كيف الجمع بينهم؟ العلاقة مفقودة بين الآثار والتشكيليين
|
*إعداد: محمد المنيف:
يعد إقامة الهيئة العليا للسياحة والتراث والثقافة معرض روائع من الفن الإسلامي في المتحف الوطني والمنتقاة من مجموعة كبيرة يحفل بها قسم الفنون الإسلامية بمتحف اللوفر وإحضارها إلى الرياض حدث لا يمكن إغفاله أو عدم الاستفادة منه خصوصاً من قبل التشكيليين، كما أن فيما تحدث به الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأنصاري بعد افتتاحه معرض فناني المدينة المنورة وإشارته إلى أن الفنان السعودي بدا يستلهم التراث القديم، وبدا يضعه بطريقه ليست نقلاً حرفياً، ولكنه نقل ما تأثر به وهذا هو الشيء الجميل أن يتأثر الفنان السعودي بهذا التراث، وبدا يعطي إبداعه انطلاقة جديدة ومفهوماً جديداً، مضيفاً أن التنقيبات الأثرية وما يكتشف فيها هي معين ممتاز للفنان التشكيلي المحلي ليقدم تراثنا سواء القديم الإسلامي أو الحديث بطريقة فيها نوع من الرؤية والاحترام للفكرة، وفيها نوع من نقل ما نريد أن نقله للآخر لأننا أمة ذات رسالة معينة تهدف إلى السلام وتهدف إلى المحبة ويشير إلى أن الفنانين الآن يجترون من المخزون، وهذا المخزون سينضب في يوم ما وسيتشكل بطريقة أو أخرى، ولهذا فالزاد موجود لدينا في متاحف الآثار كما نشاهد الآن في وجود مختارات من الفنون الإسلامية من اللوفر، وتعرض في المتحف الوطني ما يجب أن يكون فرصة لإطلاع الفنانين التشكيليين عليه لينقلوا انطباعاتهم في لوحات لا تحاكي تلك القطع بقدر ما تستلهمه من ألوان، والرؤيا ويطلب الدكتور الأنصاري من الفنانين أن يذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير ويبحثوا في آثاره في تراث العصور الإسلامية وصدر الإسلام وما قبل الإسلام، فأنا أعتقد انه ستظهر أشياء يفتخر بها في المستقبل. فهناك مثلاً الفنانون في مصر ومنهم على سبيل المثال الفنان محمود مختار تجد ان هذا الفن في القرن التاسع عشر وضع تمثال نهضة مصر على شكل المرأة المصرية التي تعبر عن عطاء المرأة المصرية، ومن شكل أبي الهول الذي يمثل هذين الموقفين جعلاني أطرح التساؤل حول أسباب ابتعاد الفنانين عن هذه الكنوز، وأتساءل أيضاً كم من الفنانين زاروا المتحف الوطني واطلعوا على الآثار فيه وكم هي المساحة المتاحة في أعمالنا التشكيلية لاستلهام تلك الآثار العظيمة.
أيهم أكثر أصالة؟
لا يمكن تجاهل الرموز الشعبية التي تنتشر في مختلف مناطقنا وأصبحت مرجعاً ومصدر إلهام للتشكيليين مع أنها استهلكت وتوقف مستلهموها عند حدود لا يمكن تجاوزها إلى غيرها أو البحث في أعماقها لعدم وجود فترة زمنية أو تسلسل تاريخي يتوارث ويورث من بعده تلك النقوش وأساليب التزيين مما يعني أن عمرها قريب مرتبط بأنماط البناء الطيني وهي حقبة لاحقة ومتواضعة مقارنة بما كانت عليه الجزيرة العربية من حضارات وثقتها الحفريات واحتفى بها متحفنا الوطني، إلا أن تلك الرموز والزخارف الشعبية وجدت رواجاً وقبولاً من الفئات والأعمار التي تعاملت معها أو لحقت على آخر عمرها وزهوها وتوظيفها على داخل المباني وعلى الأبواب، ولهذا فقبولها والإعجاب بها قد لا يستمر إلا باستمرار وجود من عاشها وتعايش معها. أما الموروث الأثري الكبير والمتكئ على تتابع حضارات قديمة هي أصل الجزيرة العربية، وهي القاعدة التي تقف عليها حضارتنا الحديثة بكل اعتزاز كونها تشكل ماضياً أصيلاً جذوره منغمسة في التاريخ ولم تكن عابرة أو جديدة.
تجاهل أم جهل
هذه الآثار وتلك الرموز الإبداعية لم تكن يوماً هاجساً ومدار بحث لنخبة من الفنانين ولم يكن وجودها في تجاربنا التشكيلية واردة مما يدفعنا للتساؤل المؤلم هل هو جهل أم تجاهل؟ فالجهل مصيبة والتجاهل أعظم كما أن في عدم التواصل بين التشكيليين وبين المعنيين بمنابع هذه الآثار ما أوجد الفجوة الكبيرة والتباعد عن التعرف على أعماق التاريخ واستخلاص رموزه الجمالية.
ومن المؤسف أن أواجه بالإجابة بالنفي عندما طرحت السؤال على كثير من الفنانين حول زيارتهم لمعرض الروائع الإسلامية باعتباره حدثاً مهماً للتراث وللفنون، مع ما أجده من إجابات سابقة عن عدم زيارة المتحف الوطني من قبل بعض الفنانين الذين يشكلون غالبية فناني الرياض أو ممن يحضرون من الفنانين من خارجها لمناسبات ثقافية أو تشكيلية، وكان المتحف يعني نتاجاً صناعياً أو تجارياً لا يتعلق بفنونهم.
نشاط على هامش المعارض
وإذا غضضنا الطرف عن أولئك المتجاهلين لأهمية المتحف أو الذين لا يهمهم أيضاً وجود مثل هذه الفعاليات العالمية ومنها ما يقام حاليا من نقل لروائع الفن الإسلامي من متحف اللوفر إلى الرياض، فإن التساؤل يطرح على من كانوا في حضن المتحف، ولم ينهلوا مما فيه من مصادر إلهام واستلهام، فقد أقيم في المتحف الكثير من المعارض لمجموعات تشكيلية لم نشاهد لها أي نشاط داخل المتحف بإقامة ورش عمل للمشاركين في تلك المعارض والرسم في أقسام المتحف وآثاره كنوع من التواصل وتجديد أساليب وأنماط أعمالهم التي يظهر في غالبيتها عناصر سطحية ساذجة ليس لها طعم أو رائحة يتم تداولها وتناولها على جدران المدارس وأسوارها. لقد أتيح لهؤلاء الفنانين فرص يمكن تفعيلها وخدمة المتحف وآثاره من خلال إقامة معارض نتجت عن مثل تلك الورش، وهو أسلوب عالمي يمارسه مختلف الفنانين بين ردهات المتاحف أو المواقع التاريخية.
طلبة أقسام التربية الفنية
وإذا كان هؤلاء الفنانون غير مقتنعين بأهمية الثقافة واكتساب المعرفة البصرية، وهي قضية أزلية يعاني منها الوسط التشكيلي ابتداء من عدم الاطلاع على جديد العالم رغم وجود مختلف السبل ابتداء من الصحف والمجلات مروراً بالبرامج الثقافية بالقنوات الفضائية وصولاً إلى أحدث التقنيات وهو الإنترنت.. فإن على المعنيين بطلبة أقسام التربية الفنية أن يأخذوا طلبتهم إلى تلك الكنوز ويجعلوا منها مصادر تعلم واستلهام وتعرف على أصول الفنون وتاريخها ودورها في حضارة الجزيرة العربية، وهذا أمر متعارف عليه، فكثير من الدارسين في كليات الفنون الجميلة على مستوى العالم لهم في استلهام الآثار الكثير من الدروس، كما أتذكر هنا ما حظينا به في معهد التربية الفنية في التسعينيات الهجرية من اهتمام أحد المعلمين الفنانين من العراق الشقيق بهذا الجانب ومطالبتنا برسم القطع الأثرية الموجودة في قاعة للآثار في الدور الأرضي من المعهد قبل نقلها إلى مواقعها السابقة في شارع الخزان.
زيارات وتواصل
إن من ضمن حديث الدكتور الأنصاري للثقافية إجابة حول سؤال عن إمكانية تعريف الفنانين بهذا الإرث، فأجاب أن ذلك يتطلب تنظيم زيارات للتشكيليين إلى الفاو وإلى الربع الخالي وإلى شمال المملكة وجنوبها لمواقع الآثار فيها. انتهى حديث الدكتور؛ لنقول إن هذا المطب لا يمكن تحقيقه إلا من خلال تعاون القطاعات المختلفة ومنها الهيئة العامة للسياحة والمؤسسات السياحية الأهلية ووزارة الثقافة.
ولكن إلى أن تتحقق هذه الأمنية نأمل في أن يجد التشكيليون أيضاً دعوة من المتحف الوطني يتم فيها إعداد برنامج ليشاهد ويسمعوا من خلاله واقع الآثار ومصادرها.
بحث وتوثيق
إن قضية مفهوم التراث والموروث الشعبي الذي أصبح حجر الزاوية في كل الأعمال المحلية واعتقد الكثير أنه تراث نابع من الواقع وله اتصال مباشر بالتاريخ والحياة في كل منطقة من مناطقنا، فأخذ موقعه وحيزه الكامل محدثاً ضبابية على الآثار الحقيقية والقديمة مما يعني أهمية البحث وتقصي حقيقة هذه الموروثات البصرية وتحديد هويتها وماهيتها وكيفية وصولها إلينا في حال حدوث مثل هذا الأمر وهو أمر طبيعي إضافة إلى إيجاد دراسات وبحوث تعنى بالجانب الجمالي في الآثار التي تم اكتشافها في الجزيرة العربية ليتمكن الفنانون والأجيال القادمة من توظيف هذا الجانب في أعمالهم وتحديد شخصية ومنابع إلهامهم.
monif@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|