ياعوف أَجِزْ هذا، فقلت في الحال: |
أفي كل عام غربة ونزوح |
أما للنوى من ونية فتريح |
لقد طلَح البين المشتّ ركائبي |
فهل أرينّ البين وهو طليح |
وأرّقني بالري نوح حمامة |
فنحن وذو الشجو القديم ينوح |
على أنها ناحت ولم تذر دمعة |
ونحت وأسراب الدموع سفوح |
وناحت وفرخاها بحيث تراهما |
ومن دون أفراخي مهامه فيح |
عسى جود عبدالله أن يعكس النوى |
فتضحي عصى الأسفار وهي طريح |
فإن الغنى يدني الفتى من صديقه |
وفقد الغنى بالمقترين نزوح |
فأخرج رأسه من العمّارية وقال: يا سائق، ألق زمام البعير. فألقاه، فوقف ووقف الحاج معه، ثم دعا بصاحب بيت ماله وقال: كم يضمّ ملكنا في هذا الوقت؟ فقال: ستين ألف دينار. |
فقال: ادفعها إلى عوف، ثم قال: ياعوف، فقد ألقيت عصا تطوافك فارجع من حيث شئت. قال: فأقبل خاصة عبدالله عليه يلومونه ويقولون أتجيز أيها الأمير شاعراً في هذا الموضع المنقطع بستين ألف دينار ولم تملك سواها؟ قال: إليكم عني، فإني قد استحيت من الكرم أن يسير بي جملي وعوف يقول: عسى جود عبدالله، وفي ملكي شيء لا ينفرد به... |
جود عبدالله بن طاهر بن الحسين لم يكن الصفة الجميلة الوحيدة من صفاته. فعدا كونه يستثار بالشعر الجيّد فيجزل العطاء كان على ما يبدو رقيق القلب، تؤثر به الكلمة الواعظة إذا |
كانت صادقة فتصل به إلى حد البكاء. وثمة صفة من صفاته الجسدية لم يذكرها المؤرخون عنه ولكننا نستشفها من خبر يورده عنه ابن عساكر في تاريخه الكبير، تاريخ مدينة دمشق، فنعلم أنه كان جميل الهيئة والوجه. |
في هذا الخبر يقول ابن عساكر إن أبا زكريا يحيى بن يحيى قام ليلة لورده بعد صلاته. فبعد أن فرغ منه قعد يقرأ في المصحف. فدخل عبدالله بن طاهر عليه، فلما قرب منه قام إليه والمصحف في يده ثم رجع إلى قراءته التي كانت افتتحها. ثم وضع المصحف، واعتذر إلى الأمير قائلا: لم أشتغل عن الأمير تهاونا بحقه، وإنما كنت افتتحت سورة فختمتها. فقعد عبدالله ساعة يحدثه، ثم قال له: ارفع إلينا حوائجك. فقال أبو زكريا: وهل يستغنى عن السلطان أيده الله؟ وقد عرضت لي حاجة الآن، فإن قضاها رفعتها. فقال عبدالله: مقضيّة ما كانت. فقال أبو زكريا: قد كنت أسمع بمحاسن وجه الأمير، فلم أعاينها إلى في ساعتي هذه... وحاجتي إليك أن لا ترتكب ما يحرق هذه المحاسن بالنار! |