قناة للثقافة
|
*د.سلطان سعد القحطاني:
في هذا العصر (عصر الفضائيات) المنتشرة في غلاف الكرة الأرضية التي دخلت كل بيت بيسر وسهولة واستطاعت أن تنشر ما تريد من الغث والسمين، وما أكثر الغث فيها وتغلبه على السمين، فمعظم البرامج المقدمة من النوع الرخيص جداً، برامج سطحية للتجهيل أقرب منها إلى التعليم، ما يقدم فيها من الفنون هابط إلى الغاية، والذوق المطلوب فيها معدوم، تشغل المشاهد بعرض الأجسام الرخيصة والكلمات الشعبية المهترئة، ذات الطابع المحلي الضيق لصرف نظر المشاهد عن التفكير ومتابعة المادة المعروضة، والهدف في الدرجة الأولى الربح السريع من خلال المكالمات الهاتفية المائعة لجذب أكبر عدد من المتصلين.
والقنوات الحكومية والمتزنة مشغولة بالأحداث المحلية والعالمية المتلاحقة يوماً بيوم وساعة بساعة، ومنشغلة بنشر إعلامها المحلي، ولا وجود للثقافة في جداولها إلا القليل وبشكل لا تستطيع معه منافسة هذا الكم الهائل من البث اليومي المدروس بما لا يعود على المشاهد بفائدة تذكر، ومعظم هذه القنوات لم تعد تحفل بالتراث الموسيقي ولا الأدبي إلا فيما ندر، ولم تضع في خطتها نقل ما يدور من فعاليات ثقافية غير رسمية، وحتى الرسمية إذا قدمت، قدمت بصورة مبتسرة لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد نجد لها العذر في ذلك، فالفعالية لم تكن في خطتها الزمنية، بل هي مجتزأ من برنامج آخر، سيتلوه برامج أخرى، وبهذه الطريقة لن يتسع الوقت لاستكمال محاضرة، أو ندوة، وسيضطر القائم على ذلك إلى اختصار الفعالية لسد الفراغ بين البرامج.
وبما أن لدينا وزارة للثقافة تسعى لجمع شتات الثقافة المتناثر هنا وهناك، بين النوادي الأدبية وجمعية الثقافة والفنون وما يتفرع عنها في إدارة واحدة، هي وكالة الوزارة لشؤون الثقافة، والثقافة كما نعلم اسم جامع لكثير من الفنون والآداب ومعيشة الفرد والجماعة في أي مجتمع يعيش على الأرض، ونحن نعيش على مساحة من الأرض تعادل مساحة عدد من الدول الأوروبية والعربية، وهذه المساحة تضم عدداً كبيراً من المواطنين يمتلكون من الموروث الشعبي والأدبي الحديث والقديم الشيء الكثير ويحتاجون إلى من يدرس فنونهم ويقدمها بطريقة فنية حديثة عبر وسيلة إعلامية منظمة تحفهم على العطاء المتواصل والبحث عن جذور التراث الفني في بيئاتهم الغنية بذلك، قبل أن يأتي يوم لن يجدوا من يسعفهم بمادة فنية، قد يكون السبب انقراض جيل الحفاظ لهذا التراث، أو من يعقب هذا الجيل على إحياء هذا التراث، من الجيل الذي ظهر على ثقافة مختلفة، ومن المفترض أن يقوم على جمع هذا التراث وتنسيقه وتقديمه عدد من أبناء المنطقة نفسها، بمساعدة المختصين في شؤون التراث، من علماء الاجتماع والفنانين، وتقدم هذه البرامج على شكل لوحات فنية بعد تسجيلها ومراجعتها على أيدي هؤلاء المختصين في القناة نفسها، كما أن هناك عدداً كبيراً من الندوات العلمية والثقافية، الرسمية وغير الرسمية، في الأندية والدوائر الثقافية، إضافة إلى الندوات الخاصة، التي تقام في منازل الموسرين من عشاق الثقافة، وتطرح في كل منها رؤى جديدة ومناقشات فاعلة تثري الفكر وتفتح أذهان المهتمين بهذا الشأن إلى مسائل فكرية وعلمية، كما أن الدولة تقيم من حين إلى آخر ندوات ومؤتمرات ومهرجانات لها قيمتها الثقافية والفكرية والعلمية، وتدور في أروقة مغلقة تنتهي بتوصيات لا يطلع عليها إلا الخاصة من أصحاب الشأن المباشر، وفي ظني أن الوقت قد حان لظهور قناة تنقل هذه الفعاليات وتقدمها إلى جمهور المشاهدين للاطلاع على ثقافة بلادهم وعلى الجهود التي تبذل في سبيل الثقافة والنشاطات المصاحبة لهذه الفعاليات، ولتعويض المشاهد عن ذلك السيل العارم من البرامج الضعيفة المسطحة، والتي لن تنتج إلا ثقافة مسطحة وعقلا مغلقا على توافه الأمور، هناك قناة أردت أن تضاد القنوات الأخرى، فحرمت الموسيقى التصويرية في برامجها، لكنها أخذت تبث برامج الرحلات بأسلوب محلي ضعيف وحركات تنفر منها الذائقة، ونحن بحاجة إلى إحياء التراث المحبوس في أدراج الإذاعة والتلفزيون، فقد اجتهد الرواد من الموسيقيين والملحنين، في البلاد العربية، ومنها السعودية في إخراج كنوز من روائع الفن الملتزم بذوق رفيع المستوى، والشباب لم يعرفوا عنه شيئاً في خضم هذه الموجات العارمة، ما بين الشرق والغرب، والمحلي الهابط، من برامج وأغان ومسلسلات سمجة، والممثلون على استعداد لتقديم مسرحيات من النوع الجيد، وقد كان مسرح جامعة الملك سعود في العقود الماضية، وأنا من القائمين عليه آنذاك دور لن ينساه التاريخ في صقل مواهب الشباب، الذين نجدهم اليوم بلا مسرح، ولو قدر لقناة ثقافية تتبنى هذا المشروع لعاد هؤلاء بعطاء ينافس أكبر المسارح العالمية والعربية، وكذلك الفنون التشكيلية، ولدينا عدد كبير من الموهوبين والمحترفين في كل المجالات الثقافية، ينتظرون الفرصة من خلال حوارات ثقافية مع الكتاب والمؤلفين والنقاد والفنانين، لمعرفة خلفياتهم الثقافية والكيفية التي نموا بها مواهبهم، فمعرفة سير المبدعين والعلماء أمر غاية في الأهمية بالنسبة للمتلقي، وهؤلاء لا ينقصهم إلا وجود قناة تتبنى إنتاجهم وتعرضه على العالم.
إن أملي كبير في وزير الثقافة المثقف، السيد إياد مدني، ووكيل الوزارة لشؤون الثقافة، الدكتور عبدالعزيز السبيل، والمستشار الثقافي الدكتور أبو بكر باقادر، في أن يجدوا جميعاً في إنشاء هذه القناة، كما أن أن أملي كبير في كل المثقفين، من كتاب وفنانين وأدباء بأن يتعاونوا مع هذه القناة لتمثيل الوطن بالصورة اللائقة به.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|