الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الجزيرة
Monday 27th September,2004 العدد : 78

الأثنين 13 ,شعبان 1425

مناهج لخدمتنا أم لإعاقتنا؟!!
أمل زاهد
وأولادنا يستقبلون تباشير العام الدراسي الجديد، ويحملون على ظهورهم أنصاف أوزانهم من الكتب، ويتوجهون بحملهم الثقيل إلى مدارسهم، تشتد الحاجة إلى رفع سؤال ما فتئ يتردد منذ زمن عن ضرورة تطوير وتغيير المناهج والارتقاء بالعملية التعليمية نفسها حتى تواكب التطورات التي تنتهجها البلدان المتقدمة كي ترتفع بمستوى المناهج والتعليم عندها، وتقرنها بالعملية التنموية حتى تصل بالطالب إلى مرحلة التحريض الفكري والاستثارة المعرفية التي تشعل فتيل عقله وتطلق زناد تفكيره فيما يجري حوله من ظواهر، وتحرره ليسبح في ملكوت الله الواسع الآفاق وفي محيطات العلم وفي سنن الله التي وضعها للحياة وظواهرها وللكون ومتغيراته.
ولكن هذا المطلب الشديد الإلحاح في زمن تعصف به الأحداث وينوء ثقلاً بسرعة مجرياتها يُقابل بمعارضة شديدة، وكأنما يمس بعض الناس مساً كهربائياً من مصطلح تغيير المناهج أو تطويرها، فلا يستطيعون أن يروا فيه إلا سوءاً في السمعة، أو رغبة في التآمر وتحريضاً على التغيير، وذلك يصيبهم (بارتكاريا) تدفعهم إلى الرفض حتى قبل مناقشة الفكرة وتفكيك حيثياتها ومناقشة أبعادها.. وغالباً ما يتهم صاحب الفكرة بالميل إلى التغريب وبالبعد عن الدين والرغبة في الانسلاخ عن المبادىء والمثل والقيم التي تحكم مجتمعاتنا، ويلعب سوء الظن العامل الأكبر ليلقي بأشخاص يؤرقهم حب الوطن والرغبة في نهضته في زمرة العملاء والخائنين لأديانهم وأوطانهم، ويجادل المعارضين لتغيير المناهج قائلين إن المناهج القديمة قد أخرجت إلى الساحة عدداً كبيراً من الأطباء والمهندسين والمعلمين الذين ساهموا في نهضة هذا الوطن، متغافلين عن أن العبرة ليست فقط بعدد هؤلاء المتعلمين ولكن بالإبداع والابتكار والاختراع الذي يتوجَّب أن يخرج من تحت أيديهم.
التغيير سنة الحياة بل هو الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا الكون، وحتى يتم التغيير المطلوب والمحرك للعملية التعليمية قُدماً يجب أن نعترف أننا فعلاً بحاجة إليه، وأن مناهجنا تحتاج إلى رؤية نقدية تحليلية تحاول وضع يدها على مكامن الداء وعلى مواضع الخلل.. كما يجب أن نتخلى عن الأفكار الجامدة التي تبقينا (محلك سر) في زمن يتأجج بالمتغيرات التي تجرفنا في طوفانها غير قادرين على مقاومة قوة اندفاعها وشدة سيرها.. وعندما يولد التغيير كنتاج لدراسات وبحوث يقوم بها المخلصون من أبناء هذا الوطن والساعون إلى نهضته ورفعته وعلى أسس متينة تُراعى فيها مبادىء وقيم ديننا العظيمة، فسيكون تغييراً هادئاً متوازناً لا يُعرِّض النشء إلى هزة قد لا يستطيع احتمال شدة تأثيرها.
وتزيد شدة المعارضة لو تطرق المرء إلى التربية الدينية في مدارسنا وإلى الحاجة الملحة لتطويرها وإلى وضع موادها تحت مجهر البحث، ومحاولة القيام بعملية توفيقية بين عمر الطفل وبين ما يُقدم له من معلومات دينية قد لا يحتاج إليها وقد تدخله في متاهات هو أحوج ما يكون إلى الابتعاد عنها في ذلك العمر. فعلى سبيل المثال ليس من المعقول أن يدرس طالب الابتدائية ما يتعارف عليه (بعلم الكلام) والذي يحتاج إلى الكثير من المهارات الذهنية والذي يتجسَّد في كثير من التعريفات، فيحفظ ويردد عبارات لا يفهم معناها ولا يدرك المُراد منها، فتفقد العملية التعليمية معناها، فتوصله إلى حافة الجهل بدلاً من أن تقفز به إلى مشارف المعرفة، والأولى بنا أن نلفت نظره إلى تمام خلق الله وبديع صنعه ونثير اهتمامه كي يتأمَّل فيما حوله، ونرتقي بذوقه الجمالي وحسه المعرفي ليتعرَّف على وحدة الخالق من خلال إدراكه لوحدة المخلوقات وانسجامها وتناغمها، وبذلك نقوده إلى محبة هذا الخالق الذي سخَّر للإنسان الكون بما فيه وطوَّعه لخدمته وإسعاده.
تحتاج مناهجنا إلى الكثير من التمحيص وإعادة النظر، فعصرنا لا يحتمل كل هذه الكمية من الحشو التي تتهدل من مناهجنا وتتخم عقول أبنائنا ثم لا تلبث أن تهوي في معاقل النسيان بعد أداء الامتحانات، وقد آن الأوان كي نقدم المعلومة النافعة والقادرة على مواكبة واقع حياتنا، وأن نقصقص المناهج من أي زيادة لا داعي لحشرها ولا فائدة من إقحامها.


amalzahid@hotmail.com

الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
كتب
ذاكرة
مداخلات
الثالثة
مراجعات
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved