه (النّعمي) لواعج الذكرى ويطمئنه أن ذكراه وذكريات تلك الأيام باقيه في القلب والوجدان. لكنه، وكعادة الشاعر، الذي هو وجدان أمته وقلبها، يتألم بآلامها، ويفرح لانتصاراتها، وكما غنى للذكريات الجميلة، ها هو يغني لجراح هذه الأمة، حتى لتصدق مقولة أصحاب (الديالكتيك) (الجدل) بأننا في حالات السعادة والمرح نتذكر آلام الحياة وجراحها المبرحة، لتكون صدى للجدل الدائم في هذه الحياة.
ولسوف يطول المقام بنا لو استرسلت في تحليل هذه القصيدة التي هي في ظني وفي الأبيات التي تتحدث عن جراح هذه الأمة، من أجمل ما قرأت منذ زمن طويل، وفي عقيدة النقد الانطباعي، فإن تشريح الشعر الجميل يُفسده، ويُضرّ به، على رأي شيخ النقاد (مندور) يصبح الناقد كمن يُشرّح فراشة بسكين البصل.
تحية لشاعرين من أجمل شعرائنا ومن أحبهم إلى قلوبنا، تناظرا على المحبة وفي المحبة. وبالمحبة تدوم وتتجمل الحياة، وينطق صمتها المخيف.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|